يوم أن جاءت السيدة زينب إلى مصر “قراءة في حب شعب المحروسة لآل البيت”

أحمد الجعفري

كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال

«يا بنت بنت رسول الله، اذهبى إلى مصر، فإن فيها قومًا يحبونكم لله ولقرابتكم من رسول الله»، بهذه الجملة نصح عبدالله بن عباس السيدة زينب بالذهاب إلى المحروسة.

السيدة زينب قبل الذهاب إلى مصر

السيدة زينب حفيدة خير خلق الله، إذ أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهي ابنة الإمام علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة سيدة نساء أهل الجنة .. وأخويها سيدا شباب أهل الجنة.

ولدت عليها السلام بالمدينـة المنورة فى شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة الموافقة 626ميلادية، وفي ولادتها هبط جبريل الأميـن يقرؤه صلى الله عليه وعلى آله وسلم السلام من الله تعالى ويقول له كما روى إمام حديث أهل السنة والجماعة الإمام أحمد : سمي هذه المولودة زينب.

كانت مصائبها جلل وجسام بدأت بوفاة رسول الله لتكون أول المصائب والأحزان التى عاشتها وهي في سن الخامسة، لتتذوق بعدها بستة أشهرألم فراق أمها الحبيبة فاطمة سيدة نساء العالمين ثم تتربى في كنف علي بن أبي طالب.

فاجعة كربلاء

رحلت السيدة زينب مع أخيها الحسين عليه السلام بين ولديها وسط سبعة عشر من أبناء النبي إلى كربلاء لتبقى بينهم أياما في عطش منعت فيها المياه وسط حصار قليل من الصحابة وكثير من التابعين بدأ بأربعة آلاف وانتهى بأربعين ألفا .. لترى إبناها محمد وعون يُقْتَلا أمام عينيها مع سبعة عشر من آل البيت تنظرهم يلقون الشهادة بظمأهم واحدا تلو الآخر ثم تشاهد ذبح أخيها الإمام الحسين، فتلملم الدماء الذكية وترفع بصرها إلى السماء تقول اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان.

وبعد هذا البلاء العظيم تم تشريد آل البيت وتفرقتهم في الأمصار بين بقاع الأرض من بعد طردهم من المدينة المنورة، لتختار السيدة زينب مصر.

المصريون وحب آل البيت .. قدوم السيدة زينب نموذجًا

كان رحيل السيدة زينب رضي الله عنها إلى مصر هي ومن معها من أهل البيت ومضت في طريقها إلى المحروسة وتحملت ما تحملته من مشاق السفر وعناء الطريق صبرت وصمدت حتى يسر الله لها ولمن معها الوصول إلى أرض الكنانة وهناك في منطقة بلبيس كان أبناء مصر قد جاءتهم الأخبار بأن السيدة زينب ستشرف ديارهم فسروا بذلك سرورًا كبيرًا.

إقرأ أيضا

مسلسل بدون سابق إنذار.. سيكولوجية الإنسان ما بعد الصدمة

أثبتت واقعة بلبيس أن حب المصريين لآل البيت حب حقيقي أثر في والي مصر (الأموي) مسلمة بن مخلد الأنصاري حيث خرج معه جمع كبير من العلماء والأثرياء والقضاة وأصحاب المكانة في البلاد فكانوا في استقبال السيدة زينب عند وصولها فأظهروا من الحفاوة بها والترحيب بمقدمها ما أقر عينها وجعلها تحمد الله كثيرا إذ لا يزال في الأمة من يعرفون لأهل البيت حقهم ويقومون بما ينبغي لهم من تحيه وتكريم.

سار هذا الموكب من حول الضيفة العظيمة يقطع الفيافي والقفار مرحله بعد مرحله حتي كانوا علي مقربه من مدينة الفسطاط وهناك علي شاطئ الخليج كان والي مصر مسلمة بن مخلد قد اتخذ منزلا فسيح الأرجاء ليقيم فيه فقدم منزله هذا إلي السيدة زينب إكراما لها ووفاء بحقها وصلة لرحم جدها صلي الله عليه وسلم وتصوير استقبال السيدة زينب في ذلك المنزل الذي أهداه إليها مسلمة بن مخلد الأنصاري جاء بالسند المرفوع إلى رقية بنت عامر الفهرى حيث قالت “كنت فيمن استقبل السيدة زينب لما قدمت مصر بعد المصيبة فتقدم إليها مسلمة بن مخلد الانصاري وعبدالله بن الحارث وأبوعميرة المزني فعزاها مسلمة فبكى وبكت وبكي الحاضرون وقالت هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.

وافق دخول السيدة الطاهرة مصر بزوغ هلال شعبان وكان قد مضى على استشهاد شقيقها الإمام الحسين رضي الله عنه ستة أشهر وقد أقامت السيدة معززة مكرمة محبوبة من جميع الناس إذ أحس أهل مصر بأن الله قد أنعم عليهم بأعظم نعمة وأكرمهم أعز إكرام إذ خصهم بهذا النور المبين من الأنوار المحمدية يفد إليهم ويستقر فيهم ولهذا كان أبناء مصر رجالا ونساء يفدون إلى تلك الدار ملتمسين فيضًا عميمًا من بركات بنت بنت رسول الله وكانوا يحسون بما يحسه زوار السيدة حتى الآن بأنهم يجدون في قلوبهم أنوار تهديهم وتحبب إليهم القرب إلى الله وتعودهم السخاء والكرم الذي كانت تعرف به بنت بنت رسول الله.

ظل أهل مصر على احتفالاتهم أياما في شرف قدومها، لتدعو السيدة زينب لأهل مصر قائلةً «يا أهل مصر: نصرتمونا نصركم الله .. وآويتمونا آواكم الله .. وأعنتمونا أعانكم الله .. جعل الله لكم من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا»، وعاشت بمصر 11 شهرًا و 10 أيام ودُفِنَت بها.