همتك نعدل الكفة
8   مشاهدة  

الأغنية السياسية في مصر بعد انتصار اكتوبر

الأغنية السياسية
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



اتفق الغالبية على تعريف الأغنية السياسية بأنها الأغنية الملتزمة بقضايا الناس في مضمونها وتحمل بين طياتها بوادر تغيير وثورة على الأوضاع الإجتماعية والسياسية مع التأكيد على أنها تحتل جزء أصيلًا من مشروع الفنان وليس على الهامش من فنه.

تاريخ الأغنية السياسية في مصر طويل ومتشعب جدًا نظرًا للاحداث الكثيرة التي مرت بها البلاد وكانت عاملًا مهمًا في التعبير عن غضب الشعب وحشده للنضال تجاه المحتل والثورة على الأوضاع الإجتماعية السيئة وكانت لسان حال الشعب في التعبير عن غضبه تجاه السلطة والنظام الحاكم وعمومًا كثرة الأحداث السياسية عززت من رواج هذا النوع من الاغاني.

YouTube player

سنترك تلك الفترات الملهبة سياسيًا والتي عاشت فيها الأغنية السياسية عصرها الذهبي وندخل في عالم ما بعد انتصار أكتوبر واتفاقية كامب ديفيد وسياسة الانفتاح وما تبعها من تغييرات إجتماعية وإقتصادية ثم تيار الأغنية البديلة وجيل الوسط حتى سيطرة الأغنية التجارية على الساحة الغنائية في مصر وانتهاء عصر الأغنية السياسية.

الأغنية البديلة وجيل الوسط.

ظهر مصطلح الأغنية البديلة على يد الصحافيان “إبراهيم عيسى، عبد الله كمال” كعنوان كتابهما المشترك عام 1987، الكتاب كان عبارة عن حوارات صحفية مع بعض صناع موجة الغناء الجديدة في مصر ومحاولة فهم ماحدث للأغنية المصرية تحديدًا بعد موت أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وانتهاء عصر الأغنية المسرحية الطويلة وتمرد هذا الجيل على الأغنية الكلاسيكية القديمة.

تنامى مصطلح الأغنية البديلة لاحقًا ليتم تعريفه بأنها الأغنية الجديدة التي كانت بديلًا للأغنية الكلاسيكية التقليدية وكان من أبرز وجوهها جيل الوسط الغنائي ” عمر فتحي – محمد منير – علي الحجار – محمد الحلو – مدحت صالح – إيمان البحر درويش” هذا الجيل الذي توسط الفترة الفاصلة بين جيل الأغنية الكلاسيكية وبين جيل الأغنية الشبابية.

واجه جيل الوسط العديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية وتحولات في طبقات المجتمع المصري كان لها تأثيرًا واضحًا على إنتاجهم الغنائي حيث بدأت تدخل مضامين جديدة إلى الغناء بعد أن كانت محصورة في قالب أغاني الصد والهجر وسهر الليالي في إنتظار المحبوب، لم يخلو غناء هذا الجيل من نزعة سياسية رغم انتهاء الحرب وعقد اتفاقية سلام مع العدو، إلا أن دخول شعراء العامية المصرية “فؤاد حداد – سيد حجاب – عبد الرحيم منصور – جمال بخيت” إلى مضمار الأغنية فتح الباب أمام  ظهور أغنية سياسية جديدة بتناول غير مباشر حيث كانت البيئة الخصبة التي منحتهم مساحة واسعة للتعبير عن أفكارهم دون الاصطدام بشكل مباشر مع النظام أو الرقابة على المصنفات الفنية.

على الحجار.

حملت بدايات المطرب على الحجار طابعًا كلاسيكيًا بعض الشئ مع  الملحن بليغ حمدي سرعان ما دب الخلاف بينهما ليخرج من كنفه ويبني مسيرة فنية حظيت بقبول جماهيري من رواد الأغنية البديلة.

في عام 1981 صدح الحجار بأغنية “تسأليني” التي كتبها الشاعر “جمال بخيت” والتي كانت عتابًا قاسيًا للوطن في صورة الحبيبة “لولا مرة فتحتي نني – للي خاني واستباحك” وقيل أنها كانت ردة فعل من الشاعر على اتفاقية السلام مع العدو.

YouTube player

محمد منير

في نفس العام دشن منير تجربته المهمة في شريط “شبابيك” والذي افتتحه بأغنية “الليلة يا سمرا” التي كتبها قطب العامية الأكبر “فؤاد حداد” أثناء اعتقاله احتفالًا بعيد ميلاد المناضل الشيوعي “ذكي مراد”، مقاطع الأغنية تفصح عن أغنية سياسية بامتياز حيث كانت تبشيرًا واحتفالًا بنصر أكتوبر وكان هذا واضحًا في العديد من مقاطعها أشهرها بالطبع “البنت قالت فستانى منشور على الشط التاني خدني المراكبي وعداني ورجعت بالقمرة الليلة” وبالطبع لن نجد صعوبة في تفسير أن البنت ما هي إلا الوطن والمراكبي ما هما إلا الجنود الذين عبروا الشط الثاني وعادوا لنا بالانتصار.

في نفس الشريط ظهرت أغنية “شبابيك” والتي كتبها الشاعر “مجدي نجيب” وقت اعتقاله في زنازين عبد الناصر وكان يوجه فيها لومًا وعتابًا للوطن، قبلها كان منير قد احتفى بمصر بشكل مباشر في أغنية “عروسة النيل” التي صدرت في شريطه الثاني “بنتولد”.

YouTube player

رغم سيطرة أغاني التوهة والغربة وعذاب النفس على مشروع محمد منير إلا أنه كان الصوت الذي مر بعض الأفكار السياسية للشعراء فنجده يغني “الطريق” من كلمات عبد الرحيم منصور والتي كانت تعليقًا على الحرب الاهلية اللبنانية ويمكن سحبها لاحقًا على اجتياح العراق للكويت أوائل التسعينات حيث تقول كلماتها “دارت بينا ريح الطريق – وشقيق بأيده سالت دما أخوه ع الطريق وامنا تنادينا ننسى اللي بينا وفينا علشان عيون أمانينا دار الطريق بينا مشينا ما درينا مين العدو م الشقيق”

مثلما عبر منير عن أفكار عبد الرحيم منصور عبر عن أفكار مجدي نجيب في أغنية “القدس” التي كبتها في السبعينات وقال عنها نجيب أنه كان ينتظر المطرب الذي يمتلك الجرأة لغنائها وعندما تعرف على منير عن طريق عبد الرحيم منصور باغته بأن هذا الشاب هو الوحيد القادر على غناء تلك الأغنية ثم انطلق منير بعدها في أغاني تحمل بعض التورية السياسية مثل “الناس نامت – شمس المغيب” في فترة كان نجمه في صعود كصوت لليسار المصري داخل الوسط الغنائي.

YouTube player

إيمان البحر درويش

على نفس النهج بدأ إيمان البحر درويش مسيرته بإعادة تقديم تراث جده “سيد درويش” في شريط “الوارثين” الذي حمل بعض الأغنيات الشهيرة التي اقتطعت من سياق المسرحيات التي لحنها جده، بعضها كان يحمل طابعًا سياسيًا والآخر كان ينتقد أوضاع المجتمع وطبقة الإقطاع فيه كشأن أغلب أعمال درويش.

انطلق بعدها إيمان البحر درويش في رحلة غنائية احتل فيها الغناء السياسي مساحة كبيرة بجانب أغانيه العاطفية في فترة كانت الأجواء السياسية حذرة مع بدايات عصر نظام مبارك، دخل إيمان مباشرة في قلب الأغنية السياسية من أغنية “نفسي” التي كانت عنوانًا لواحد من أهم شرائطه على الإطلاق، الأغنية كانت تشرح العلاقة الملتبسة بين الوطن في صورة الأم والشعب في صورة الابن ” يا بلدنا يا بلد هو من أمتى الولد بيخاف من أمه لما في الضلمة تضمه” وكانت تشير إلي زوار الفجر الذين تخصصوا في ملاحقة النشطاء السياسيين فجرًا وهو ما انعكس بشكل قوي على موسيقاها حيث تبدأ الأغنية بإيقاع قوي من الدفوف يشير إلى الأيادي التي تدق الأبواب بعنف ثم بللور مسيرته في الأغنية السياسية بأغنية “قول يا قلم” والتي كانت تشير إلى تكميم الأفواه وغلق أي منافذ معارضة ضد الأنظمة، ثم أطلق بعض الأغاني التي تهيم عشقًا في الوطن دون كليشيهات مبتذلة مثل “بشرة خيرة ، مكتوب لي أغنيلك”، ثم أقدم على غناء “الخط ده خطي” للشيخ إمام ونجم المعنية بالقضية الفلسطينية في وقت كان الغناء لهذا الثنائي مغامرة غير مضمونة العواقب.

إقرأ أيضا
أسرار الحضارة المصرية
YouTube player

التسعينات بداية ملتهبة وغناء سياسي على سبيل الرفاهية.

بدأ عقد التسعينات بداية ملتهبة ، انهار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي ثم اجتاح العراق أراضي الكويت وبدأت معه حالة استقطاب ما بين تدخل قوى غربية لفض النزاع وما بين تيار عروبي ينادي بتوحيد الصف.

مع بداية الأزمة وفي أول حفل للمطرب محمد منير أرسل رسالة غير مباشرة عبر أغنيته الجديدة “ابن ماريكا” محذرًا من تدخل أي أطراف أجنبية مطلقًا عليه الخواجة “ابن ماريكا” التي كتبها الشاعر حمدي عيد وكانت الأغنية الوحيدة الجديدة التي ضمها شريطه مشوار الذي كان إعادة توزيع لبعض أغانيه القديمة، ثم واصل منير تجديد خطابه السياسي بدخول شعراء جدد على تجربته مثل “كوثر مصطفى” التي كتب له أهم أغنياته السياسية في التسعينات “ساح يا بداح” التي يستدعيها البعض وقت الحاجة إليها ثم وجه كلماته مباشرة إلي الوطن في أغنية “قلب الوطن مجروح” والتي يمكن سحبها على أي وضع سياسي أو حادث مأساوي داخله.

YouTube player

أما رفيق دربه على الحجار فدخل تجربة سياسية كاملة في شريط “لم الشمل” الذي كتب أشعاره جمال بخيت وعكس فيه توجهه العروبي ومحاولته للتعليق على الأحداث ولم شمل الأسرة العربية دون اللجوء إلي اجنبي طامع في ثرواتنا، ولم ينسى المرور على القضية الفلسطينية في أغنية “فلسطيني” والتي تحدثت عن التهجير القسري للفلسطينيين والحديث عن قضايا اللاجئين، ثم وجه لومًا وعتابًا قاسيًا إلي الوطن في أغنية “ماتغربيناش” متحدثًا عن قضية الهجرة الجماعية لدول النفط بحثًا عن مصادر رزق لا يوفرها الوطن ثم السخرية من محاولة تجميل الأوضاع الإجتماعية في “طلعت أنش”، هذا الشريط الذي طاف فيه “جمال بخيت” صحبة الملحن “فاروق الشرنوبي” أغلب الدول العربية وحقق انتشارًا واسعًا كأحد أهم التجارب السياسية في تاريخ الثلاثي “بخيت والشرنوبي وعلى الحجار”.

YouTube player

أما جوقة موسيقي الجيل بقيادة عرابها حميد الشاعري فقد قرروا التعليق على الأحداث بمفهوم بسيط من خلال أوبريت “العالم قام” والذي كان محاولة لإثبات الوجود ومحاكاة الأغاني ذات الطابع السياسي الإنساني خلط فيها الأحداث ما بين انفجار مفاعل تشيرنوبل وحرق آبار البترول وقت حرب تحرير الكويت، الأوبريت خرج بصورة ساذجة جدًا من جيل غرق في الأغاني التجارية السريعة ولم يأخذ أهميته إلا مع طوفان النوستالجيا الذي يجتاح الميديا حاليًا.

ظلت التسعينات تزأر خلف الأغنية التجارية المحضة لا يلتفت إحد بالتعليق على أي أحداث سياسية إلا لمجرد إثبات الوجود لم تبرز تجارب غنائية سياسية مهمة في ظل رواج الأغاني الأخرى وكان ضربًا من الجنون أن ينحاز أي مطرب إلي أي فصيل سياسي يعبر عن توجهاته ضد سياسات الدولة حتى أن أحمد فؤاد نجم نفسه الذي وضع الأساس للأغنية السياسية الحديثة تحول إلى مضمار الأغنية العاطفية وكتابة تترات المسلسلات كنوع من أكل العيش في ظل انغلاق الأبواب أمام ظهور أي تيار أو غناء سياسي محض وعندما قامت ثورة يناير لم يجد الثوار سوى أغنياته كي يعيدوا ترديدها مرة أخرى بعد سنوات طويلة من المنع والتهميش.

YouTube player

الكاتب

  • الأغنية السياسية محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان