همتك نعدل الكفة
107   مشاهدة  

أهل الكهف.. سباحة زمنية تستحق الإشادة رغم كل شيء

أهل الكهف


مخاطرة كبيرة قام بها أيمن بهجت قمر فالتعامل مع نص لتوفيق الحكيم مثل مسرحية أهل الكهف وتحويله لعمل سينمائي هو مغامرة، ومغامرة أكبر من المخرج عمرو عرفة الذي قرر تقديم الفيلم بصريًا على أفضل ما يكون بل حاول عمرو عرفة جعل الفيلم يبدو كملحمة سينمائية ويعيد للذهن ذكريات العديد من الأفلام الملحمية العالمية، ولكن السؤال هل جاء الفيلم على قدر الطموح؟

ملحمة بلا بطل

أفيش أهل الكهف
أفيش أهل الكهف

يمتلك أهل الكهف العديد من العوامل الفنية التي تجعله فيلم ملحمي بحق، فالقصة إنسانية بالأساس تعتمد على حدث خارق للعادة والشخصيات نفسها بها من البطولة ما يجعلها مناسبة لشكل الصراع الدائر في الفيلم، وأيضًا فارق القوى بين الأبطال وأندادهم في الفيلم هو الأخر عامل من تلك العوامل.

إضافة إلى ذلك التناص الديني في قصة الفيلم حول أهل الكهف وهي القصة التي ذكرت في الديانتين المسيحية والإسلامية على الترتيب، ولكن السؤال الأهم هنا من بطل تلك الملحمة؟ فلكل ملحمة بطلها ولكن في أهل الكهف غاب البطل الدرامي عن القصة فالسبعة في صراع مع الإمبراطور لا لهدف شخصي ولكن لأنهم أمنوا بالمسيح بدلا عن الوثنية، قصة بالفعل إنسانية ومؤثرة ولكن عيبها القاتل دراميًا أنها بلا بطل.

فلا القائدين هما الأبطال ولا التوأم هما الأبطال ولا الراعي ولا الراهب وبالتأكيد ليس الرضيع، في كافة القصص الدينية هناك بطل، إلا قصة أهل الكهف البطولة فيها لفكرة الإيمان تحمل البطش والهرب منه، البطولة فيها للمعجزة لا للسبعة الذين آووا للكهف فلبسوا فيه قرونًا، القصة هي العبرة الإيمان ضد الطغيان ولكن لتحقيق تلك العبرة دراميًا كان لابد من خلق بطل درامي لا بطل تاريخي أو حتى ديني، شخص يصارع ويضعف وينهزم وينتصر يصارع نفسه قبل أن يصارع الأخرين.

لم ينجح أيمن بهجت قمر في خلق بطل مفرد للقصة وهو في رأيي أحد المشكلات الفنية في السيناريو التي لم تكن كثيرة ولكنها كانت محورية، فتقسيم شخصية البطل على الأبطال الثلاثة أو الأربعة لأن محمد فراج يقدم شخصيتين هو أمر غير حميد أو جيد في الأفلام الملحمية، التي يتوجب لصياغتها وجود بطل درامي حقيقي.

أعطى أيمن بهجت قمر شخصية سبيل الصراع العاطفي، بينما أعطى شخصية بولا صراع العائلة والتضحية، وصراع النفس كان من نصيب الأخوين نور ونار، ومثلما قسم أيمن بهجت قمر أبطاله قسم خصومهم كذلك فبين الإمبراطور الوثني ديكيوس ووزيره عرموش وبين الإمبراطور المؤمن ونيافة الأسقف، كان صراع الأبطال، لكن على الرغم أن تقسيم شخصيات البطل على الأشخاص الأربعة أضعف السيناريو، جاء تقسيم شخصيات الخصوم على الشخصيات الأربعة كنقطة قوة.

السباحة في الزمن

أيمن بهجت قمر وعمرو عرفة
أيمن بهجت قمر وعمرو عرفة

أحد أهم عوامل الدراما هو قوة الصراع وتعدد مستوياته، وهو ما نجح فيه أيمن بهجت قمر بالفعل، ونجح فيه عمرو عرفة كذلك على المستوى الإخراجي سواء من حيث الصورة أو حتى شريط الصوت، وأيضا على مستوى اختيار الممثلين فأعاد عمرو عرفة إحياء مصطفى فهمي وإعادته للضوء بينما فاجئ الجميع باختيار بيومي فؤاد والذي مازلت أصر أن هذا الرجل يحمل بداخله موهبة جبارة واستثنائية ولكن ربما يغلبها سوء الاختيار والإدارة.

في أهل الكهف ينتهج أيمن بهجت قمر أسلوب الفلاش باك عن طريق الراوي العليم بالأشياء، وهنا يقع أيمن في فخ كبير، فاستخدام هذا الأسلوب، يتبع بالضرورة الحرص في العديد من الأمور وهو صعوبة استخدامه داخل الأحداث فليس من المنطقي أن استخدم فلاش باك داخل الفلاش باك، وكان يمكن حل تلك المشكلة ببساطة شديدة للغاية ألا يكون الراوي من أهل الكهف بل أن يكون من خارجهم.

التدرج بالزمن مثلما أوقع أيمن بهجت قمر في هذا الفخ، كانت له فائدة أخرى وهي خلق سؤال في بداية الفيلم والإجابة عليه في نهايته، وهو عنصر هام من عناصر التشويق والجذب لمتابعة الفيلم، كما أن استخدام أيمن بهجت قمر وعمرو عرفة لتقنية الفلاش فورود أو النظر للأمام في الأحداث جاء مناسبًا فقط لو لم يكن الراوي من أهل الكهف لصفقت إعجابًا ولرفعت كل القبعات لأيمن بهجت قمر على استخدامه الرائع لتلك التقنية في الكتابة.

مشكلات أهل الكهف لم تتوقف عند بعض المشكلات القليلة في الكتابة ولكنها مؤثرة ومحورية، ولكن أيضًا امتدت لتطال إيقاع الفيلم، هناك مشاهد طالت أكثر من اللازم، وهناك أحداث تأخرت أكثر من اللازم فشاب الفيلم فترات من ملل بالتأكيد غير مستحبة، وإن كان التنفيذ المتقن لمشاهد المعارك كان يأتي ليشد إيقاع الفيلم مرة أخرى، وكذلك الظهور الرائع لأحمد عيد في شخصية مليخة، ولكن هذا الترهل كان يمكن معالجته ببساطة أيضًا سواء أثناء التصوير أو في مرحلة المونتاج، ولكن ربما مر الأمر على صناع الفيلم أو أن هناك حسابات توزيع.

بين ظهور محبط وحضور آخاذ

إقرأ أيضا
فرقة طبلة الست
YouTube player

ولكن الحقيقة أن أكثر ما أحبطني في فيلم أهل الكهف هو صبري فواز في دور الوزير عرموش، اعتدت أن أرى موهبة صبري فواز طيلة الوقت تتجه للمنطقة الصعبة وتخترق الشخصية من منطقة مختلفة، ومع شخصية رجل ذو وجهين مثل الوزير عرموش أجاد صبري بالفعل إظهار التباين والاختلاف بينهما ولكن المشكلة كان في الوجه التقليدي الذي ظهر عليه، ذلك الوجه المهادن، فقط كنت أتمنى ألا أرى هذا الوجه المستهلك من فنان شديد الموهبة والحضور والقدرة مثل صبري فواز، كنت أتمنى أن يفاجئني كعادته.

ومثلما أحبطني أداء صبري فواز أحبطني أداء خالد النبوي، بحضور باهت للغاية – على غير العادة- وفي المقابل كان حضور ممدوح ملفتًا للنظر، وفي رأيي ربما لم يجيد أيمن بهجت قمر في كتابة كل شخصياته أكثر من إجادته في كتابة شخصية بولا بصراعه الإنساني الداخلي، والتناقض بين شكله وطباعه وبين حقيقة قلبه، وهما ما جعل ممدوح في رأيي هو الأفضل في هذا الفيلم.

أما محمد فراج فالحقيقة أنه هو الأخر كان ملفتًا للنظر، وكعادته يختار الأصعب ويراهن عليه، مجرد تفاصيل بسيطة في الحركات والانفعالات وطريقة وتون الصوت جعلتني أرى الفرق جيدًا بين نور ونار، كذلك الحضور الأخاذ لأحمد عيد ببساطته وعفويته وأدائه المتقن الخالي من أي افتعال والمناسب لشخصية مليخة الراعي التي رسمها أيمن بهجت قمر.

الحقيقة أنه على الرغم من بعض مشكلات السيناريو وعدم انتظام الإيقاع في بعض المشاهد، جاء فيلم أهل الكهف في النهاية فيلم جيد الصنع، فيلم تحب أن تراه وأن تعيد رؤيته والحقيقة أن مستوى الفيلم الجيد لا يبرر على الإطلاق تراجعه الملفت للنظر في سباق شباك التذاكر، الفيلم بالفعل يحمل كافة عوامل الجذب الجماهيري، ربما كانت المشكلة فقط في اختيار توقيت العرض، وربما هناك أمور أخرى تمت في كواليس عملية توزيع وعرض الفيلم على قاعات العرض، في المجمل الفيلم خطوة وتجربة تستحق الإشادة، ومغامرة سينمائية تستحق التكرار، فالتكرار والتجريب وحده هو القادر على علاج المشكلات وتلافي العيوب.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان