لسنا بيدُوفيلِك إلا لنتقرب إلى الله زلفى
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
تزويج القاصرات مشكلة مجتمعية موجودة في مجتمعات كتيرة، فهنلاقيها موجودة عند كتير من القبايل البعيدة عن المدنية الحديثة؛ وبيدافعوا عن ده بإنه جزء أصيل من عاداتهم وتقاليدهم، إنما لو ركزنا معاهم هنلاحظ إنها عملية تزويج قُصر لبعضيهم.. بالتالي دول ناس مش بيدوفيلك إنما دورة حياتهم مختلفة.
لكن في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة نفس العادة منتتشرة مهما اختلف شكل المجتمع (ريف، حضر)، ومابيكونش قُصر في بعض إنما فتاة قاصر يتم تزويجها لذكر بالغ غالبًا هو نفسه مش عارف إنه بيدوفيلك، وكل الأطراف المتورطة مرتكزين على توفر غطاء ديني داعم للفكرة.. فهل فعلًا تزويج القاصرات من الإسلام؟
علاقة الدين
كتير من المؤسسات الرسمية والمستقلة أتكلمت في مسألة تزويج القاصرات، مجتمعية ودينية وسياسية وقانونية وحتى الأمنية، كمان طُرق الخطاب تنوعت حسب كل مؤسسة وصفتها وتخصصها ومجال عملها.
فمثلا المركز القومي للمرأة أطلق حملة توعوية تحت شعار لسه بدري.. مافيش طفلة بتشيل طفلة، وضِمن مخرجات الحملة مجموعة يُفط وبوسترات تتعرض في أماكن تجمعات الناس.
واحد من بوسترات الحملة في واحدة من محطات مترو الأنفاق أتلقطت له صورة بالموبايل واترفعت على صفحة فيس بوك اسمها طالبة تمريض، وهي صفحة مفتوحة للجمهور لكن محتواها متخصص في شؤون الصحة عمومًا والتمريض خصوصًا، بالتالي هي من الصفحات ذات الجمهور والتفاعل المحدود عادة.
فمثلا لما نشروا النهارده، 15 أكتوبر، قايمة باسماء ضحايا حادثة أتوبيس الطلبة على طريق الجلالة، البوست خلال 7 ساعات أتشير مرة واحدة بالإضافة لأربع تعليقات وستين ريآكت. ولما نشروا من يومين، 13 أكتوبر، خبر حادثة قطرين في المنيا، البوست خلال يومين أتشير حداشر مرة بالإضافة لتَلَت تعليقات وتلاتة وعشرين ريآكت.
بس لما نشروا في نفس اليوم، 13 أكتوبر، صورة بوستر حملة لسه بدري دلوقتي وقبل ما يكمل 48 ساعة الصفحة حققت انتشار رهيب بسبب البوست ده؛ واللي أتشير أكتر من ألفين وخُمسوميت مرة بالإضافة لتمانية وتلاتين ألف ريآكت (لغاية لحظة كتابة المقال).
قفزة رهيبة في مستوى عدادات التفاعل هل سببها إن كل دول بيدوفيلك ولا مصدرها “الدين”؛ وعشان نحسم الأمر مش هتحتاج أكتر من جولة سريعة في خمستلاف ومتين تعليق بيخانقوا بعض.
الفن والمجتمع المدني
لأن الفكرة متعاصة دين فالتشنج الظاهر في التعليقات متوقع، وهنا باقول متوقع لكن ماقولتش طبيعي.. لإن مش طبيعي ناس يغلب على حياتهم نظم الحضر يفكروا بالأسلوب ده، لكن متوقع لإن التطرف ضارب بجذور عمرها أكتر من أربعين سنة، مع انطلاق مشروع الصحوة الإسلامية، وأكيد الشجرة مش هتموت فجأة مجرد ما الري/التمويل يتوقف من المنبع.
أوضح دليل تاني على ارتباط تزويج القاصرات بالإسلام، في دماغ كتير من الناس، هو فيلم وثائقي اسمه “ماتظلموهاش“، من إنتاج مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب وإخراج إسلام ملبا.
بعيد عن ناس غالبيتهم مجرد بيدافعوا عن الفكرة وخلاص ع السوشيال ميديا؛ وهمه قربوا يفنشوا عشرينياتهم وهمه لا جربوا حلال مبكر ولا حتى داقوا حرام متأخر؛ فيلم “ماتظلموهاش” وبذكاء وحساسية شديدة لَقَط خيط هام جدًا من الناس العايشة الواقع ده عمليًا.. وهو مُصطلح “جواز السُنة”.
توضيح مهم
سِن الجواز في مصر مُحدد في قانون الأحوال المدنية، بالتحديد في المادة (31 مكرر) اللي بتقول: “لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية كاملة”.
بكده السلطة التشريعة قالت كلمتها، وبطبيعة الحال الأجهزة التنفيذية المختصة بقت ملزمة بتطبيق نص القانون، فبقى مستحيل توثيق عقد جواز سِن أي من طرفيه أقل من تمنتاشر سنة.
زواج السُنة
بالرجوع للفيلم نلاقي إن مافيش حد من الضيوف ذكر مصطلح بيدوفيلك، إنما حسب كلام أكتر من ضيف، الأهالي تصالحوا بينهم وبين بعض على التنفيض للقانون، عن طريق إتمام الجواز من غير عقد “قسيمة”، مكتفيين بتطبيق القواعد الشرعية، حسب فهمهم، ومن هنا تيجي النقطة الأولى في سبب تسميته بـ”جواز السُنة”.
(لازم نفتكر كويس إن أول شروط الجواز في الشرع هو “القبول”، وبما إن أحد طرفي العقد -غالبا العروسة- أو الطرفين قاصر/ة؛ بالتالي مش ممكن نتأكد من وجود “قبول” حقيقي).
تاني نقطة سَبِّبِت التسمية فترجع لواقعة جواز النبي من السيدة عائشة، واللي اختلفت الآراء والروايات حولها.
فحسب رواية في صحيح البخاري السيدة عائشة قالت: “تَزَوَّجَنِي النَّبيُّ وأَنَا بنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَنَزَلْنَا في بَنِي الحَارِثِ بنِ خَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً، فأتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وإنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ، ومَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بي، فأتَيْتُهَا لا أدْرِي ما تُرِيدُ بي، فأخَذَتْ بيَدِي حتَّى أوْقَفَتْنِي علَى بَابِ الدَّارِ وإنِّي لَأُنْهِجُ حتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أخَذَتْ شيئًا مِن مَاءٍ فَمَسَحَتْ به وجْهِي ورَأْسِي، ثُمَّ أدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأنْصَارِ في البَيْتِ، فَقُلْنَ: علَى الخَيْرِ والبَرَكَةِ، وعلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فأسْلَمَتْنِي إلَيْهِنَّ، فأصْلَحْنَ مِن شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إلَّا رَسولُ اللَّهِ ضُحًى، فأسْلَمَتْنِي إلَيْهِ وأَنَا يَومَئذٍ بنْتُ تِسْعِ سِنِينَ“.
وهي رواية مردود عليها بروايات تانية، فخلال حديث تليفزيوني ناقش فيه قضية تزويج القاصرات قال الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر: “دائمًا ما يثار أن النبي تزوج من السيدة عائشة وهي صغيرة بنت تسع سنوات، والحقيقة بعد قراءات كثيرة مع الأديب العملاق عباس العقاد أن السيدة عائشة حين تزوجت من الرسول كان لا يقل عمرها عن 13 إلى 16 سنة“.
بعيد عن الخلاف التأريخي ده.. بعيد حتى عن الرأي المختلف “شديد الوجاهة” لشيخ الأزهر، عندي تساؤل مهم في سياقنا ده: هل كل حاجة النبي عملها تبقى سُنة؟
السُنة فين؟؟
هل المسلمين في كل مكان وزمان مُطالبين يعيشوا طبقًا للقوانين المُنظمة لبلادهم ولا طبقا للي بيسمعوه عن حياة النبي والصحابة في القرن السابع الميلادي؟
كتير من رجال الدين بيغالوا في تأكيد أهمية السنة النبوية لدرجة رفعها لمستوى الوحي، زي الشيخ ابن باز والشيخ بن عثيمين من المعاصرين والإمام الشافعي وابن تيمية من الأقدمين ده غير بعض المؤسسات دينية. التوجه ده هو سبب حالة الالتباس عند الناس.
لإن كُتر تأكيدهم، في الخطب والدروس قديما وعلى يوتيوب وتيك توك حديثا، على قدسية السُنة وأهميتها بينسي الناس أن الله خاطب النبي في سورة الكهف بصيغة الأمر ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾، ويخليهم يصدقوا إنه كان “وحي يمشي على قدمين” زي ما بعض المشايخ بيحبوا يقولوا.
فينتشر بين الناس أمور وأفعال شكلانية مش من الدين، بس بيتمسكوا بيها بوصفها سُنة نبوية، زي لبس الجلابية مثلا، وكأن النبي هو أول من لبس الجلابية في الإسلام أو حتى بين العرب!! أو إن فيه نص قرآني بيأمر المسلمين بلبس الجلاليب، ولا كإنها كانت زي مُنتشر في بيئة النبي وقتها.
وإذا كانت كل أفعال النبي سُنة عنه وكل مسلم مُطَالب يقتضي بيها فليه الجلابية انتشرت والكُحل لأ؟، هو مش أنس بن مالك قال عن النبي إنه “كان يَكْتَحِلُ في عَيْنِهِ اليُمْنَى ثلاثَ مراتٍ واليُسْرَى مَرَّتَيْنِ” (المصدر: السلسلة الصحيحة – حكم المحدث: صحيح) ليه بقى الرجالة المتدينيين لابسين جلاليب أو مطولين دقنهم بس مافيش حد منهم ماشي في الشارع متكحل؟
السُنة مابتتجزأش
حالة الانهماك في التفتيش بين الروايات التراثية عن كل كبيرة وصغيرة في حياة السلف في محاولة لاستنساخ طريقة حياتهم؛ هي مش بس حاجة غير منطقية ومش من الدين في شيء، إنما الأهم إنها مزيفة ومافيش فيها بشلن صدق، فحقيقة الحاصل إنه عملية نقاوة ع الكيف؛ تشبه عملية أصطياد البسطرمة من وسط البيض. المواطن من دول بيدعبس في كتب التراث على مبرر لرغباته الشخصية؛ حتى لو كانت حالة مرضية زي البيدوفيلك.
أصل النبي كان بيركب الدواب فليه بنقابل محبي السُنة في المترو أو الطيارات؟ كان يقضي حاجته في الخلاء فليه الجوامع فيها حمامات؟
وأخيرًا.. والأهم، النبي أتجوز حوالي حداشر مرة إشمعنى جوازته من السيدة عائشة هي اللي بقت نموذج لـ”جواز السُنة”؟
ليه مايبقاش “جواز السُنة” إن أول جوازة لكل شاب تبقى سِت سبق لها الجواز وأكبر منه بخمستاشر إلى خمسة وعشرين سنة.. ومايتجوزش تاني طول ما هي على قيد الحياة؟، هي مش دي التفاصيل اللي حصلت مع النبي في جوازته من السيدة خديجة، أول أمهات المسلمات وأول المسلمين على الإطلاق.
ولا السُنة بس في استغلال فرق الزمان والمكان والعادات والتقاليد في تبرير أمراضنا كانت بيدوفيلك أو غيرها.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال