همتك نعدل الكفة
315   مشاهدة  

بعد رحيل الفنان النوبي محمد فوزي… إكرام الميت مَسحُه

محمد فوزي
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



التركيبة الديموجرافية لمحافظة أسوان شديدة التنوع الثقافي، أقباط ونوبيين وجعافرة وبشارية وعبابدة وهوارة و.. و…، خليط عجيب لا يجمعه إلا حدود المحافظة وحب الفنان النوبي محمد فوزي.

YouTube player

 

محمد فوزي هو مغني نوبي، من قرية بلانة، ورحلته مع الفن امتد لقرابة العشرين سنة، اللي مايعرفهوش يقدر يسأل عنه أي مواطن أسوانلي، بلا مبالغة أي حد، مهما كان سنه أو ثقافته أو تعليمه أو أي حاجة. واللي مايعرفش حد من أسوان يقدر يقرا البوست ده عشان يعرف منه مشوار فوزي الشهير بـ”أبو زيزو”.

أبو زيزو أو تلفزيون الجنوب

محمد فوزي مشواره كله عبارة عن إحياء أفراح وبعض الحفلات، وفيها كلها بيغني “كافارات” ومالهوش ولا غنوة بتاعته، بس لما يغني غنوة كل الناس هتسمعها وترددها، فتأثير فوزي هو نفس تأثير الراديو والتلفزيون الأرضي زمان والسوشيال ميديا حاليًا.

الفاجعة

الأتنين، 12 أغسطس، رحل عن عالمنا أبو زيزو نتيجة حادثة على الطريق الصحراوي الغربي، وهو رايح يحيي فرح في إسنا. عشان يخيم الحزن على أسوان بأكملها وبعض المدن المجاورة، ده غير أبناء مدن ومحافظات الشمال أصحاب الأصول الأسوانلية عمومًا والنوبية خصوصًا.

الكارثة

فور انتشار خبر الحادثة ووفاة الفنان الشهير ظهرت دعوة عبثية كارثية؛ دعوة نابعة عن حب للمرحوم، بس حب مخلوط بكثير من التدين المعجون جهالة، دعوة بمسح أغاني أبو زيزو عشان مايروحش النار.

الكارثة هي أني أثق تمامًا في محبة أصحاب الدعوة المجنونة دي لفوزي ولفنه، زي ما واثق غيبًا إنهم فاكرين البؤين بتوع مشايخ السلفية همه صحيح الدين وأن الكلام ده مصدره الله أو رسوله. حتى أن أحد المقتنعين بهذا العبث كتبلي رسالة بهدف توضيح إن هذا الجنون معتمد على “أحاديث صحيحة”.

أبو زيزو
تعليق الصديق الافتراضي

التدين عن جهل

ليه حكمت على الكلام ده إنه تدين عن جهالة؟ لإنه ببساطة بيتعامل مع رأي في قضية خلافية بوصفه صحيح الدين، ومقتنع يا كبدي بالكلام ده لدرجة إنه عايز يمحو تاريخ شخص هو بيحبه، فلو كان عنده شك واحد في المليون أن الغنا مش حرام أكيد ماكنش هيقول كده.

بالتالي فهو جاهل إن الشيخ محمد الغزالي قال: “أنه لم يرد حديث صحيح في تحريم الغناء على الإطلاق“، بالتالي كان رأيه بالخصوص ده “أن الغناء ما هو إلا كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح“.

وبالتأكيد جاهل إن محمد الغزالي مش جايب الكلام ده من الهوا، إنما رأيه مبني على كلام الإمام ابن حزم اللي ضَعَف حديث “ليكوننّ من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف“.

وقال عن سنده: “إن السند هنا منقطع، ولم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد راوي الحديث“. وده لإن الشاب المُحب المتدين الجاهل بالدين مايعرفش إن الحديث ده مُعلق بسبب انقطاع سنده، هو بس يا كبدي بايع مُخه لأي حد بدقن يصعب عليه العيشة.

جاهل لإنه بايع ودانه لمشايخ كارهة الحياة وبتنقي بسطرمة التحريم من وسط بيض العيشة، فماحدش فيهم بيذكر حديث السيدة عيشة في صحيح البخاري، اللي بيقولوا عليه أصح كتاب بعد القرآن، بتقول: “أنَّ أبَا بَكْرٍ، دَخَلَ عَلَيْهَا، وعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ في أيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ، وتُدَفِّفَانِ، وتَضْرِبَانِ، والنبيُّ مُتَغَشٍّ بثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُما أبو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النبيُّ عن وجْهِهِ، فَقالَ: دَعْهُما يا أبَا بَكْرٍ، فإنَّهَا أيَّامُ عِيدٍ. وتِلْكَ الأيَّامُ أيَّامُ مِنًى. وَقالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النبيَّ يَسْتُرُنِي، وأَنَا أنْظُرُ إلى الحَبَشَةِ، وهُمْ يَلْعَبُونَ في المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ فَقالَ النبيُّ: دَعْهُمْ، أمْنًا بَنِي أرْفِدَةَ يَعْنِي مِنَ الأمْنِ“.

أبو زيزو
نص الحديث من موقع الدرر السنية

من العبث ما قتل

المؤسف والعبثي والمضحك المبكي هو مصدر دعوة مسح تاريخ فنانهم المُفضل، ومش بس إنهم من جمهوره وبيحبوه ومقتنعين إن “إكرام الميت مسحُه”، ولا إنهم جهلة بالدين زي ما وضحت، إنما لإنهم نوبيين.

أيوه الناس اللي غالبية أثارهم غرقت بسبب خزان أسوان والسد العالي، ومافيش في البلد كلها مركز يمتلك تمويل قوي يشتغل على جمع تراثهم، والموضوع بيتورث جيل بعد جيل عبر الأغاني. فالأغنية هي أكبر وأهم وعاء شايل التراث النوبي؛ بداية من اللغة ولحد التهجير.

فصاحب الدعوة مش بس جاهل بالدين المهتم بيه ده كمان جاهل بدور الفن اللي بيحبه، وبتاريخ الثقافة المنتمي ليها وبحاضرها، ده كتر خير الكوكب إنه عارف سكة بيتهم.

أنت عَلّْي وأنا أعَّلْي

فمن باب التعلية على هذا الجنون أحب اقترح على أصحاب (هذوها) الدعوة المنيلة، إنهم يلموا من بعض ويأسسوا أول مركز لمحو التراث، ويتخصصوا في محو الفن والتراث النوبي.

يصرفوا الميزانية كلها في إنهم يشتروا حقوق شغل أحمد منيب وبحر أبو جريشة وعلي كوبان ومحمد حمام وحمزة علاء الدين وخضر العطار وسيد خليفة وسيد جاير وسليمان ديدي وكل أغاني التراث كمان.. ويمسحوهم كلهم.

إقرأ أيضا
فاينال ديستنايشن

ويسموه (مركز دواعش النوبة للقضاء على التراث النوبي). وزي ما تخيلهم صديقي، المخرج والكاتب، إسلام ملبا؛ مع أخر تراك يمسحوه يفقدوا صوتهم ومايعرفوش يتكلموا.. وبالمرة تكمل التوهة ومايعرفوش همه مين أكتر ما همه تايهين.

YouTube player

الإنسان هو ذاكرته

الإنسان يا سادة هو ذاكرته، والمجتمع أو الأمة هي جماعة متخيلة مرتكزة بالأساس على ذاكرتها الجمعية، ومافيش سلاح لإبادة أمة والقضاء عليها أقوى من محو ذاكرتهم الجماعية، أساطيرهم وحواديتهم وأغانيهم و.. و.. وكل ما يشكل تراثهم.

وحاليا بعد غرق أراضي النوبة والنسبة الأكبر من آثارها فحاليا فرس الرهان في عملية الحفاظ على الهوية والثقافة النوبية، هو الفن وخصوصا الأغاني اللي بعض المستشيخين عايزين يمسحوها.

فلهؤلاء أحب أقول: لو شايفين الأغاني غمضوا أنتوا ودانكم، ولو عايزين تكفروا عن اللي سمعتوه قصقصوها أو مضمضوها سبع مرات بالتراب.. أنتوا أحرار في أعضائكم، بس سيبوا أغانينا وتراثنا في حالهم وماتستشيخولناش.

 

التجربة المغربية في كرة القدم…. ما لا يعرفه حازم إمام!

 

الكاتب

  • محمد فوزي رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
1
أعجبني
4
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان