النساجة الملهمة.. عن “صوفي جورجي” المرأة التي ودعتنا عن 102 عام
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يتردد في الفضاء صدى حزن عميق، وتنسج الأجراس ناقوس قصة النهاية للفنانة التشكيلية والنساجة “صوفي حبيب جورجي” التي غادرت عالمنا عن عمر بلغ 102 عاما، تُقرع الأجراس بقلوب مكسورة لفقد السيدة التي أضاءت عوالم الإبداع بألوانها، وسرقت قلوب الحرانين بإنسانيتها، وبين دقات الأجراس، تتردد في الذاكرة أعمالها الخالدة، تلك التي ستظل شاهدة على عبقريتها وإلهامها.
مرشدة تلهم النساء لاكتشاف إبداعاتهن وفتح أبواب جديدة في حياتهن
عاشت “صوفي حبيب جورجي”حياة مليئة بالإبداع والنشاط، رحلت وتركت بصمة فنية إنسانية عن طريق فن النسيج الذي أتقنته صغيرة حتى صارت من أهم رواده في العالم على الإطلاق، ومن خلال هذا الفن استطاعت أن تجسد الهوية المصرية في كل أعمالها بمهارة وحرفية فائقة، حيث جسدت في كل خيط تفاصيل الثقافة والتراث العريق، ولم تكتفي بالمجد الشخصي بل أرادت أن تُعلم الحرفة المصرية الأقدم لأجيال متعددة.
استطاعت “صوفي” أن تنقل حرفة النسيج في المجتمع، فكما كانت تقول: ” الحرفة ليست مجرد مهنة، بل هي رمز للهوية والثقافة المصرية وجسر يربط بين الأجيال”، وكانت ترى أن النساء هنّ الأحرص على تعلم هذه الحرفة، إذ كانت ترى في كل خيط فرصة لنسج قصص النساء وقوتهنّ، وفي كل نسيج فرصة لتعزيز مكانتهن في المجتمع لذلك أنشأت رفقة زوجها “رمسيس ويصا” مركز “رمسيس ويصا واصف للفنون”، وقد كان هذا المركز بإحدى قرى محافظة الجيزة تسمى بالحرانية.
لم تكن “صوفي” المولودة في سبتمبر 1922م مجرد معلمة، بل كانت مرشدة تلهم النساء لاكتشاف إبداعاتهن وفتح أبواب جديدة في حياتهن، فبعد وفاة زوجها “رمسيس” عام 1974م، تولت قيادة الجيل الأول للنساجين، ونظمت معارض محلية للمنسوجات التي صُنعت بأيدي نساء القرية، مما أعطاهنّ ثقة جديدة بأنفسهنّ وقدراتهنّ، وهو ما أثر عليهنّ ليس على الصعيد المهني الحرفي بل امتد إلى بيوتهنّ.
أرادت”صوفي” أن تعطي حياة مثالية لحرفييها في المركز، فإلى جانب تعليم فن النسيج علمتهم كيفية إعداد طعام صحي لهم ولأطفالهم، عن طريق بناء مقصفًا للعاملين داخل المركز، فكان هدفها الأول هو بناء الإنسان بشكل عام ،فقد آمنت “صوفي” بأن الفن عمومًا يُشكل الإنسان ويرتقى بقدراته الإبداعية، وعالم النسيج خصوصًا تُصنع فيه الأرواح على نول الزمن تتداخل خيوطه لتروي قصصًا في الصبر والدقة والتفاني وتنسج كل قطعة حكاية عن الروح البشرية وسعيها نحو الكمال، وهو ما حاولت غرسه في نفوس الرعيل الأول.
كما أرادت أن تحافظ على أعمال المركز فعملت على بناء متحف في حديقة المركز جمعت المجموعة الدائمة لزوجها، أبرزن تطور النساجين من البدايات الأولية للتجربة مرورًا بتطورها واستمراره،وكان هذا المتحف بمثابة النافذة التي يتبادل النساجون فيه الأفكار والتقنيات، ويجمعون بين مهارتهم ومهارات من سبقوهم لخلق قطع فريدة تجوب المعارض المحلية والعالمية. تهمس الأجراس كلمات الوداع ويزداد هتاف الصدى الشاهد على رحلة ” صوفي” الفنانة الإنسانة التي لن تُنسى.
اقرأ أيضًا: فتحي سلامة موسيقار الجذور المصرية
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال