همتك نعدل الكفة
122   مشاهدة  

الزعيم ومغامرة المسرح السينمائي

الزعيم


في 1993 وبعد توقف بسيط، عاد عادل إمام إلى المسرح، 8 سنوات من النجاح في مسرحية الواد سيد الشغال جعلت، القلق سيد الموقف، ولكن لم يكن هذا هو السبب الرئيسي، السبب الرئيسي كان جرأة المسرحية، الزعيم كانت مسرحية ناقده للأوضاع السياسية، وتحديدًا فكرة الدكتاتوريات، بالإضافة لعدد من المشاهد والتفاصيل داخل العمل نفسه زادت من جرأتها ولعل الأبرز بالطبع هو محاكاة طريقة أحد أشهر الزعماء العرب وقتها وهو معمر القذافي، والذي كان وقتها في خضم خلاف سياسي كبير مع مصر بعد حرب الخليج الثانية، ولكن الأهم من كل هذا، أن الزعيم على مستوى التنفيذ هي مسرحية سينمائية بامتياز وتلك في رأيي هي المغامرة الأكبر.

ما بين الكم والاستمرارية

عادل إمام
عادل إمام

عدد المسرحيات التي قدمها عادل إمام كبطولة مطلقة قليل، فبعد مدرسة المشاغبين لم يقدم الزعيم سوى 4 مسرحيات من بطولته، بداية من شاهد ما شافش حاجة وصولًا إلى بودي جارد والأخيرة دام عرضها ما يقرب من 11 عامًا، الحقيقة أن هناك فارق شاسع بين عدد مسرحيات عادل إمام ومدد عرضها فشاهد ما شافش حاجة استمرت 6 سنوات والواد سيد الشغال 8 سنوات والزعيم 6 سنوات أيضًا، مدة زمنية كبيرة خلالها صنع فنانين كثر أسمائهم في المسرح، صعد نجوم وهبطوا، لمعت أسماء وأنطفت، بل وتوقفوا عن العمل المسرحي تمامًا.

من احتفالات مسرحية الزعيم واستمرار عرضها
من احتفالات مسرحية الزعيم واستمرار عرضها

ولكن الزعيم ظل باقيًا وهي ملحوظة جديرة بالاهتمام، فاستمرارية نجاح عادل إمام في المسرح رغم قلة الأعمال أمر لن يتكرر بسهولة، حيث أنه ينافي منطق جمهور المسرح، بل ومنطق الجمهور عمومًا الذي سرعان ما سيمل من المعروض ويبحث عن جديد، ولكن لا أحد يعرف تحديدًا كيف استمرت أعمال عادل إمام المسرحية كل تلك السنوات، وعلى من يريد الإجابة على هذا السؤال بشكل دقيق وموضوعي أن ينتظم في حضور كافة ليالي العرض طوال تلك السنوات ليعرف ما الجديد الذي يقدمه الزعيم كل ليلة.

من احتفال استمرار عرض بودي جارد للسنة الخامسة
من احتفال استمرار عرض بودي جارد للسنة الخامسة

ولكن الزعيم نفسها كمسرحية هي الأكثر اختلافا بين الجميع رغم أنها ليست الأطول عرضًا ولكنها كانت الأكثر تأثيرًا واختلافًا، في البداية عادل إمام فنان صنع تاريخه أو أغلب تاريخه في السينما، هو ممثل ارتبط أكثر بشريط العرض لا بخشبة المسرح، ولكنه بالطبع يمتلك الخبرة المسرحية العظيمة، ولديه تجارب استثنائية تجعله يتسيد خشبة المسرح بجدارة وبراعة.

الزعيم.. المغامرة الأصعب

عرض مسرحية الزعيم، الأهرام، 24 سبتمبر 1993م
عرض مسرحية الزعيم، الأهرام، 24 سبتمبر 1993م

ولكنه في الزعيم استعان باسمان لم يرتبط اسمهما بالمسرح على الإطلاق، السيناريست فاروق صبري، والمخرج شريف عرفة، فقبل الزعيم لم يقدم فاروق صبري أي أعمال مسرحية تذكر، بل إنه لم يقدم في حياته سوى مسرحيتان الزعيم ولحقها بمسرحية كعب عالي، ولكنه يمتلك تاريخ سينمائي مميز وحرفية متميزة في كتابة السيناريو بالإضافة لتعاونه السابق مع عادل إمام في عدد من الأفلام، لذلك حينما كتب فاروق صبري مسرحية الزعيم، كتبها في شكل سينمائي.

اقرأ أيضًا
“رد عليها صحفيًا” قصة اتهام سمير خفاجي بسرقة فكرة أنا وهو وهي الفيلم والمسرحية

أقرب شكل سينمائي داخل المسرح هو تقسيم المسرحية للوحات بدلا من فصول ومشاهد، لنعقد مقارنة سريعة للغاية بعدد ديكورات مسرحية الواد سيد الشغال مع الزعيم، الواد سيد الشغال بها ديكور بهو الفيلا وديكور المطبخ وديكور غرفة النوم وديكور منزل سيد في بولاق، فقط لا غير، جميع الديكورات داخلية ومحدودة 4 ديكورات فقط.

من ورق مسرحية الزعيم
من ورق مسرحية الزعيم

ولكن لنلقي نظرة على الزعيم، فحسبما أذكر، لدينا في القصر الجمهوري 4 ديكورات “قاعة الحكم – غرفة الحاكم – الحفل – أمام غرفة الحاكم” في منزل زينهم لدينا ديكوران” المنزل من الداخل – فوق السطح” بمعنى أن لدينا منزل زينهم “داخلي وخارجي”، ولدينا أيضًا ديكور الشارع، 7 ديكورات في مسرحية واحدة فيهم 2 خارجي أمر جدير بالاهتمام، ولكن ليس هذا فحسب.

كتابة سينمائية لمسرحية

YouTube player

تتابع الحبكة الدرامية، والتي هي مأخوذة بالطبع من فيلم تشارلي شابلن الشهير ” الدكتاتور العظيم”، ولكن فكرة استبدال الحاكم بأخر هي فكرة ظهرت مع رواية “سجين زندا” للبريطاني أنتوني هوب عام 1894، التتابع نفسه تتابع سينمائي وليس مسرحي، الانتقال بين المشاهد في المسرح بطيء، وذلك بسبب مساحة زمن المسرحية الذي – في العادي – أكبر بكثير من الفيلم، ولكن في الزعيم، الانتقال من مشهد لأخر انتقال سينمائي بجدارة وهناك مثال صارخ على هذا.

فمثلا حينما يذهب مدير المخابرات على منزل زينهم لتعذيبه بعد أمر الزعيم باعتقال شبيهه، نشاهد مشهد التعذيب، ثم ننتقل إلى مشهد سريع وخاطف أمام غرفة الحاكم حيث يتوفى الحاكم وتقرر حاشيته الاستعانة بزينهم ليقوم بدور الحاكم، لنرجع بعد ذلك إلى زينهم مرة أخرى في منزله أثناء تعذيبه، هذا التتابع هو تتابع سينمائي خالص وصافي، بل إن الكاتب المسرحي سيلجئ في العادي في حالة وجود مشاهد متوازية، لاستخدام جزء أخر من المسرح وقسم المسرح لنصفين يظلم على أحدهم وينير الأخر ولكن هذا لم يحدث.

سينما حية على الخشبة بتوقيع شريف عرفة

المنتج سمير خفاجي مع عادل إمام وشريف عرفة
المنتج سمير خفاجي مع عادل إمام وشريف عرفة

وهنا وجب الإشارة للعنصر الثاني والأهم في رأيي والذي جعل الزعيم نموذجًا لمسرح سينمائي، وهو شريف عرفة، القادم من خلفية سينمائية قحة، لم يتخلى عن سينماه ونزعته السينمائية في مسرحية الزعيم، فخطوط الحركة الممثلين سينمائية، النقل بين المشاهد سينمائي، تغير الديكور أثناء المشهد، واستخدام شاشة العرض السينمائية داخل المشهد كل هذه أمور سينمائية بحته.

مثلًا مشهد زينهم حينما يقابل جيرانه، هو مشهد سينمائي بحت، اختيار أماكن الممثلين الذين يحدثهم عادل إمام جعل حركته على المسرح أقل، بينما يلتفت بجسده يمينا ويسارًا كأنها كاميرا وهؤلاء زواياها، وهو ما جعل – وللعجب- إيقاع المشهد سريع وحيوي للغاية، ولكن أهم تقنيات السينما التي استخدمها شريف عرفة في الزعيم هي العمق.

إقرأ أيضا
المغامر محمد وجيه

السينما فن قائم على الصورة بالأساس لذلك على السينمائي استغلال كافة مساحات الصورة لتقديم أفكاره وتنفيذ مشاهده، المسرح فن قائم على الأداء التمثيلي في الأساس، لذلك تقسيم المسرح يعتبر منطقة العمق “المربعات الثلاث الخلفية” في المربعات الأقل تأثيرًا لبعدها عن الجمهور لذلك هي في الغالب متروكة للديكورات والمجاميع، ولكن شريف عرفة قام بتغير كل هذا.

استطاع شريف عرفة في مسرحية الزعيم استخدام عمق المسرح بأكثر من طريقة، ولعل أبرزها بالطبع مشهد الاستعراض والأغنية التي قدمها عادل إمام، واستخدام عمق المسرح لإدخال سيارة فارهة على خشبة المسرح في مشهد شارع، فلأول مرة نرى في المسرح مشهد لشارع دولي وليس عرضي بطول الخشبة لا بعرضها، وهو أمر لم يفعله حسين كمال نفسه في مسرحية ريا وسكينة حينما قدم زنقة الستات بشكل عرضي وليس طولي، وهو المنطقي أو المعتاد، ولكن شريف عرفة استطاع تحويل المسرح إلى سينما حية تعرض يوميًا على مدار 6 سنوات.

لا زعيم إلا الزعيم

YouTube player

لذلك لم يكن غريب أن يتم عرض المسرحية سينمائيًا، بالفعل صورت مسرحية الزعيم سينمائيًا وليس تلفزيونيًا، والغريب أن من صورها للسينما هو أحد أعمدة الإخراج التلفزيوني في مصر وهو محمد فاضل، وليس شريف عرفة كما يعتقد، فشريف المخرج السينمائي أخرج المسرحية مسرحيًا ومحمد فاضل المخرج التلفزيوني أخرج المسرحية سينمائيًا وعرضت المسرحية بالفعل في قاعات السينما قبل أن يتم طبعها على شرائط فيديو ولكن لحسن حظنا كان هذا مع بداية انتشار أجهزة الكمبيوتر في مصر، فطبعت على سيديهات وتم تناقلها بسهولة أكثر من السابق.

سمير خفاجي منتج مسرحية الزعيم مع المخرج محمد فاضل
سمير خفاجي منتج مسرحية الزعيم مع المخرج محمد فاضل

حينما أشاهد كل هذه الجرأة في مسرحية الزعيم، لا من حيث الموضوع وتوقيت طرحه، ولكن من حيث التنفيذ أيضًا يزداد يقيني أن عادل إمام رغم كل تلك الأعمال ورغم كل تلك الحفاوة والتقدير، وعلى الرغم أنه الاستثناء الأعظم والأبرز في تاريخنا الفني، لم ينال التقدير اللازم بعد، التقدير الذي يتناسب مع عقليته الفنية الجبارة، وقدرته على المغامرة والتجريب والتطوير بل والمجازفة، والنجاح فيهم، فكما قيل في المسرحية على لسان ممثليها ” لا زعيم إلا الزعيم”

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان