دراما رمضان ٢٠٢٤.. نوستالجيا حاضرة وتكرار مؤكد وقليل من المخاطرة
-
منار خالد
ناقدة سينمائية مصرية
يشهد موسم دراما رمضان ٢٠٢٤ عددًا كبيرًا من أعمال الدراما التلفزيونية، وقبل الدخول لأي تفاصيل تخص المسلسلات يجب التنويه بأن كل ما سيقدم ما هو إلا توقع، توقع مبني على مفهوم في عالم النقد يسمى “أفق التوقع” وهو مفهوم جمالي يلعب دورًا مؤثرًا في عملية بناء العمل ونوعية استقباله التي يلقاها العمل إنطلاقًا من المتلقي الذي يُقبل على المُشاهدة وهو يتوقع أو ينتظر شيئًا ما.
حيث يكون المتلقي هذا التوقع بناء على مجموعة معطيات تُمنح له في البداية كي يحدد خريطة مشاهداته وكذلك أحكامه المبدئية.
من أولها المعرفة القبلية التي يكتسبها المتفرج بناء على حصيلة مشاهدات سابقة له سواء في جميع الثيمات الدرامية وتتابعها على مر العصور والأعمال بمختلف وسائطها، وكذلك المتابعة لنجم العمل أو الأسلوب المخرج أو الكاتب أو أي من صُناع الأعمال كافة؛ وبالتالي مشروع للمتلقي توقع ما سيقدمه الصانع بناء على حصيلة الخبرات السابقة من مشاهدات.
ثانيًا المعطيات الفنية التي لا تقل أهمية عن العمل ذاته، مثل البوستر الدعائي للعمل، أو الإعلان التشويقي، فهي عناصر هامة بل وصناعة في ذاتها تقوم على جهود فنية كبيرة يستطيع المتلقي من خلالها تكوين أفق توقع ما عن العمل، بصفتها عناصر أولية جذابة بها مقتطفات أو ربما لمحات أو صور بها مساحة كافية من البراح للتوقع والتشويق.
وثالثا عند وجود أعمال فنية/ درامية مأخوذة عن أعمال أخرى شهيرة ومعروفة، يحتفظ المتلقي بالتأكيد بجزء منها في ذاكرته، يستطيع من خلال تلك المعرفة أن يكون توقع ما عما سيقدم حديثًا وفقًا للوقت الحالي، مع مراعاة الفارق بين الوسائط والأزمنة.
ودون الإسهاب كثيرًا في نظريات التلقي، فقط هي مقدمة توضح شرعية التوقع والحكم المبدئي وتوضح أيضًا مرونة التعامل مع الأعمال الفنية وكذلك مرونة التعامل مع النقد ورأي المتلقي عند تغيير وجهة نظره في العمل إذا تطلب الأمر ذلك، لأنه إذا حدث تغيير بالفعل تثبت النظرية التي لا يمكن أن تحيد خارج سياق “التوقع” تنتظر بالتأكيد مشاهدة العمل كاملًا لإبداء الرأي والحكم النهائي.
أعمال في منطقة الأمان خلال دراما رمضان ٢٠٢٤
لم يجازف بعض صناع الأعمال هذا العام واكتفوا بتقديم أجزاء لأعمالهم سبق وحققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا من قبل، وعلى رأسهم “الكبير أوي الجزء ٨” الذي ضمن وجوده كل عام في إطار كوميدي يُضاف إليه من سنة لأخرى عناصر شبابية تلفت النظر إليها بين مؤيد ومعارض، ولكن مكي بصفته بطل للعمل يستطيع الخروج من أي مأزق سلبي بتصميم اسكتشات داخل درامته وكذلك إفيهات تأخذ من روح الانتقادات التي توجه لممثلين العمل، في حالة أشبه بالتأكيد لكافة المتفرجين بأن النجوم يتابعون تعليقاتهم بحرص، وبالتالي ربما يستشعر البعض بأهميته فيستمر في المتابعة والتعليقات، وآخرون يستشعرون باللامبالاة من قِبل الصُناع، فيفضلون عدم المشاهدة، ولكن من المتوقع للعمل هذا العام أنه سيسير على نفس منوال الأجزاء السابقة، وحتى وأن أعتلى التريند في وقت ما في شهر رمضان سيكون السبب هو ذكاء الصناع في اقتناص الإفيه أو الشخصية المربوحة التي ستزيد من نسب المشاهدة، لا التجديد أو تقديم شيء مختلف.
أما عن “المداح” فهو يسير على نفس واجهة ضمان نسب المشاهدة العالية، ودون توقع قوي من العمل في تقديم الجديد أيضًا، خصوصًا بعد سحب كل ما في وسع وطاقة هذه الثيمة التي استقر عليها العمل منذ ٤ أعوام، وبعيدًا عن تكريس العمل لخطاب ربما يتنافى مع تقدمية ما نحياه اليوم والإصرار على تأصيل أجواء السحر والخرافة، فبطل العمل نفسه حمادة هلال ربما يحتاج لخلع هذه العبائة التي اسُتهلكت إلى هذا الحد، فمنذ فترات كبيرة لم يصدر ألبومًا غنائيًا وكذلك لا يوجد له أي أعمال سينمائية ولا درامية، فالمداح أخذ وقت أكثر مما يستحقه، والالتفات الجماهيري كل عام لا يعني بالضرورة جودة العمل، فربما الاعتياد، لكنه بالتأكيد لن يبقى كثيرًا في ذاكرة الدراما المصرية إذا أصر على وجوده كل عام أكثر من ذلك.
ما بين النوستالجيا والتجديد في دراما رمضان ٢٠٢٤
أما عن الأعمال التي تريد استثمار النجاح ولكن بشكل مختلف فهو مسلسل “كامل العدد ٢” لا يسعنا أن نخرجه من قائمة استنزاف الثيمة الناجحة، ولكنه مازال أمامه فرصة لإثبات جودة الكتابة التي تعتبر الركيزة الأساسية لأي عمل فني، خاصة أنه كان يعتمد العام الماضي على مغازلة نوستالجيا المتلقي في إعادة تقديم عمل سينمائي شهير قديم بطريقة أكثر عصرية ومواكبة لوقت عرضه ومختلفة في أغلب تفاصيلها.
وعلى ذكر مداعبة النوستالجيا، أو تقديم أعمال درامية جديدة قائمة على عنصر أدبي أو سينمائي سابق فقبل التطرق للأعمال المطروحة هذا العام يجب الإشارة أن بمجرد الإعلان عن أي عمل درامي يرتكز على عمل آخر شهير روائيًا كان أو سينمائيًا فهو يقدم عنصرًا دعائيًا ذو حدين، الأول منه اللعب على فضول المتفرج في مشاهدة ما تم تغييره مع المقارنة المشروعة بين العمل الجديد والوسيط القديم، والثاني هو إصدار البعض أحكام مطلقة نحو فكرة الاستسهال وإعادة التقديم نظرًا لعلو نغمة افتقارنا مؤخرًا مواهب متجددة في الكتابة، وفي واقع الأمور من الممكن أن يتحقق أي من الرأيين بلا شك، لكن ذلك لا ينفي أحقية أي صانع عمل من إعادة تقديم أي وسيط سابق لأنها مواد قابلة دائمًا للتطوير والرؤى الجديدة، بل وهي مصدر أساسي من مصادر الإبداع، شأنها كشأن أي ثيمة درامية طالما قُدمت، فقط طرق الطرح والتناول تظل هي الفيصل في ذلك الأمر.
ولدينا هذا العام مسلسل “جري الوحوش” من تأليف أحمد صبحي، وإخراج عبدالعزيز حشاد، وبطولة نضال الشافعي، إلهام وجدي، فادية عبدالغني، وهو المأخوذ عن فيلم سينمائي بنفس الاسم الذي اشترك فيه الثنائي علي عبدالخالق كمخرج، ومحمود أبو زيد كمؤلف، وهذه ليست المرة الأولي في أخذ عمل رمضاني من ذلك الثنائي نفسه فسبق وقدم لهما في أعوام سابقة “العار، الكيف” وحققا نجاحات جماهيرية ونسب مشاهدة جيدة، ولكن يظل التمني قائم في التخلي عن نبرة “الوعظ” التي لم يتخل عنها أبو زيد في أعماله الأصلية، والحال نفسه الذي طال ما سبق وقُدم من إنتاجات رمضانية سابقة، وكذلك تمني معاصرة الموضوع، وأسلوب تقديمه المُتطلب منه أن يكون مختلفًا من حيث اختلاف الوسيط وكذلك اختلاف الزمن.
أما عن “إمبراطورية م” وبخلاف الاهتمام غير المعلن أسبابه مؤخرًا من جديد بأدب إحسان عبدالقدوس، سواء في السينما أو التلفزيون، وعلى الرغم من أنها قصة قصيرة تحولت إلى فيلم شهير اجريت عليه الكثير من التعديلات التي تناسب الوسيط السينمائي أولًا وكذلك الحقبة الزمنية التي قُدم فيها الفيلم، فيبدو أن مسلسل هذا العام تعامل مع العمل الأدبي مباشرة، وهذا مؤشر جيد للغاية، فربما وجد به خطوطًا تصلح للتقديم الدرامي هذا العام، الذي من الممكن أن يثمر عن عمل مختلف فقط يستند على عمل أدبي لكنه يحمل رؤيته الخاصة والمتجددة.
وكذلك “عتبات البهجة”، بطولة يحيى الفخراني، وتأليف مدحت العدل وإخراج مجدي أبو عميرة، المستند على رواية بنفس الاسم للأديب “إبراهيم عبدالمجيد” وكل ما تم استنتاجه من الإعلان التشويقي والتصريحات والأخبار الموجودة عن المسلسل، أنه يدور عن صراع الأجيال، ثيمة غنية، لكن عناصر الخوف بها تكمن في عدم وجود روح شبابية حقيقية في الكتابة والإخراج وكذلك الأصل الأدبي، فذلك ربما يبشر بإدانات للأجيال الجديدة أو التحيز للأزمنة الماضية داخل صلب الدراما، وبالتأكيد لا نتمنى ذلك.
وعلى ذكر توقع إدانة الأجيال الجديدة وآليات عصرها، فالإعلان التشويقي بل والبوستر الدعائي لمسلسل “أعلى نسبة مشاهدة” من تأليف سمر طارق، وإخراج ياسمين أحمد كامل، يثير توقع إدانة آليات العصر الحالي والحكم على وسائل التواصل بأنها المتسبب في تفرقة شمل العائلات والصداقات، ربما تم اعتماد ذلك الخطاب مؤخرًا في أكثر من وسيط بين المسرح والسينما ومؤخرًا يستعد ليظهر بالدراما، ودون الاتفاق أو الاختلاف مع تلك النبرة، كل ما نتمناه ألا يكون الحكم لأي من طرفي الصراع الدرامي قائمًا على التحيز للزمن الجميل دون إمعان النظر كليًا فيما نحياه اليوم بل ونحيا من خلاله وهو جزء لا يتجزأ بالفعل من هويتنا وثقافتنا.
أما عن مسلسل “أشغال شقة” من بطولة هشام ماجد، وأسماء جلال، والذي يتناول أزمة زوجين بعد إنجابهما طفلين توأم في إطار كوميدي مشوق للمشاهدة، لكنه ربما أخذ بعض الشيء من روح الفيلم المصري القديم “صباح الخير يا زوجتي العزيزة” الذي قدم في أواخر فترة الستينيات، والذي تدور ثيمته في نفس فلك رعاية الطفل، بخلاف عدد الأطفال في كل من العملين وبالتأكيد اختلاف الكثير من العناصر الأخرى، وعلى الرغم من عدم ذكر ذلك التشابه أو ربما الارتكاز من حيث الثيمة فقط من قِبل صُناع العمل، إلا أنه موضوع جذاب متوقع الخروج منه بكثير من الضحك والمفارقات الكوميدية.
بطولات نسائية في دراما رمضان ٢٠٢٤
عن المسلسلات ذات البطولة النسائية فيأتي في المقدمة مسلسل “لانش بوكس” من بطولة غادة عادل، فدوى عابد، وجميلة عوض” وعلى ما يبدو اقتناع غادة عادل مؤخرًا بالبطولة المشتركة، خاصة بعد نجاح مسلسلها “حالة خاصة” وكما هو موضح من الإعلان عن المسلسل أن يدور حول ثلاث سيدات يتحولن إلى عصابة، رابط ربما يولد مفارقة كوميدية قوية، نأمل أن يحقق القدر المطلوب من التوقع، حيث بطولة نسائية وإطار درامي فانتازي، يضعه تحت مظلة توقع كبيرة من حيث الموضوع والعنصر التمثيلي والكوميديا أيضًا.
وكذلك مسلسل “فراولة” بطولة نيللي كريم الذي يشترك مع المسلسل السابق في عنصري (البطولة النسائية، الكوميديا) ويشترك مع مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة” في تناول أزمات مواقع التواصل ورصد أثرها على الشخصيات الدرامية، مع الاختلاف بين طبيعة النوع بين الكوميديا والتراجيديا.
ويشترك في إطار البطولات النسائية أيضًا مسلسلات أخرى مثل: رحيل، صدفة، سر إلهي، لـــ ياسمين صبري، ريهام حجاج، وروجينا، غير المتوقع منهن الدراما الفارقة في هذا الموسم، لكن لربما تحظى روجينا هذا العام على نسبة مشاهدة أعلى، لأنه على الأرجح مازال الجمهور غير منتبه بشكل جيد لبطولاتها المطلقة على مدار أعوام متتالية، فهي نموذج فعلي للممثل المجتهد الذي ترك بصمات قوية في الأدوار الثانية، لكنها تصر كل عام على البطولة المطلقة، التي تبذل فيها الكثير من الجهد، لكنها لم تحقق من خلالها النجاحات التي حققتها من قبل في أدوارها الثانية المتميزة.
كثير من التكرار قليل من المخاطرة
ومثلما عمل بعض من صناع الأعمال على تقديم أجزاء جديدة من أعمال مضمونة النجاح، فهناك نماذج أيضًا لم تحيد عن الثيمة التي تقدمها كل عام مع اختلاف العمل بالفعل، وعلى رأسهم “مصطفى شعبان” المستمر في السير مع التيار الناجح، حيث عديد من السنوات يقدم شخصية الرجل المزواج، أو كثير العلاقات النسائية، ثم الخروج منها والذهاب إلى الثيمة الشعبية التي ضمن نجاحها أعوام متتالية ليطل علينا هذا العام بــ “المعلم” غير المتوقع منه الجديد، رغم اختلاف الحدوتة المطروحة، فهو مازال يحتفظ ب”الكاراكتر” ذاته، وكذلك “أحمد العوضي” المحتفظ بالتيمة الشعبية داخل وخارج درامته متمسكًا بها كمنهج في أعماله مؤخرًا لضمان نجاحها، ويقدم هذا العام “حق عرب” وعلى الرغم من التغيير بين كل عام وآخر إلا أن الصيغة واحدة، وعلى الرغم أيضًا من حسبان ذلك تحت بند التكرار إلا أن وجوده هام وفعال ويستند على وجود التنوع بين الدراما الشعبية والاجتماعية والتاريخية وهكذا..
وهذا إن دل على شيء يدل على عدم المخاطرة من قِبل الكثير من صناع الأعمال، فبين إعادة الأجزاء أو إعادة الثيمة يظهر قليل من الأعمال الاجتماعية التي بالتأكيد ستجذب عددًا لا بأس به من الجمهور المنتظر التجديد بل ويميل لعناصر التشويق والمخاطرة سواء داخل الدراما أو خارجها، مثل “صلة رحم، لحظة غضب، صيد العقارب” التي يشترك عناصر منها داخل إطار التشويق والغموض، بجانب الموضوعات الاجتماعية الهامة كقضية “تأجير الأرحام” وتتبع أثرها على الشخصيات الدرامية، كما أن أبطالها من (آسر يس، عائشة بن أحمد، صبا مبارك، محمد شاهين، غادة عبدالرازق) لا يمكن حصرهم داخل إطار محدد بصفتهم متجددين في اختياراتهم الفنية. ولذلك هناك توقع يميل للاختلاف منهم كعادتهم كل عام.
وأخيرا المسلسل الذي في الأغلب ينتظره عددًا كبيرًا من الجماهير وهو “الحشاشين” بخلاف أطروحته الجذابة بالفعل حول “زعيم الحشاشين وقيادته للفرقة التي اشتهرت بتنفيذ عمليات اغتيالات دموية لشخصيات هامة في القرن الحادي عشر” فهو مسلسل ينتمي لفئة المسلسلات التاريخية، المطلوبة بل والمتطلب وجودها، بجانب أنه يضم مجموعة من الأسماء التي تتمتع بثقة عند أغلب المشاهدين من كريم عبدالعزيز، فتحي عبدالوهاب، تأليف عبدالرحيم كمال، ومن إخراج بيتر ميمي.
الكاتب
-
منار خالد
ناقدة سينمائية مصرية