همتك نعدل الكفة
1٬408   مشاهدة  

من وحي الأوبئة.. “ماري مالون” طاهية الموت التي نقلت الوباء من أحياء الفقراء لمنازل الأثرياء

الأوبئة


يعيش العالم بأجمعه فترة عصيبة هذه الأيام، مع انتشار وباء الكورونا، الذي أصاب الملايين، وقضى على حياة الآلاف، وعلى مر العصور ظهرت العديد من الأوبئة ، تختلف في تركيبتها، وخصائصها، ولكنها تشترك في طريقة انتشارها، العامل الرئيسي هو “الجهل”!، نعم الجهل، عندما يجهل الإنسان كيفية التعامل مع مرضه، وكيف يعزل نفسه ليحمي الأخرين، ينتشر الوباء، وعندما يجهل الإنسان أبسط قواعد النظافة والوتي في التعامل، بالطبع تنتشر الأوبئة، وهذا هو ما حدث في أوائل القرن الماضي، حينما ساهم الجهل وقلة الوعي في انتشار وباء التيفوئيد، أو التيفويد.

ما هو مرض التيفوئيد؟

التيفويد مرض مُعدِ، ينتقل عن طريق طعام أو شراب ملوث بأنواع معينة من بكتريا السالمونيلا، وأعراضه، حمى لمدة طويلة، وخمول، وتورم في الغدد الليمفاوية، والإسهال، وآلام في المعدة والأمعاء، وتستغرق فترة حضانته من سبعة إلى أربعة عشر يومًا قبل ظهور أعراضه.

كان التيفوئيد منتشر بكثرة في الماضي، وذلك لسوء الأحوال المعيشية، وانعدام النظافة الشخصية في الأحياء الفقيرة، ولا يزال التيفوئيد موجودًا في الكثير من البقاع، لكن انخفضت نسبة الوفاة به من 20٪ إلى أقل من 1٪ بسبب اللقاح والمضادات الحيوية التي اخترعها الأطباء.

الأوبئة

ماري مالون

ولدت ماري مالون عام 1869م، في أيرلندا، وهاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهي في سن المراهقة، مثلها مثل مئات الآلاف الذين فروا من المجاعات والفقر في بلادهم.

مرضت ماري بالتيفويد وهي طفلة، ولكنها شُفيت منها لمناعتها القوية، ولكنها للأسف ظلت حاملة للمرض لبقية حياتها دون أن تدرك ذلك، أو تظهر عليها أي أعراض.

الكارثة الكبرى كانت تتمثل في مهنة ماري، حيث عملت طاهية في عشرات المنازل، ونقلت ذلك المرض اللعين لمئات الأشخاص، وتوفى الكثيرين منهم.

طاهية الأثرياء

في عام 1900م، عملت ماري كطاهية في منزل ضخم بمدينة نيويورك، وبعد أسبوعين فقط من استلامها للوظيفة، أُصيب جميع من في المنزل بالتيفويد، وتركت العمل عندهم خوفًا على نفسها من العدوى، ظنًا منها أنها سليمة، ولها الحق في ذلك، فهي لم تشتك من أي شيء، وكانت صحتها جيدة تمامًا.

بعد ذلك انتقلت إلى مانهاتن، وعملت لدى أسرة أخرى، وتكرر نفس السيناريو السابق، ولكن زاد الأمر بأن توفيت خادمة في المنزل، وللمرة الثانية تترك ماري العمل، وذهبت لتعمل في منزل محامي مشهور، وتكرر الأمر مرة ثالثة، ولكنه انتهى بمأساة هذه المرة، حيث توفى كل من كان في المنزل، وخرجت ماري وحدها سليمة تمامًا، لتبحث عن ضحايا جدد في منزل جديد.

وظلت ماري على هذا المنول مدة 6 سنوات متصلة، وهي تنتقل بين بيوت الأثرياء، ويحل معها المرض والوباء أينما كانت، وبلغ عدد ضحاياه ما يقرب من ثلاثمائة مصاب، وحوالي 25 متوفيًا.

الأوبئة

محاولة الكشف على ماري

في عام 1906م، عملت ماري لدى إحدى الأسر، وكانوا شديدي الثراء ولهم ثقل في المجتمع، وكالعادة ظهر المرض على جميع أفراد الأسرة والعاملين أيضًا، عدا ماري، واصطف الأطباء الحيارى لا يدرون سبب انتشار ذلك الوباء، خاصة أنه لم يوجد أي سابقة له في تلك المنطقة، وارتاب الطبيب جورج سوبر في ماري، وتساءل عن عدم إصابتها هي بالذات، وبعد التحري عنها، وجد أنها ليست المرة الأولى التي ينتشر فيها الوباء داخل المنازل التي تعمل بها، وشك أن تكون ماري حاملة للمرض، وتركت ماري المنزل كعادتها بعد إسقاط الضحايا، ولم يستطع الطبيب الوصول لها لمصارحتها بشكوكه حولها.

بعد عام من تلك الحادثة تصادفت ماري مع جورج مرة أخرى في واقعة جديدة، بعدما ظهرت حالات عديدة في منزل واحد وعلم أن الطاهية هي ماري، وعلى الفور أمر أن يتم إرسالها لإجراء التحاليل في المعمل، ولكن ماري رفضت بشدة واستنكرت الاتهام الموجه لها، خاصة أنها ليس لديها أي أعراض للمرض، فاضطر الطبيب في النهاية إلى اللجوء للشرطة، وأخبرهم أن ماري هي مصدر العدوى، وسيظل الوباء في الانتشار إذا ظلت هي حرة طليقة، لا تدري أنها قنبلة نووية.

القبض على ماري

في عام 1907م، تم القبض على ماري، وأودعوها في مستشفى محلية صغيرة، وبعد إجراء التحاليل ثبت أنها حاملة للمرض، وعرض الأطباء عليها أن يستأصلوا المرارة لأنهم كانوا يعتقدون أن المرارة هي مصدر المرض، ولكن ماري رفضت وأصرت على كونها سليمة ولا تحمل المرض، ولا تنوي تغيير مهنتها، لذا اضطروا لحجزها بالإكراه وظلت هناك ثلاث سنوات كاملة.

إقرأ أيضا
المقدم عصام دراز

الأوبئة

ماري طليقة مرة أخرى

انتشرت قصة ماري على نطاق واسع للغاية، وصارت مصدر للنكات والسخرية، وأطلق عليها البعض لقب ماري تيفويد، وشبهها البعض الأخر بساحرات العصور الوسطى، فاضطرت إلى اللجوء للقضاء، ورفعت دعوى ضد الأطباء تطالب بالإفراج عنها لأنهم احتجزوها مدة طويلة دون مبرر، وساعدها في ذلك صدور قانون يمنع احتجاز شخص بسبب مرضه، وتم الإفراج عنها في عام 1910م، مع تعهد بأن تبتعد عن العمل كطاهية، وأن تغسل يدها باستمرار.

عودة ماري للمطابخ

وفرت الحكومة وظيفة لماري في مغسلة كبيرة، وعملت هي في كي الملابس، ولكن لم تدر هذه الوظيفة المال عليها، فتركتها وعادت للعمل في مطابخ الأثرياء تحت اسم مستعار، حيث أسمت نفسها ماري براون، وظلت تتنقل بين المنازل لمدة خمس سنوات، نقلت فيها المرض للعديد من ضحاياه، وتوفى الكثير بسببها، إلى أن استلمت وظيفة في مستشفى بمانهاتن بقسم النساء والتوليد، ونقلت المرض لحوالي 25 امرأة، وتوفيت اثنتان، وبعد التحقيقات، اكتشفت الشرطة هوية ماري المزيفة.

الأوبئة

وفاة ماري تيفوئيد

تم إيداعها مستشفى الحجر الصحي مرة أخرى، وظلت هناك لمدة 26 عامًا، إلى أن تُوفيت عام 1938م، والغريب أن وفاتها كانت نتيجة التهاب رئوي، وليس بالمرض الذي نشرته للمئات طوال سنوات حياتها.

الأوبئة
كورونا من الأوبئة التي هددت العالم.. ماذا تعرف عنه؟ 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
4
أعجبني
0
أغضبني
2
هاهاها
0
واااو
6


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان