شَد الرِحال 01) حِج الناس التانيين
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الحج طقس منتشر من قبل الإسلام بكتير في ديانات تانية، وكمان موجود عند العرب نفسهم قبل الإسلام برضه، ومع أختلاف الأزمان والديانات وطُرق الحج.. تتفق كلها على تفصيلة واحدة وهي ” شَد الرِحال”.
كوكبنا عايش عليه حوالي تمانية مليار إنسان متوزعين على قيمة أربعتلاف ديانة، أغلب الديانات دي إتفقت إن الحِج كطقس يقام في أماكن معينة، وعلى المؤمن لما يقرر يحِج إنه “يشد الرِحال” للمكان المُعين ويمارس الطقس هناك، فتعالوا نتعرف ع الحِج عند الناس التانيين.
الهندوسية
الحج الهندوسي أو “كومبه ميلا” عبارة عن رحلة بتحصل أربع مرات على مدار إتناشر سنة، كل 3 سنين يتجمع الحجاج الهندوس في مجموعة مناطق هندية في الفترة بين يناير وفبراير.
الحِج الهندوسي بيتميز عن حِج باقي الأديان إنه بيكون أقرب لمنافسة دينية بين فرق وطوايف وكهنة الهندوس، كل كاهن أو طايفة بتسوق لنفسها بين باقي الهندوس عشان تستقطب منهم أتباع جداد، والمنافسة بتكون غالبًا في تفسير التعاليم الهندوسية أو إستعراض الكهنة لمعجزاتهم.
الهندوس عندهم أكتر من منطقة مقدسة في الهند، وأصلا عندهم أكتر من إله في منظومة الدين بتاعهم، فالحج حداهم هو زيارة مجموعة الأماكن المقدسة والغطس في أي من الأنهار المقدسة، زي “نهر الكنج” اللي اغتسل فيه واحد من الآلهة بتاعتهم.
والإغتسال هو الطقس الأهم.. أما أكتر نهر مقدس فهو عند ملتقى “نهر غانغس” مع “نهر ياومونا”، في مدينة “الله أباد”، بالتالي أكبر تجمع للحجاج بيكون هناك، وفكرة الإغتسال عندهم شبه التعميد عند المسيحيين؛ المفترض إنه بيغسلهم من كل خطاياهم.
الحِج الهندوسي تطوع مش فرض، بس طالما الهندوسي من دول قرر يحج يبقى فرض عليه خلال الرحلة يدعي كتير للآلهة ويسجد لها وكمان يحلق شعره ودقنه.
الزرادشتية
الزرادشتية واحدة من أقدم الديانات التوحيدية الموجودة، يقدر وقت ظهورها إنه قبل الميلاد بقيمة سِت قرون، وماعدش باقي من تعاليم زرادشت غير أقل من عشرين ترنيمة، وكتابهم المقدس اسمه (الأفستا/Upasta).
الحجاج الزرادشت بيشدوا الرحال لأكتر من مكان مقدس أهمهم معبد بير سبز أو “جك جك”، في مدينة “أردكان”، التابعة لمحافظة “يَزد” الإيرانية، خلاله كل الستات لازم تغطي شعرها، وبعض الرجالة بيلطخوا وشهم بالرماد دلالة على التواضع والتذلل قدام النار المقدسة، بهرام Bahram، وهي رمز قوة الإله الواحد “أهورا مازدا”، واللي ماحدش شافه ولا قابله غير نبيهم “زرادشت”؛ خلال رحلة نورانية صعد فيها للسما السابعة طبعًا بمعجزة إلهية مش بقدرته هو كإنسان.
البوذية
مبدأيًا البوذية مش ديانة بالشكل التقليدي، وبوذا أو “بودا” مش إله ولا حتى نبي، ده راجل حكيم مؤمن بتناسخ الأرواح وبيقول إنه وصل للنيرفانا، اللي هي أعلى درجات السمو الروحي، بالتالي خلاص روحه مش هترجع الحياة مرة تانية.
بوذا ده بقى حط شوية تعاليم، عصارة خبرته، فالناس “البوذيين” بيهتدوا بتعاليمه دي في طريقهم للبحث عن الوصول للنيرفانا، وبيعتبروه حكيم وبيقدسوه.. لكن مش بيعبدوه.
بالتالي الحج بتاع الناس دول مهواش إلزامي؛ يعني مش فرض على كل بوذي، ولا حتى موجود ضمن تعاليم بودا، إنما دي حاجة كده شبه رحلة العائلة المقدسة حدانا؛ يقال إن دي أهم محطات في حياة بوذا.. فأتباعه قرروا مع نفسهم إنهم يمشوا فيها، وقت ما النَفَر منهم يقدر يعني مالهاش وقت مُعين.
رحلة بين أربع محطات مهمة ومفصلية في حياة السيد بودا، الله يرحمه، مكان ميلاده في “لومبيني” في نيبال (في جبال الهملايا)، ثم منها يطلعوا على “بود جايا” بالتحديد عند شجرة التين اللي بوذا وصل فيها للحظة التنوير لأول مرة، بعدها يروحوا على “سارناث” في الهند عند مكان أول درس له كمُعلم، ومسك الختام “كوسينارا” في الهند برضه عشان يزوروا قبره.
الصابئة
الصابئة المندائية هي أقدم الديانات الإبراهيمية المعروفة، وغالبيتهم عايشين بين العراق وإيران، والحِج عندهم اسمه (مصباتا)، يعني التعميد بلغتهم، وهو طقس عبارة عن تغطيس في الميه “الطمس – طماشا”، بهدف التطهر من الذنوب والخطايا.
التعميد (مصباتا) عند الصابئة هو طقس سماوي، أول حد عمله كان الملاك (هيبل زيوا)، اللي هو جبريل/جبرائيل، وهنا على الأرض بيقوم بيه مكانه الـ”تاغا”، رجل الدين أو الكاهن بتاعهم، ومهمته تطهير باقي المؤمنين من الخطايا.
للحِج الصابئي لبس معين؛ طقم اسمه “حُلة النور” وهي عبارة عن قميص طويل وسروال وحزام معين بيسموه “هميانا”، ده بالإضافة لعمة بالنسبة للرجالة أو شال للستات. وعملية التعميد مافهاش اختلاط بين الجنسين.
الإنسان الصابئي المفروض يتعمد تَلَت مرات في حياته، خلال أول شهر من ميلاده؛ وهنا الأب هو اللي بيردد الأدعية بدل المولود، وتاني مرة في سن سِت سنين، والتالتة مع البلوغ أو عند الجواز، وعندهم طقوس تعميد تانية في مناسبات وأعياد مختلفة.
وبيعتقدوا إن المؤمن بعد ممارسة الطقس ده كل خطاياه بتتمسح ويرجع كيوم ولدته أمه.
اليهودية
حِج اليهود مكانه الرئيسي عند “حائط المبكى”، في القدس، والطقس هو إنهم يروحوا هناك يقروا من التوراة ويقعدوا يعيطوا، لإن المفترض إن الحيطة دي جزء من “هيكل سليمان” اللي الرومان هدوهلهم.
الحِج حداهم فرض ع الرجالة الأصحاء بس، إنما الستات والعيال والعواجيز والعيانين والمصابين بعاهات فمالهومش حِج، وبالرجوع للنص التوراتي نلاقي إن الحِج مفروض على الرجالة اليهود 3 مرات في السنة، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. (الخروج 34: 23)، وهي حسب إعتقادهم:
- ذكرى خروجهم المفترض من مصر “عيد الفصح/بيساح”.
- ذكرى نزول التوراة ع النبي موسى “عيد الخماسين/باكورة الحصاد”.
- ذكرى نصبهم للخيام خلال فترة التيه بعد خروجهم من مصر “عيد المظال/سوكوت”.
لليهود مزارات مقدسة تانية بيحجولها، زي معبد الغريبة، فـ “جزيرة جربة” التونسية. وده من أقدم معابد اليهود في قارتنا، وبيتوافد عليه آلاف اليهود في اليوم التلاتة وتلاتين من عيد الفصح.
وينفع يتفتح عندنا هنا مزارات للحِج اليهودي في جبل الطور، مكان ما يقال إن النبي موسى كلم ربه ومكان ما استلم الألواح ومعابد تانية كتير موجودة عندنا، بس هنحتاج الأول نتعلم نفرق بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة قومية عنصرية، بالتالي نضمن إن ماحدش يعمل حاجة في السياح والناس تهلل فرحًا ع السوشيال ميديا.
المسيحية
حسب تعاليم المسيحية ونصوص الأناجيل مافيش أي إشارة للحِج كفكرة، بمعنى إن مافيش كلام عن أماكن مقدسة المسيحي لازم يروح عندها ويمارس طقوس معينة.
بس المسيحيين بيحجوا لكذا مكان مقدس، زي “كنيسة المهد” في “بيت لحم”، اللي من المفترض شهدت ميلاد المسيح. وكمان زيارة نهر الأردن، في الأردن، مكان “يوحنا المعمدان” ما عمِّد المسيح، ده غير التجمعات الضخمة للمسيحيين الكاثوليك في الفاتيكان في عيد الميلاد وعيد القيامة.
وينفع برضُه يتفتح عندنا هنا مزارات للحِج المسيحي على طول مسار “رحلة العائلة المقدسة” والمُعتمد من الفاتيكان، بس محتاجين الأول نوصل لمستوى إن المسيحيين اللي عندنا يعرفوا يصلوا براحتهم من غير ما جيرانهم يتحولوا عليهم أو يولعولهم في بيوتهم زي ما بيحصل.
الإسلام
الإسلام هو رابع الأديان الإبراهيمية الموجودة الآن، ونسبة المسلمين حوالين العالم حوالي نفر من كل تَمانية، وبينقسموا إلى مذهبين كبار (سُني – شيعي) بس الأتنين بيتشاركوا الحِج لنفس المكان، الحرم المكي في السعودية.
الحج عند المسلمين هو الرُكن الخامس من أركان الإيمان، لكنه شبه اختياري.. وبشكل أدق مرهون بالإستطاعة: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97 آل عمران).
ميعاد حج المسلمين كل سنة خلال شهر ذو الحجة، حسب التقويم الهجري، ويفرض على المؤمن المقتدر مرة واحدة في العمر، وله زي معين للرجالة؛عبارة عن توبين مش متخيطين في بعض.. واحد يتلف على الوسط والتاني حوالين الجذع مع كشف الكتف اليمين، ولازم يحلقوا شعرهم، أما الستات تقصر شعرها بس وتلبس أي حاجة عادي، المهم إنها تغطي شعرها وتكشف وشها وكفوفها، والجميع يدبح أضحية.
حج المسلمين طقس متعدد المناسك بتتم في مجموعة أماكن مقدسة، قريبة من بعضها نسبيًا، طواف حوالين الكعبة “مركز المسجد الحرام وقبلتهم في كل صلاة”، السعي بين جبلين الصفا والمروة، ورجم إبليس، أما أهم المناسك واللي لازم جميع الحجاج يعملوه في نفس التوقيت هو الوقوف على جبل عرفة.
المسلمين مؤمنين إن إتمام الحِج يغفر كل خطايا المؤمن كأن لم تكن، ويهتم غالبية الحجاج زيارة المسجد النبوي في المدينة المنورة.
البهائية
الحج عند البهائيين للرجالة بس، فحسب النص المقدس من كتاب الأقدس: قد حكم الله لمن استطاع منكم حجّ البيت دون النّساء عفا الله عنهنّ رحمة من عنده إنّه لهو المعطي الوهاب (فقرة ٣٢ – الكتاب الأقدس).
والحِج عند البهائيين حسب كتاب الأقدس بيكون في مكانين، “البيت المبارك” أو “البيت الأعظم” في بغداد وبيت “حضرة الباب” في مدينة “شيراز” الإيرانية.
وارفعن البيتين في المقامين والمقامات التي فيها استقرّ عرش ربّكم الرّحمن، كذلك يأمركم مولى العارفين (فقرة ١٣٣ – الكتاب الأقدس).
هدف الحج البهائي هو الصلاة في ضريح حضرة بهاء الله ومرقد حضرة الباب، ففي اليوم الأول يزور الحجاج مرقد حضرة الباب ثم مرقد حضرة بهاء الله، يزور الحجاج الأماكن المقدسة تباعاً لأستعراض التاريخ للدين البهائى منذ نفى حضرة بهاء الله لمدينة عكا سنة 1868م واللي فضل فيها لحد ما مات سنة 1892م.
الحج البهائي بدء خلال فترة نفي “حضرة بهاء الله” في أدرنة. بعد إعلان رسالته لحكام الأرض من المسيحيين والمسلمين سنة ١٨٦٧م، عشان كده ليهم مزار تاني في مدينة عكا، في فلسطين المحتلة.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال