بين الالتزام التاريخي و إرضاء الذوق ..عن البطل الملحمي في السير الشعبية

قبل الحديث عن البطل الملحمي، نتوقف قليلًا عند المقصود بأدب الملاحم أو الملحمة، وهي قصيدة طويلة تحكي الوقائع البطولية أو المعارك الح ربية التي خاضها شعب من الشعوب، وتستخدم الملحمة الخيال الممعن في الغرابة وأساليب الإثارة الحماسية في تصوير بطل واحد أو مجموعة من الأبطال الذين حققوا هذا النصر لشعوبهم، وقد انتشرت الملاحم بين الشعوب القديمة حتى أصبحت جنسًا أدبيًا له أصوله ومكوناته التي تفصله عن سائر الأجناس الأخرى فأصبح ما يُعرف بالبطل ، والأسلوب ، والراوي الملحمي.. إلخ .

ـ هناك فرق بين البطل الملحمي و البطل الأسطوري والتراجيدي في التالي:

البطل الأسطوري:

ـ لا يشعر بحدود فاصلة بينه و العالم الذي يعيش فيه.

ـ لا يشعر بحدود فاصلة بين الماضي والحاضر في هذا العالم.

البطل الملحمي:

ـ إنسان له خصوصيته الذاتية البشرية مؤيد بقوى خفية .
ـ انتصاراته يحققها بسيفه و ليس بسيوف الآلهة أو القدر.

البطل التراجيدي:

ـ أكثر ذاتية من البطل الملحمي .
ـ تنتهي قصته بفاجعة لأن البطل التراجيدي يولد وتولد معه العوامل الحاسمة للقضاء عليه

صيغ البطل الملحمي في السيرة الشعبية

يقول الدكتور عبد الرحيم الكردي إنه إذا كان شكلًا فنيًا وليس صورة إنسانية حية فإنه يتحول إلى صيغة ثابتة يصعب تغيريها إلا حسب مجموعة من القوانين الفنية، لكن المتتبع للأبطال الملحميين في السيرة الشعبية العربية يرى أنها تدور حول صيغتين:

الأولى تتكون من خمس حلقات وهي : النبوءة والميلاد و الاغتراب والصراع والاعتراف

الثانية : تتكون من أربع حلقات وهي: الهزيمة و الاغتراب والإعداد ثم العودة

أولا : الصيغة الخماسية

الميلاد: وهو العنصر المهم في بناء صيغة البطل الملحمي ولميلاد هذا البطل ثلاث جوانب هي (الظروف المحيطة  ـ النسب الشريف ـ الصفات الجسدية والنفسية التي يمتلكها)

الاغتراب : وهو العنصر الثالث من الصيغة، والغربة قد تكون حقيقية كغربة أبي زيد الهلالي مع أمه أو غربة أو غربة ذات الهمة مثل وقد تكون غربة مع نفسه مثل غربة عنترة مع نفسه .

الاعتراف : وهي الصيغة الأخيرة وفيها يتبوأ البطل الصيغة التي تنبأ بها الكهان ، أو رؤية أحد الصالحين .

إقرأ أيضا

العشق الإلهي و فلسفة التصوف عند البابا شنودة الثالث

النبوءة: وتسبق ميلاد البطل الملحمي في السيرة الشعبية أو تصاحبه نبوءة تخبره صراحة أو بالرمز عن المستقبل الباهر الذي ينتظره

الصراع : يدور الصراع بين الخير والشر لكنه في الظاهر بدور بين البطل وخصومة

ثانيًا الصيغة الرباعية:
الصيغة الثانية من صيغ البطولة الملحمية ، فهي صيغة جماعية وليست فردية، كما أنها رباعية، فالبطل فيها مكون من الهزيمة ـ الاغتراب ـ الإعداد ـ العودة ، وسميت بصيغة الأيتام .

 الصيغ البطولية الملحمية في الرواية
استخدمت الرواية المصرية البطل الملحمي عن الصيغتين التي جاءت في السير الشعبية، لكن بها التعديلات لأنها تتصارع مع بنية أخرى متنافرة معها، وتحاول أن تتعايش مع عناصر ليست من جنسها، فهي تحاول أن تتلاءم أولًا مع العناصر التاريخية للشخصية الملحمية ، وتحاول ثانيًا أن تنسجم مع الرؤية الواقعية للأشياء والناس .

والسير الشعبية تضحي لن تكون نموذجًا يُحتذى به في الرواية لأن السيرة الشعبية تضحي تمامًا بالعناصر التاريخية في سبيل الحفاظ على الصيغ الملحمية للبطولة، فسيف بن ذي يزن، وعنترة، وبيبرس،في السير الشعبية لا يتطابقون مع الشخصيات التاريخية التي تُسمى بأسمائهم إرضاءً للذوق الشعبي

اقرأ أيضًا : رواية السلطان .. حينما يمتزج الواقع بالخيال