همتك نعدل الكفة
1٬687   مشاهدة  

يوميات طالب الكلية الحربية (٧) .. يوم عدت من الأسكندرية سيرا على الأقدام

الأسكندرية
  • كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



انتهينا في الجزء السابق من يوميات طالب الكلية الحربية (٦) .. الصاعقة إلى علقة الجنينة بعدما حدث في التجديف وهو أحد أهم ٣ محطات في الشهر الأول من فرقة الصاعقة الراقية التي يجب أن يحصل عليها طالب الكلية الحربية ليجتاز سنته الثانية، المرحلة الأولى هي قفزة الثقة في ترعة الإسماعيلية، من على ارتفاع ٢١ متر – عمارة ٧ أدوار -، نصعد سلما حديديا رأسيا “يتلخلخ” حرفيا بنا ونحن نصعد ارتفاع سبعة أدوار فتصبح العودة عن طريقه ، مستحيلة، نقف على المنط فنرى الترعة خطا نخاف أن نسقط خارجه، يسألني الضابط المسؤول عن حبيبتي فأخبره عنها فيدفعني طالبا مني احتضانها.

أسقط في ثواني معدودة محاولا الحفاظ على اتزاني حتى أسقط رأسيا فلا يصيبني كرباج المياه، يمر شريط حياتي أمامي خلال تلك الثواني وما إن تمسني المياه حتى أضحك كما لم ولن أضحك من قبل وبعد.

قفزة مرعبة لكن اجتيازها سعيد، ككل تلك المحطات في حياتنا التي نخشاها وعندما نتجاوزها نضحك بفخر

العلامة الثانية كانت تطعيم المعركة حيث نجتاز موانع ونيرانا كما عرضتها السينما طيلة الوقت، ما لم تعرضه السينما شيئين، دفعتي وصديقي الذي ظل طيلة الطريق ونحن نتحرك إلى ميدان تطعيم المعركة يغني قائلا “النار مش ممكن تحرق مؤمن”

واقتحام حفر من النيران ومن بعدها الزحف أسفل مجموعة من الأسلاك وضابط ما يطلق الرصاص – الفشنك – فوق رؤوسنا لنبقى منبطحين ولا أسمع في أذني سوى صوت زميلي  “النار مش ممكن تحرق المؤمن”.

تطعيم المعركة ليس لعبة ولكنها محاولة لجعلنا أشد، كل ما نمر به في الكلية هو اختبار تحمل، نتعلم أن نتحمل لنجتاز وننتصر، والمصريون هم ملوك التحمل لهذا هم الأكثر تفوقا في حمل الأثقال

وأخيرا ينتهي الجناح الأساسي الشهر الذي نقضيه في أنشاص بعلقة الجنينة، حين نجتاز دون سابق معرفة ودون أن ندري ممرا ضيقا في حديقة برتقال تقاربت أشجاره فلم تسمح لنا بالمرور سوى عبر هذا الممر وعلى مسافة كل عشرة أمتار تجمعت مجموعة من ضباط الصف والضباط يمسكون كل عابر ليعطوه علقة ما مقابل طلب ما

  • مش حنسيبك غير اذا قولت اسمك سوسن

بالطبع لم ينطقها أحدنا بحكم السن وبحكم العسكرية وبحكم المقاومة وتلقينا العلقة جميعا

في محطة أخرى يحملك أحدهم كما يحمل الجنين ويطلب منك الهتاف لمصر

علقة نتلقاها لنغادر الجنينة ونغطس في ترعة مطالبين أن نخرج “بكابيك من الديلم”

ولهذه الجملة ترجمة سنعرفها بعد، تخيل عزيزي القاريء أن تطالب بتنفيذ ما لا تعرف ترجمته بعد.

الجناح الراقي .. لما عداد رجلك يفوت

أجازة قصيرة تنتهي ونعود لمدرسة الصاعقة استعدادا للجناح الراقي وهو الشهر الذي نقضيه في الأسكندرية، حيث نمشي في دوريات بلا توقف، نتحرك من العامرية تجاه الكنج مريوط في دوريات ليلية تبدأ من غروب الشمس حتى شروقها، نحمل طعامنا وحقيبة نومنا فوق ظهورنا، يجبرونا أحيانا على السير بالبنطلون والبيادة فقط في شهر يناير في الأسكندرية وحين يرضون عنا يسمحون حتى بأن نرتدي “الكلابوش” فوق رؤوسنا – ما كان يرتديه عادل امام حين اعتدى على فاروق الفيشاوي في فيلم المشبوه – نمشي بلا توقف.

وفي يوم أجازة من الدوريات التي لا تنتهي والتي كنا نخوض فيها أحيانا في عرض الترع فنبتل أيضا ونحاول حماية حقائب نومنا من البلل لنكمل الطريق مرتعدين قررنا “التزويغ” من المعسكر لبعض الترفيه، وهربت دفعة بأكملها لتصل إلى محطة الرمل لتدخل السينما ولم يكن أمامنا سوى فيلم “ديك البرابر” يرتدي بعضنا بنطلون بدلة تدريب والبعض الأخر تي شيرتات صيفية والبعض نصف أفرول لنحجز حوالي ٣٠٠ تذكرة نخرج بعدها للعشاء والعودة للمعسكر.

أنت سيد قرارك لكن عليك أن تتحمل عواقبه، سنتركك تغادر لكن تحمل ما تجد حين تعود

لنجد تشريفة تنتظرنا لنقف عراة بالبنطلونات تسكب علنينا المياه حتى الفجر لتخرج أول وأخر دورية مشي أخرى في تاريخ الصاعقة باسم “ديك البرابر”

إقرأ أيضا
ألاسكا

ليلة بلا نوم، نعرف فيها كيف تتحول “السقعة” لعضو في الجسد تماما مثل تلك الليلة التي اجتزنا فيها ملاحات الأسكندرية وعدنا لطلب “بكابيك من الديلم” والتي عرفنا أنها تعني أن تغطس دماغك في المياه وتجعل الماء يبقلل

في نهاية ليلة الملاحات كنت أطلب من صديقي ودفعتي الذي يمشي معي طيلة الدوريات أن يطفيء السجائر في كف يدي لأنني لا أشعر به، صديقي الذي كنا نتبادل النوم أثناء المشي في الدوريات ونام يوما في وقت صحيانه فسقطنا سويا في ترعة.

أعمى يقود أعمي كلاهما يسقط في الحفرة

وينتهي كل هذا بدورية العودة من الأسكندرية إلى القاهرة سيرا على الأقدام والتي تستمر ثلاثة أيام حيث نمشي يوميا من المغرب حتى الشروق ٧٠ كيلو متر على الطريق الصحراوي.

تلك الدورية التي بكيت حين انتهت ولم أصدق فعليا أنني صرت على أبواب القاهرة، حيث عذبتني التسلخات حتى قتلتني، لكنني كنت على موعد مع السجن في الكلية الحربية بعد عودتي سيرا على الأقدام من الأسكندرية فماذا حدث؟

الكاتب

  • الأسكندرية أسامة الشاذلي

    كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
14
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان