إن كان نورك ينبع من القلب فإنك لن تضل الطريق أبدًا.. هل يوجد الله في أضرحة ومقامات اتباع الديانات الإبراهيمية فقط؟!
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
أماكن يملئها صوت الدعاء والبكاء الذي يمتزج في الشاكر والطالب يطلق عليها أضرحة مقدسة، تقف في الزاوية البعيدة فتاة تتمنى أن يرزقها الله بطفل وأن يفك عقدتها بشفاعة صاحب المقام، وأخر احضر ابنه العاجز وبداخله إيمان كامل بأن صاحب المقام لن يرده إلا وهو مجبور الخاطر، يستأذنه عجوز وهب نفسه لخدمة زوار هذا المكان بأن يحرك كرسي الطفل حتى تستطيع سيدة ممسكة بعكازه المرور لتملس على الشباك الذي يوجد خلفه رفات شخص ما لا تنطق اسمه، ولكنها اكتفت بطلب العون منه تحت اسم (سيدنا).
أغلبنا عاش للحظات داخل هذا المشهد عند زيارة أحد الأضرحة الشهيرة (إن كنت مسلم) وكذلك أمام رفات القدسين في الكنائس (إن كنت مسيحي)، ولكن قد تكون فكرة وجود (صاحب المقام) الذي يراه المؤمنين كعصى سحرية يمكنها أن تحقق طلباتهم مهما كانت بسيطة او مستعصية، هي حقًا فكرة تستحق التأمل.
هل أنت هنا يا الله؟
في رأي أننا لا يمكن أن نلصق وجود أضرحة أو القبور المقدسة بدين بعينه، فلو بحثنا في الديانات الإبراهيمية (اليهودية، المسيحية، الإسلام) فلن نجد أي آيات أو تعليم صريحة تتحدث عن الشفاعة من الأساس، ولذلك اعتقد أن الأمر لا يتعلق بممارسات دينية أو تنفيذ شعائر موصى بها، ولكنها رحلة البحث عن الرجاء.
أتذكر جيدًا أنني كنت اجلس مع صديق لي (ملحد) وأخذنا الحديث إلى طرح سؤال (ما الذي يفتقده الملحد في الإيمان؟) وبعد مناقشة طالت لساعات، أجابني “أنا أفتقد الرجاء، وأن هناك إله فائق القدرة يستطيع أن يفعل كل ما يعتبره عقلي مستحيل وغير منطقي”، اتفق معه تمامًا، فالرجاء هو العصب الحقيقي للإيمان بشكل عام، ولا أنكر انني كنت اتعجب من الممارسات الدينة للأديان غير الإبراهيمية، والذين يمتلكون صورة مختلفة لإلههم ويطلقون عليه أكثر من اسم، على الرغم من أن بعض هذه الديانات هي ديانات توحيدية، وعرفت التوحيد حتى قبل الديانات الإبراهيمية مثل (الزرادشتية).
ولكن إذا حاولنا تحليل الأمر بعيدًا عن التهكم والتقليل من معتقدات الغير، سنجد أننا جميعًا باختلاف دياناتنا وطوائفنا وخلفيتنا نسير على الدرب نفسه، كلنا نريد أن نشعر أن الله قريب منا ونستطيع التواصل معه والشكوى إليه، لذلك يجد المؤمنون في الأضرحة باختلاف مسمياتها في الأديان تجسيد حقيقي لفكرة التقرب إلى الله.
الملايين يجدون الله في أماكن لا علاقة لها بالديانات الإبراهيمية
إذا كان لديك شغف في معرفة الديانات الأخرى وطبيعة تعبدهم، ستجد أن فكرة المقام أو أضرحة أو حتى الكعبة، موجودة بالفعل عن الديانات الأخرى، ولكن للأسف دائمًا ما تعرض لك على تحت عناوين صحفية تجعل الأمر يدعوا للضحك بدلاً من إثارة العقل والدعوة إلى التعرف على الأخرين ومعتقداتهم، ولذلك قد يكون من الغريب على مسمع بعضنا مثلاً أن نعرف أن هناك كعبة للديانة الزرادشتية، ويذهب إليها المؤمنون بطلباتهم ونذورهم ويطفون حولها داعين الله ومتشفعين بزرادشت أن تحقق أمالهم، وبعيدًا عن رؤيتهم لطبيعة الله هناك يشعرون أنه قريبًا منهم.
وكذلك البهائيون الذين يعتبرون ضريح حسين علي نوري (بهاء الله) الموجود في فلسطين وتحديدًا في عكا، هو المكان الذي تحيط بهم هناك روح الله، فيذهبون أيضًا متضرعين متأملين أن يدخل على صدورهم هواء بارد محمل بنسائم الله.
وحتى الذين لا يؤمنون بوجود الله من الأساس لديهم أضرحتهم، ولكن تختلف شكل هذه الاضرحة فهي لا توجد في أماكن بعينها، ولكن في قلوبهم، سألت ذات مرة صديقي الذي ذكرته من قبل عن أين تجد الراحة، ورغم أنني توقعت أن رده سيكون مغلف بطبقة من السخرية، إلا أجابني إجابة مقنعة للغاية بالنسبة لي، حيث قال إن الراحة والرجاء دائمًا موجود حولنا في الطبيعة ولا يحتاجون إلى أضرحة مقدسة، فالأرض التي تدور حول نفسها وحول الشمس وتقسم يومنا ما بين اليل والنهار هي في حد ذاته تبعث الرجاء والراحة، فمهما طال الظلام فالنور قادم لا محالة.
ماذا لو فشل عمرو بن العاص في فتح مصر؟!ماذا لو فشل عمرو بن العاص في فتح مصر؟!
ابحثوا عن الأضرحة بداخلكم، نحن في حد ذاتنا أصحاب مقام وهبه الله شيء من روحه، ولكن الفرق بيننا أن هناك من يركز في طلب الرجاء جلسًا على صخرة روحه القوية، وآخرون لا يمتلكن الشجاعة لإصلاح أرواحهم ولذلك يبحثون عن صاحب مقام.
الكاتب
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال