همتك نعدل الكفة
98   مشاهدة  

ملف بليغ حمدي (3) : بليغ وعبد الحليم … غنوة حلوة من ضمن الأغنيات

ملف بليغ حمدي
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



شهدت فترة الخمسينات بزوغ نجم المطرب عبد الحليم حافظ بفضل اعتماده على أجنحة قوية في مضمار التلحين”كمال الطويل، محمد الموجي” حيث حلق بعيدًا عن كل منافسيه في مشهد الغناء المصري، ثم حقق انتشارًا سينمائيًا بعد التعاون مع الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب في أفلام “أيام وليالي 1955،بنات اليوم 1956” حيث وصل معه إلى أقصى تطور شهدته الأغنية السينمائية.

في النصف الثاني من نفس الحقبة دخل بليغ حمدي زمرة ملحني عبد الحليم حافظ بداية من أغنية “تخونوه” والقصة المعروفة عن تنازل المطربة الكبيرة “ليلى مراد” عن اللحن الذي ضمه عبد الحليم إلى أغنيات فيلم “الوسادة الخالية 1957″، تلك الأغنية التي لفتت الأنظار بشدة إلى موهبة بليغ حمدي الفذة رغم حداثة عهده بالتلحين،وسريعًا دخل في منافسة شديدة مع الثنائي “الموجي،الطويل” اللذان صاغا مشروع عبد الحليم الغنائي منذ البداية.

بعد نجاح أغنية “تخونوه” استعان حليم بألحان بليغ حمدي على مضض في بعض أفلامه حيث لحن “خسارة” في فيلم “فتى أحلامي 1957” ثم انقطع التعاون بينهما حتى أغنية “خايف مره أحب” في فيلم “يوم من عمري 1961″، في تلك الفترة كان بليغ قد لمع نجمه كثيرًا بعد التعاون مع أم كلثوم وجعله محط أنظار الكل من المطربين والمطربات.

برغم النجاح الذي حققته الثلاث أغنيات الأولى لبليغ حمدي مع عبد الحليم إلا أنها لم تكن تحمل بصمة تميز ألحانه حيث خرجت بنفس أسلوب “الموجي، الطويل” من ناحية الصياغة والأسلوب في فترة كان مازال يتحسس خطاه الفنية ولم يكن قد وجد مشروعه الفني الخاص الذي سوف يميزه فيما بعد.

وأنا كل ما أجول التوبة

بعد تعاون بليغ مع السيدة أم كلثوم انفتحت الأبواب الفنية أمامه وخطى خطوات سريعة نحو الانتشار بكثافة داخل مشهد الغناء المصري والعربي، في فترة ابتعد فيها بعض كبار الملحنين عن سوق الغناء حتى وجد بليغ المشروع الذي سوف يبني عليه ألحانه فيما هو قادم وهو تطويع الفلكلور المصري في إنتاج أغنية شعبية جديدة وهو ما سوف نفرد له مقال تفصيلي في نفس الملف.

بعد نجاح أغنية “تحت الشجر يا وهيبة” من كلمات الأبنودي وألحان عبد العظيم عبد الحق بدأت ملامح تغيير تطرأ على المشهد الغنائي بالكامل، وجد بليغ ضالته في صوت المطرب الشعبي محمد رشدي من خلال أغنيات “وسع للنور، اّه يا ليل يا قمر، عدوية” مع رفيق دربه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وبدأت تتوالى النجاحات تباعًا مما أثار قلق عبد الحليم حافظ الذي بدأ يخطط للتعاون مع الثنائي “بليغ، الأبنودي” وبدأها بـ الأبنودي الذي استدعاه إلى منزله في مشهد بوليسي بإمتياز.

ذكاء حليم مكنه من إدراك أن المشروع الشعبي الجديد الذي يجتاح مشهد الغناء يبدأ بالأساس من أشعار الأبنودي التي كانت شكلَا جديدًا في الصياغة والمفردات وتناول الموضوعات بالإضافة إلى أنه ليس بحاجة إلى مد أواصر الصداقة مع بليغ حمدي طرف المشروع الأخر لأنه سبق وأن تعاون معاه، لذا كان الهدف هو توطيد العلاقة مع الأبنودي أولًا.

كانت عودة عبد الحليم للتعاون مع بليغ حمدي بداية من أغنية “التوبة” التي كتبها الأبنودي، في تلك الأغنية استلهم بليغ اللحن من أغنية “محمد أفندي العربي” وعمل على تطويرها وتخليصها من طريقة الغناء البلدي واستعان بالموزع على إسماعيل الذي أخرجها موسيقيًا في صورة غربية بحتة في تناول مختلف للتراث المصري.

YouTube player

ظهرت الأغنية لأول مرة في حفل أقيم بدار سينما الهمبرا في الإسكندرية في إبريل عام 1966 في الوصلة الثانية بعد أن غنى حليم قصيدة “حبيبها” في الوصلة الأولى، وقدمها حليم بوصفها  “غنوة صغيرة وتجربة جديدة لو عجبتكم صقفولها، لو ماعجبتكوش ما تصقفولهاش”

تعرضت أغنية “التوبة” لنقد قاس جدًا بسبب توزيع على إسماعيل حيث كانت وجهة نظر البعض أنه منح اللحن الأصلي روحًا غربية باعدت بينهما مع إفراط شديد في استخدام الآلات النحاسية، مع طريقة نطق عبد الحليم لبعض المفردات فتارة ينطق كلمة “أقول” بالقاف ومرة بالجيم وهاجمه بعض أنصار رشدي متهمين إياه بمحاولة السطو على مشروعه الشعبي الناجح جماهيريًا.

لم يعبًا بليغ ولا حليم بكل هذا الانتقاد وواصلا التعاون في أغنيتان جديدتان” على حسب وداد قلبي،سواح” المقتبستان أيضًا من التراث واللتان عوضا فشل “التوبة” وأقبل الجمهور عليهما لتركيبة بليغ حمدي الجديدة الذي كان ينتقي الجملة الفلكلورية البسيطة ذات الجاذبية العالية ومن ثم تغليفها في قالب لحني جديد وهو الأسلوب الذي كان يستخدمه بكثرة في تلك الفترة مع مطربين آخرين مثل شادية ومحمد رشدي.

بعد النكسة كاد مشروع حليم في الأغاني الوطنية أن ينهار بعد احتجاب صلاح جاهين، لكنه واصل التعاون مع بليغ حمدي وقدم معه عدة أغنيات “فدائي،سكت الكلام”ثم كانت الصرخة الأهم في تلك الفترة في “موال النهار” التي تخلى فيها بليغ عن أسلوبه في تطوير الفلكلور وقدم لحن رائع شجي عبر فيه عن الاسى والحزن الذي يعم البلاد.

ثلاثية الهوا وموعود

رغم شهرة تلك أغنيات “زي الهوا، الهوا هوايا، جانا الهوى” بالأخض أخر أغنيتان اللتان كانتا ضمن فيلم “أبي فوق الشجرة” إلا أن في تلك الأغاني نلاحظ ترقيع واضح جدًا من بليغ في الألحان جمل متتالية بلا اي رابط بينهما إيقاعات صاخبة ثم واصل على هذا المنوال في أغنية موعود التي كانت ضمن سلسلة بدايات لجوء عبد الحليم إلى الأغنية المسرحية الطويلة حيث ظهرت بوضوح تلك المشاكل الفنية من حيث عدم ترابط فكرة الكلمات حيث أن المقاطع لا علاقة ببعضها البعض ولا تكون وحدة متماسكة واحدة وتشعر بأنك أمام خمس مقاطع يصلح كل مقطع أن يكون أغنية منفردة وحدها وأن بليغ لم يعمل على اللحن مرة واحدة او ككتلة واحدة بل كان يتركه ويعود إليه كل فترة بشكل مختلف عما بدأه، ناهيك على تركيزه على فكرة الكورال الرجالي الصاخب جدًا حيث كان في تلك الفترة مهموم بفكرة إحياء المسرح الغنائي من جديد.

YouTube player

أمل مصر في الموسيقى

أواخر عام 1971 وقف عبد الحليم في حفل سينما ريفولي ليقدم إلى الجمهور أغنيته الجديدة “مداح القمر” المأخوذة من الفلكلور الحلبي السوري القديم “قدك المياس” من كلمات الشاعر الشاب “محمد حمزة” ثم قدم ملحن الأغنية “بليغ حمدي” بوصفه أمل مصر في الموسيقى.

لم تكن “مداح القمر” أول نسخة تم اقتباسها من “قدك المياس” فقد سبق وأن عرفها الجمهور في “الحمد لرب مقتدر” بحسب وصف عبد الحليم في مقدمة الحفل ثم تجاهل عمدًا ذكر أن محرم فؤاد سبقه في تقديمها من ألحان “محمد سلطان” كلمات “مجدي نجيب”

إقرأ أيضا
الواقع الجديد

أدخلت تلك الأغنية بليغ حمدي في صراعات كثيرة ويبدو أن وصف أمل مصر في الموسيقى استفز الجميع بلا استثناء ورأى بعض المقربين من بليغ بأنه لم يأت بأي جديد سوى البهرجة في استخدام الآلات الموسيقية على لحن قديم، وهاجمها الملحن الكبير محمود الشريف ووصفها بأنها أغنية مملة وأن كان صانع هذه الموسيقى الأمل فلا أمل ولا يحزنون، وادلى الموسيقار محمد الموجي بتصريح غاضب جدًا بأنه بليغ لم يأت بجديد باستثناء جملة الكورس النسائي المعتمدة على روح اللحن الأصلي في القد الحلبي المعروف الذي سبق وأن غناه صباح فخري ومحرم فؤاد.

في تلك الأغنية واصل بليغ الانحياز لأفكاره الموسيقية مثلما فعل في أغنية موعود حيث حشر كم مبالغ فيه من الإيقاعات زادت من صخب الأغنية بالإضافة إلى عدم ترابط أفكاره اللحنية وتشعر بأنه تدفق الألحان في رأسه جعله يصعب السيطرة عليها وترويضها بما يتسق مع الفكرة العامة للأغنية وهو ما كرره ايضًا في “أي دمعة حزن لا، حاول تفتكرني” في فترة كان عبد  الحليم يعاني من تبعات المرض واتجه إلى الأغنية المسرحية الطويلة املًا في أن يحتل عرش ام كلثوم فيها.

كغيره من المطربين والمطربات عانى عبد الحليم من بوهيمية بليغ وعدم التزامه بمواعيد البروفات بالإضافة إلى الانحياز لأفكاره الموسيقية على حساب الأغنية وتفاقم الخلاف بينهما وتعددت الأسباب حول الخلاف ما بين غضب بليغ من حليم لأنه نفذ أغنية للموسيقار محمد عبد الوهاب قبل أغنيته أو رفض حليم أغنية قدمها له، لكن نعود إلى الأرشيف حيث أجرت مجلة الشبكة اللبنانية حوارًا مع عبد الحليم في أوائل عام 76 ذكر فيه أسباب الخلاف مع بليغ الذي لم يعد ملحنًا له بسبب أسلوبه الجديد في التلحين وأنه عرض عليه أغنية تقول بعض كلماتها “الوجود من غير وجودك مش طبيعي” و”حبك انت شئ خطير” وهو يرفض أن يغني مثل تلك الكلمات بالإضافة إلى أن بليغ دخل في مرحلة غرور فني حيث كان المحيطين به يصفقون له على أي لحن يصنعه وأنه يبحث عن الكم وتجميع ثروة من خلال ألحانه المنتشرة بكثافة جدًا مع كل المطربين والمطربات بالإضافة إلى افة بليغ الكبرى في عدم الالتزام بالمواعيد حيث لم يحضر سوى بروفتين فقط في “حاول تفتكرني” بينما حليم قام بعمل حوالي 26 بروفة.

ملف بليغ حمدي
حوار عبد الحليم مع مجلة الشبكة 76.

يشاء القدر أن يرحل عبد الحليم حافظ قبل أن تظهر قصيدة “حبيبتي من تكون” من ألحان بليغ حمدي غير المتمرس على تلحين القصائد واعتبرها البعض آخر ما غنى حليم رغم بعض القصص متواترة حول أنها لحنت أواخر الستينات وظلت حبيسة الأدراج لخلافات بين الشاعر وبين حليم ثم خرجت إلى النور أوائل الثمانينات.

غنوة حلوة من ضمن الأغنيات

احتل بليغ مكانة مميزة جدًا في مسيرة عبد الحليم حافظ الفنية رغم أن ألحانه الرسمية بعد استبعاد أغاني المناسبات توازي نفس ما لحنه الموجي أو الطويل ويتداخل في الأمر شهرة بعض ألحان بليغ لكن الشاهد أن رحيل عبد الحليم ترك اثرًا بالغًا جدًا رغم الخلافات وعلاقة الشد والجذب بينهما إلا أن بليغ بعد رحيله كان يحاول جاهدًا البحث عن وريث لعرش عبد الحليم ورثاه بصدق في أغنية بديعة جدًا كتب كلماتها بنفسه أقتبس منها آخر مطلع “ونصبح ذكريات مجرد ذكريات مجرد غنوة حلوة من ضمن الأغنيات” وهو ما اراه صحيح جدًا أن بليغ في حياة عبد الحليم حافظ كان مجرد غنوة حلوة من ضمن أغنيات كثيرة حلوة.

ملف بليغ حمدي (2) : بليغ حمدي والست أم كلثوم 

الكاتب

  • ملف بليغ حمدي محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان