سجل.. أنا مش عربي يا عم الحاج

صوموا وقولوا آمنا يا عباد الله
كونوا قلوب مطمئنة يا عباد الله
النصر فينا ومنا يا عباد الله
إحنا عرب والنبي عربي وضامننا
ما تنكسرشي يميننا يا عباد الله

فؤاد حداد

أبيات لشاعرنا الكبير “فؤاد حداد” وتفصيلة ضمن تفاصيل كتير بتأكد الارتباط الوثيق بين العروبة والإسلام.

المعضلة الإسلام-عروبية

الإسلام كدين والعربية كلغة رسمية جزئين أصيلين في تكوين الهوية والثقافة المصرية؛ بس للأسف الجزئين أو العنصرين دول، أو بمعنى أدق القائمين عليهم والمنتميين ليهم، رافضين الاكتفاء بدور الجزء من الكل، وكل فريق من الإتنين مُصِّر أنه هو لوحده “الحاج صاحب الهوية المصرية”، وهنا تكمُن الكارثة.

مش بس لرفضهم التعايش كجزء من كل.. إنما الأخطر هو سهولة إندماجهم؛ لإن في الجِذر كل واحد منهم هو مرجعية التاني.. إذا قرر يبني قومية خاصة بيه، بالتالي نقدر نعتبر بالمصري فولة واتقسمت نُصين.. أو بالعربي فَردين في لباس واحد.

أو زي ما قال المفكر القومي العروبي عصمت سيف الدولة، في أول صفحة من كتابه عن العروبة والإسلام: “في الوطن العربي طائفتان أختلفتا فاتفقتا، طائفة تناهض الإسلام بالعروبة وطائفة تناهض العروبة بالإسلام. فهما مختلفتان. وتجهل كلتاهما العروبة والإسلام كليهما.. فهما متفقتان. وإنهما لتثيران في الوطن العربي عاصفة غبراء من الجدل تكاد تضل الشعب العربي المسلم عن سبيله القويم. وإنهما لتحرضان الشباب العربي على معارك نكراء تكاد تلهيه عن معركة تحرير أمته“.

أنا ابن مين يا دادة

في مقال بعنوان إحنا ولاد مين يا دادة أتناولت مسألة عروبتنا من عدمها، بس بما إن السياق الحالي مواتي، والأصدقاء العروبيين بيروجوا لبضاعتهم الفاسدة بشتى الطرق والكباري، فمن ناحيتي أنا كمان هستغل السِجال المفتوح وأفند تراهت العروبة، حلوة “تراهات” دي؟، في محاولة لمنع تفشي عدوى الاستعراب اللا-إرادي.

وهاستفتح كده بمثالين عمليين كل واحد فيهم بيوضح نقطة مهمة في مسار إننا مش عرب، إنما فقط ناطقين بالعربية “مش قوي”، زي ما لو صحينا الصبح كلنا بنتكلم إنجليزي وتراثنا الأدبي الفني كله بالإنجليزي.. مش هنبقى إنجليز، وكان الكوكب أتسخط لتسع ولا عشر قوميات بالكتير.

أولًا: مثال من العصور الوسطى

ورد عند جلال الدين السيوطي ( 1445- 1505م) في كتابه حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة إن عبد الله بن عمرو قال: “أهل مصر أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يدًا، وأفضلهم عنصرًا، وأقربهم رحمًا بالعرب عامة، وبقريش خاصة“.

وده مش كلام مستخبي أصلا ولا الواحد محتاج يدور كتير عليه، ده مشايخ الأزهر بيقولوا الكلام ده على صفحاتهم عادي.

أما بالنسبالي وبوصفي مواطن إسود فيكفيني ما جاء في مقدمة ابن خلدون في وصف السود: “أخلاقهم.. قريبة من خلق الحيوانات العُجم ويبعدون عن الإنسانية بمقدار ذلك“.

ثانيا: مثال من التاريخ الحديث

سنة 1904 شهدت المحاكم المصرية دعوى قضائية لفسخ عقد جواز الشيخ «على يوسف»، مؤسس ورئيس تحرير جرنان المؤيد، من السيدة «صفية السادات» بنت السيد «أحمد عبد الخالق السادات».

العرايس موافقين ومبسوطين وميت فل وأربعتاشر، لكن أبو العروسة الجوازة مش عجباه عشان ده عيل جرنالجي صايع.. أكل عيشه النميمة وكده، فرفع القضية بحِجة عدم التكافوء؛ وكسب القضية بعد ما أثبت إنه من “الأشراف” في حين العريس مواطن مصري عادة.

بالتالي أحبائي المستعربين والمستعربات، اللي في المهجر منكم أو الكيت كات، وأنتوا بتتمرمغوا في تراب العروبة.. خليكوا فاكرين كويس إنكم في نظر العرب بشر درجة تانية؛ عجم.. علوج.. بحكم القبلية والشريعة.

اللغة/اللسان

حكاية اللغة/اللسان هي أكبر شماعة بيتشعبط فيها حبايبي المستعربين وهمه بينبطحوا لعروبة مستعلية عليهم؛ إستعلاء واصل إن أجعص عروبي فيهم مابيخشش بلاد العرب إلا لو كان له كفيل.

القومية العربية، مشروع قام على أساس اللغة، بدأ يظهر في 1904 لما أسس الكاتب والسياسي اللبناني نجيب عازوري جمعية “عصبة الوطن العربي” في باريس. واخدلي بالك أنت؟، وبعدها بسنة ألف كتابه يقظة الأمة العربية بـ”الفرنساوي”!!، اللغة طبعًا.

وقتها، يا كبدي، فيه مُفكرين مسيحيين شوام فاكرين إن هينفع يخلصوا العربية كثقافة من حمولتها الإسلامية، فكانت خطوتهم الأولى تحويلها للغة عملية تناسب الصحافة، وفي نفس الوقت يسحبوها بره عباية الأزهر.

وفعلًا خلصوا اللغة من الرطانة والمُحسنات البديعية بتاعت الأزاهرة، وصكوا “لغة عربية قياسية حديثة” (MSA)، مختلفة عن اللغة العربية التقليدية، المختلفة أصلًا عن اللغة العربية بتاعت النبي؛ اللي كان بيتكلم “عامية قريش”.

الفصاحة

آسف إني مضطر أتكلم في تفاصيل شديدة البدائية، بس للأسف الأسيف واضح إن المشهد العام بقى كتير من مكوناته وحتى أساساته عبارة عن مغالطات منطقية أو أفكار مغلوطة.

“الفَصاحةُ هي الإبانةُ والظُّهورُ، يُقالُ: أفصَحَ الصُّبحُ: إذا بدا ضَوءُه. وكُلُّ واضِحٍ: مُفصِحٌ. ورجُلٌ فصيحٌ، وكلامٌ فصيحٌ، أي: بليغٌ. ولسانٌ فصيحٌ، أي: طَلْقٌ“.

يعني بالمختصر: الفصاحة صفة بلاغية ترجع لمستخدم اللغة مش للغة في ذاتها. يعني مافيش أي لغة في الحياة “فصحى” وإلا كل حد بيعرف عربي كان بقى المتنبي ولا نجيب محفوظ.

على ذِكر نجيب محفوظ؛ هو الجدع ده “أديب مصري” لإنه من مصر وبيكتب عن مصر ولا أديب عربي عشان بيكتب باللغة العربية؟ ولا الإتنين واحد؟

ياريت بعد الإجابة نعمل تغيير بسيط في المعطيات ونعيد السؤال: هو ماركيز أديب كولومبي لإنه من كولومبيا ولا أديب أسباني لإنه بيكتب باللغة الأسبانية؟ ولا الإتنين واحد؟

يعني باختصار ميسي أبو لسان أسباني فخر الأرجنتين ولا الأسبان؟

عرب-فون أم عرب-سنتريك؟

من المُسلّْمَات إن الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى لُغَاتها انتشرت بره حدودها؛ بالتالي أصحابها الحقيقيين بقوا أقلية ضمن المتحدثين بيها، فالإنجليز أقلية وسط الأنجلو-فون والفرنسويين أقلية وسط الفرانك-فون، فلما نفوق من وهم العروبة وتتكسر حالة الهيمنة الهوياتية دي وبدل حالة العرب-سنتريك غير المُعلنة يبقى فيه عرب-فون مُعلنة.. ساعتها هنستوعب إن المتحدثين بالعربي أقلية وسط المسلمين.

مُعضلة اللغة

مانيش خبير لغوي عشان أفتي في أصول مفردات اللغة المصرية أصولها عربية ولا أوروبية ولا كيمتية؟ لكن قادر أحدد حاجتين أظنهم مهمين: الأولانية أن اللغة مش مجرد مفردات/كَلِمَات.. إنما المهم هو الجرامر/طريقة تكوين الجملة.

بالتالي لما أسمع جُملة “لم أذهب” هاستوعب إنها لغة مختلفة عن “ماروحتش”، اللي بتؤدي نفس المعنى، مش بس عشان الأولانية مقطعين والتانية مقطع واحد؛ إنما عشان الأولانية أداة النفي فيها سابقة الفعل ومُستقلة عنه.

كمان هنلاقي اتفاق في الكلمات وخلاف في الدلالات بين الشعوب، فإحنا مثلا بنقول لبن بمعنى حليب، في حين الشوام بيقولوا نفس الكلمة بمعنى زبادي.

ولو بصينا ع الناحية “التالتة” من البحر هنلاقي لُغات أوروبية متنوعة، من كام قرن كانت متصنفة كلهجات محلية من اللاتينية، لغاية انتشار المطبعة واستخدامها في الطباعة باللهجات دي فكانت ولادة اللغات الأوروبية المعروفة النهارده.

هنا برضك تم كتابة روايات وترجمة أمهات كتب، أنا عن نفسي شغال في ترجمة كليلة ودمنة، للغة المصرية، ولا لازم يبقى التطابق تام… وتتم ترجمة كتاب العربية المقدس؟!

النازية العروبية

القومية العربية قايمة على أساس وحدة اللغة، بالظبط نفس فكرة المرحوم “بسمارك”، خلال توحيده القبائل الجيرمانية وبداية تكوين دولة ألمانيا، أو الرايخ الأول.

وعلاقة العروبيين مع الألمان ماوقفتش عند الرايخ الأولاني، كمان كانت موجودة وبتجليات أكبر وأوضح مع الرايخ التالت بقيادة الحاج “محمد هتلر”، الاسم اللي الدعاية النازية نشرتُه في الشرق الأوسط لضمان تعاطف المسلمين مع قوات المحور خلال الحرب العالمية التانية.

بغض البصر عن التاريخ السياسي للعروبيين القايم على النفعية الميكافيلية، إلا إنهم (ع الأقل في نظري) لا خونة ولا عُملا ولا أي كلام عريض من ده نُهائي، إنما مجرد ناس مهتمة بمصالحها بالتالي -زيها زي غيرها- بتمارس “فن الممكن” المعروف إعلاميًا بـ “السياسة”.

بالتالي مسألة إن العرب خلال الحربين، الأولى والتانية، نقلوا ولاءاتهم بين دول المحور ودول التحالف مش مهمة.. لإن دي سياسة، وبالنسبة للاعبين في المجال ده – خصوصًا لو كانوا ضعاف عسكريًا “زي العرب أو الصهاينة” – فالقاعدة الرئيسية هي الحصول على حليف قوي ينتصر بالنيابة عن الأمة الضعيفة/المهزومة، فساعات الوضع يبقى زي المتنبي ما قال بالظبط:

ومن نَكَدِ الدُنيا على الحُرِّ أَن يَرَى                    عَدُوّاً لهُ ما من صَداقتِهِ بُدُّ

بس الكارثة الحقيقية، والمُطَرمَخ عليها، إن فريق القومجية العرب راهنوا -في الحرب التانية- على دول المحور حسب كتاب ألمانيا الهتلرية والمشرق العربي للبولندي “لوكاز هيرزويز”، وترجمته منشورة في المركز القومي للترجمة، رهان خسران خلانا النهارده ملطشة للي راهنوا صح.

الأستعراب بوابة الأفروسنتريك.. وغيرهم

مؤخرًا الأفروسنتريك بقوا عاملين لنا مشكلة ألعن من شلل الأطفال ما قبل توفير المصل للجميع، بس المرة دي العلاج صعب؛ لإنه هيحتاج تصنيف الاستعراب كمرض = نقص المناعة الهوياتية؛ إن تخلينا عن هويتنا وانتحال هوية تانية؛ هو سبب إن أي حد معدي يقول الهوية أم أهرامات دي بتاعتي.

ما الأهرام إتبنت على ضفاف نهر النيل في الجيزة، والجيزة مدينة أفريقية ونهر النيل أطول نهر في أفريقيا؛ بالتالي الحضارة اللي قامت زمان في الحتة دي هي حضارة أفريقية، زي ما على مستوى الكورة منتخبنا أفشخ منتخب في تاريخ أفريقيا.. والأهلي ملك أفريقيا.. والزملك بطل سوبر أفريقيا.. فيبقى على رأي أبو كريم.

فالنهارده المواطن المُستعرب لما يقول: “إحنا أحفاد آل البيت وباقي الصحابة”، يجوز هنبقى كده أحفاد أجدع جيل مشي ع الأرض.. بس الأكيد مش هيكون لنا أي علاقة ببُناة الأهرام. لإن الجيل ده لا كان له علاقة ببُنا الأهرام لا من قريب ولا من بعيد، وأخر علاقتهم بالمباني ذات الحيثية.. إن جيل أبهاتهم رمموا الكعبة بعد السيول ثم جيل أبنائهم بناها من جديد بعد ما دمرها بنفسه خلال صراعهم ع السلطة.

فلما ييجي واحد من غرب أفريقيا يقول الأهرامات بتاعتي، ولا ييجي ولاد عم الجماعة -اللي المستعربين بيتمسحوا فيهم- يقول بتاعتي.. بره عنك الحوار ده؛ أنت حفيد مُرممي الكعبة.

وللحديث بقية.. نتقابل بعدين