داود عبد السيد ..موهبة نادرة أهدر سحرها المنتجون

 الموهبة لا يتشابه أصحابها، فهناك من يستخدمها لأكل العيش فقط، وهناك من يعمل على تطويرها طوال الوقت، وهناك من يحمل همها ويتعامل معها بشكل مختلف.

والمخرج الكبير داود عبد السيد من هؤلاء المثقفين الذين يحملون هم الفن، ويرصدون ما يحدث بالسوق السينمائي بأسى.

بدأ عبد السيد مشواره كمساعد مخرج في أفلام كبيرة كفيلم الأرض مع المخرج يوسف شاهين، والرجل الذي فقد ظله مع المخرج كمال الشيخ.

ويعرف الفنان بمشواره منذ البداية، وهؤلاء الحالمون الذين يعرفون طريقهم من البداية يحملون دائمًا خطة ومنهجًا.

تطور الشاب فأخرج أفلامًا تسجيلية مثل فيلم “وصية رجل حكيم” وأفلام أخرى. ومن يومها وهو يهتم بالناس؛ أحلامهم، همومهم، واقعهم كذلك.

فأصبح يهتم في أفلامه بنفس المعاني، فتجد الشيخ حسني (ابن النكتة) والذي يؤمن أنه يرى بالنور وبالظلام رغم فقدانه البصر، ويجمع بين صفات مختلفة وعيوب ظاهرة، كي نتعرف على شخصية حقيقية من لحم ودم، وليست شخصية نمطية لمن فقد بصره. الشيخ حسني الأب، والشيخ حسني الحبيب، والشيخ حسني المشاكس، والشيخ حسني الذي برغم كل عيوبه يحب الصراحة ويكشف الغير ببصيرة فذة. 

اقرأ أيضًا…..الصدفة والتحرر علامات أفلام داود عبد السيد الساحر

و بأرض الخوف معاناة آدم على الأرض ومحاولاته فهم نفسه ومراد الله من رسله والهدف من الحياة.

وفي فيلم أرض الأحلام تتحرك مع رحلة نرجس مع رؤوف ومحاولات اسكتشاف الذات من جديد والتغلب على القلق والوصول إلى ما نريده لنا وليس ما يريده لنا الآخرون.

كل فيلم لهذا المخرج الكبير تدخل مع بطله في تجربة غاية في الدهشة، تقلب حياته رأسا على عقب، وتجعلك تخرج بالمتعة وكثير من التساؤلات والأفكار، وهذا ما يتبعه دائمًا ويريد توصيله للجمهور.

هو نفسه في حواراته ولقاءاته يؤكد على هذا الأمر. فأصبحت أفلام الساحر داود عبد السيد تعبر عن أشياء كثيرة وتجمع بين الفلسفة والمتعة بنفس الآن.

وكنت قد كتبت مقالًا عن معاني متكررة في أفلامه مثل الحرية التي يؤكد عليها بكل فيلم، وكذلك الصدفة التي تجمع دائمًا بين أبطاله.

ولكن المخرج العظيم الذي أخرج لنا رائعة الكيت كات، أرض الخوف، البحث عن سيد مرزوق، وغيرها من الأيقونات الرائعة أعلن اعتزاله منذ عامين.

وسرد عدة أسباب منها غلاء تذكرة السينما على المواطن البسيط، وتضييق الرقابة على أصحاب الأفكار التي تهتم بالمواطن.

وقال أيضًا أنه لا يستطيع التعامل مع نوعية الأفلام التي يفضلها الجمهور حاليًّا، والتي يبحث عنها من أجل التسلية وليس لمناقشة القضايا التي اعتاد أن يطرحها في أعماله.

ولكن في نظري فالجمهور لديه أكثر من ذائقة تجاه الأفلام، وكل نوعيات الأفلام لها جمهورها. فيكرر داود عبد السيد أن الجمهور يبحث عن أفلام بمتعة دون رسالة وفكرة، ولكن في رأيي أزمة داود عبد السيد الحقيقية في عدم توفر إنتاج لأفلامه.

إقرأ أيضا

لماذا لا يتعلم هؤلاء من الممثل أشرف عبد الباقي؟

وقد قال في تصريحات سابقة مع المذيع يوسف الحسيني ببرنامج التاسعة منذ عامين، أنه انتظر خمس سنوات ليجد إنتاجًا لفيلم الكيت كات!…وعشر سنوات ليجد إنتاجًا لفيلم رسائل البحر.

المخرج صاحب الدماغ الألماظ الذي يكتب أفلامه بنفسه حصيلة أعماله خلال أخر 25 سنة (ربع قرن) ثلاث أفلام تقريبًا!…وهم بالترتيب: مواطن ومخبر وحرامي، رسائل البحر، قدرات غير عادية.

وكان قدرات غير عادية إنتاج عام 2014 وواجه مشكلات بالسينمات آنذاك غير مفهومة وتم رفعه من السينما بعد ثلاثة أسابيع فقط من عرضه!!!…وعلى الرغم أنه لم يكن من أفضل أفلامه إلا أنه من الأفلام التي تقف عندها وتدعوك للتأمل كعادة أفلام داود عبد السيد التي تغرق في تفاصيلها وكأنها رواية مكتملة الفصول.

مازالت الأفلام التي يبحث صناعها عن الفن بمعانيه من إمتاع وفكرة والغوص في الأعماق البشرية موجودًا، وله زبونه أيضًا، بدليل الاحتفاء بفيلم رحلة 404 للفنانة منى زكي وغيرها من الأفلام المختلفة، ولكن ما يحدث للمخرج داود عبد السيد ليس له مبررًا على الإطلاق من المنتجين.

فهو موهبة هدرتها السنين وظلم المنتجين وما يحدث ظلمنا نحن أيضًا كجمهور لهذا المخرج العظيم، ودائما يكرر أن أفكاره على قائمة الانتظار ولو كان هناك إنتاجًا لرأينا عملًا مبهرًا له جديد.