همتك نعدل الكفة
65   مشاهدة  

إيران تحتل العرب وتدعم المقاومة وتخرب أوطان

عربستان
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



بينما ترفع إيران شعارات المقاومة ودعم المستضعفين في الدول العربية؛ مثل المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان وسوريا والعراق، تغفل الحقيقة الأكثر وضوحًا: أنها نفسها دولة احتلال، تمارس أبشع صور القمع والهيمنة على شعوب وأقاليم عربية، كما هو الحال في الأحواز المحتلة منذ أكثر من قرن. الثورة الخمينية التي زعمت أنها جاءت لتحرير المظلومين من ظلم الطغاة، لم تغير من الواقع شيئًا، بل عمّقت الجراح ورسّخت الاحتلال. إيران التي تتدخل في شؤون الدول بحجة محاربة الاستعمار، تمارس استعمارًا صارخًا على الأحواز، تسرق ثرواتها، تطمس هويتها، وتضطهد شعبها، في تناقض فاضح بين شعاراتها وأفعالها.

الاحتلال الإيراني للأحواز

إقليم عربستان، أو كما يعرف بالأحواز، يمثل جزءً من التاريخ العربي الذي يحمل في طياته الكثير من التعقيد والصراع. على مر العصور، كانت هذه المنطقة، الواقعة جنوب غرب إيران على ضفاف شط العرب، تحكمها قبائل عربية وتتمتع بحكم شبه مستقل، إلا أن هذا الاستقلال لم يدم طويلاً، ففي 20 أبريل 1925، شهدت عربستان تحولًا مفصليًا عندما قامت إيران، بقيادة رضا شاه بهلوي، بضم الإقليم إلى دولته بالقوة، في خطوة لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل كانت انعكاسًا لطموحات إيرانية ودولية أوسع.

عربستان
لحظة احتلال إيران للأحواز

ولم يكن هذا نتاجًا لصراع محلي فحسب، بل كان مدفوعًا بأطماع اقتصادية وجيوسياسية، فمع اكتشاف النفط في عربستان أوائل القرن العشرين، أصبحت المنطقة مطمعًا للقوى الكبرى، وأبرزها بريطانيا، التي اكتشفت النفط في تلك الأرض، كانت ترى فيها فرصة لتعزيز مصالحها الاقتصادية، خاصة في ظل التغيرات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى. وبالنسبة لإيران، كان النفط مفتاحًا لتحقيق طموحات رضا شاه التنموية، فكان من الضروري السيطرة على عربستان لتأمين هذه الموارد. وبالرغم من أن الشيخ خزعل الكعبي، حاكم عربستان، كان يعتمد على علاقاته القوية ببريطانيا لحماية إقليمه، إلا أن بريطانيا تخلت عنه في لحظة حاسمة، مفضلةً مصالحها الاستراتيجية في استقرار المنطقة واستمرار تدفق النفط.

تزامن احتلال عربستان مع تحولات كبيرة في الشرق الأوسط بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، فقد كانت القوى الغربية، وخاصة بريطانيا، تسعى لإعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها، ووجدت في إيران شريكًا يمكن الاعتماد عليه. احتلال عربستان وفر لإيران قوة اقتصادية وموقعًا استراتيجيًا مهمًا، خاصة في ظل تزايد النفوذ السوفيتي آنذاك. كما أعطى إيران السيطرة على منطقة الخليج العربي، وهو شريان تجاري حيوي، ما عزز موقعها في معادلة القوى الإقليمية.

دبلوماسية الخداع

لكن الأمر لم يقتصر على القوة العسكرية، إذ استخدم رضا شاه بهلوي الحيلة والخداع لتأمين سيطرته الكاملة على عربستان، فقد استدرج الشيخ خزعل إلى طهران بحجة التفاوض، وهناك تم اعتقاله، ليتم بذلك إنهاء حكم العرب في المنطقة وإسكات أي حركة انفصالية قد تهدد سلطة الدولة الإيرانية، وقد كان اعتقال الشيخ خزعل بمثابة ضربة قاصمة للحلم العربي بالحكم الذاتي في عربستان، وبدأت بعدها إيران في تطبيق سياسات تهدف إلى تغيير هوية المنطقة بشكل جذري.

عربستان
خريطة لأرض الأحواز

الثورة الإيرانية وحلم لم يتحقق

مع الثورة الإيرانية، 1979، كان الأحوازيون، وهم غالبية مسلمة، يأملون أن تحمل هذه الثورة الإسلامية، تغييرًا إيجابيًا لهم، إن كان بالاستقلال أو حتى مجرد الاعتراف بحقوقهم القومية، لكن الواقع جاء مختلفًا تمامًا؛ إذ واجه الأحواز عنفًا شديدًا وقمعًا ممنهجًا من النظام الجديد، الذي استخدام كل الوسائل لطمس هويتهم الثقافية، لتستمر سياسة الاستبداد والقمع دون تغيير يُذكر عن العهود السابقة.

كان العرب في عربستان جزءً لا يتجزأ من الحركة الثورية التي أسقطت نظام الشاه، إذ شاركوا بقوة في تحركات عمالية داخل قطاع النفط، وأظهروا تفانيهم في النضال، لكن سرعان ما انقلبت الثورة على مبادئها، فتعرض العرب لتهميش ممنهج، وقد سعت شخصيات مثل الشيخ محمد الكرمي لاستغلال هذا الزخم لصالحها، ما أدى إلى تفكيك الصف العربي.

بينما برز الشيخ محمد طاهر شبير الخاقاني كرمز للنضال، مُطالبًا في طهران بحقوق العرب، إلا أن النظام الجديد أظهر وجهه القمعي، مُستبيحًا دماء الناشطين، مما دفع الكثيرين إلى الهجرة بحثًا عن الأمان.

في ظلال حرب الخليج

خلال حقبة الحرب العراقية الإيرانية (1981-1997) انزوت قضية عربستان في الظل، حيث سلبت الحرب فرص العرب في التعبير عن أنفسهم، ورغم قمع الانتفاضات، نجح النشطاء العرب في إبقاء روحهم حية من خلال تنظيم الفعاليات الاجتماعية، مثل العزاء والأعراس، التي تعزز الهوية القومية، وفي عام 1985، انفجرت مظاهرات “انتفاضة الكرامة” احتجاجًا على مقال مسيء للعرب، لكن النظام واجه هذه التحركات بوحشية، مُظهرًا استهتاره بحياة الأبرياء.

أما في الفترة من 1997-2005، فقد أتيحت فرص جديدة للنشطاء العرب لا سيما في عهد الرئيس محمد خاتمي، فظهرت مؤسسات ثقافية وسياسية تعبر عن هويتهم، و أُصدرت صحف وكتب تسلط الضوء على القضايا العربية، إلا أن القمع كان لا يزال يحوم حولهم، حيث استهدفت الحكومة النشطاء وأغلقت الصحف، رغم دخول بعض العرب البرلمان، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لإنهاء معاناتهم.

وفي نفس السياق تم تسريب رسالة تطالب بتغيير التركيبة السكانية في عربستان، وكان هذا التسريب بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فخرجت الجماهير في مظاهرات حاشدة عام 2005، لكن الحكومة واجهتهم بعنف مُفرط، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى. ورغم محاولات القمع، تواصلت الاحتجاجات مع بروز أشكال جديدة من المقاومة، مثل المظاهرات في الملاعب، مما يعكس أن روح التحدي لم تُقضَ عليها، وما زالت إلى الآن.

إيران وطمس الهوية القومية للأحواز

تسعى إيران منذ عقود إلى طمس الهوية العربية في إقليم الأهواز، حيث تمثل هذه الجهود جزءً من استراتيجية ممنهجة لفرض الثقافة الفارسية على سكانها الأصليين، فقد أدت سياسات “الفرسنة” السكانية إلى زيادة نسبة غير العرب في المنطقة، في محاولة لتغيير التركيبة السكانية التاريخية. وتبرز هذه السياسات بوضوح من خلال تغيير الأسماء العربية الأصلية للمدن والبلدات، كما هو الحال مع مدينة “المحمرَّة” ـ عاصمة الأحواز التاريخية ـ التي أصبحت تُعرف بـ”خرم شهر”، وهي تسمية فارسية تعني “البلد الأخضر”.

فمنذ الاحتلال الإيراني، استهدفت محاولات طمس الهوية العربية جميع جوانب الحياة في الأهواز، وكان من بين الأوامر الأكثر قسوة هو منع الأهوازيين من التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة، مع فرض عقوبات صارمة على المخالفين. وجرى اعتماد المناهج الدراسية باللغة الفارسية فقط، مما ساهم في استبعاد اللغة العربية من الفصول الدراسية، وحتى الأسماء الشخصية، أُجبر الأهوازيون على استبدال أسماء مواليدهم بأسماء فارسية، في محاولة للحد من التعبير عن هويتهم الثقافية.

إقرأ أيضا
معرض الكتاب

وتتجلى هذه السياسات القمعية في مختلف جوانب الحياة اليومية، حيث ترفض الدوائر الحكومية أي معاملات إلا إذا كانت باللغة الفارسية، ولا يُسمح بالتعامل مع الموظفين أو تقديم الشهادات في المحاكم إلا بلغة النظام، كما تشترط إجراءات توظيف الحكومة على أي عربي إثبات إجادته للغة الفارسية، مما يُجبر الكثير من أبناء الأهواز الذين يرفضون التحدث بالفارسية على مغادرة المنطقة. كما تعكس هذه السياسات مدى إصرار إيران على محو الهوية العربية للأهوازيين، من خلال استهداف لغتهم وثقافتهم وتاريخهم.

عربستان
مقاومة الاحتلال الإيراني

عداء قومي تاريخي

إن عملية تسليم عربستان لإيران في عام 1925 بداية سلسلة من الاحتلالات التي طالت العديد من الدول العربية، إذ لم يكن الاحتلال الإيراني لعربستان مجرد اعتداء على أرض عربية، بل كان أيضًا بداية لتقويض الهوية العربية في المنطقة، ولا يمكننا نسيان أن إيران وتركيا كانتا من الداعمين الأوائل لوجود إسرائيل في المنطقة، وذلك بالتنسيق مع بريطانيا، مما ساهم في تعميق الأزمات والنزاعات في الشرق الأوسط.
ورغم أن إيران تسيطر على عربستان منذ ما يقرب من مئة عام وتمارس ضد شعبها أساليب القتل وطمس الهوية، إلا أنها تتبنى اليوم خطابًا يدعو إلى حرية فلسطين، في تناقض صارخ، يُستخدم هذا الخطاب كوسيلة لتغطية ممارساتها القمعية ضد الشعب الأحوازي، في وقت تظل فيه هي نفسها دولة محتلة.
علاوة على ذلك، تتدخل إيران بشكل سافر في الشؤون الداخلية للدول العربية مثل لبنان وسوريا واليمن، من خلال دعمها للمليشيات العسكرية، ويهدف هذا التدخل إلى تعزيز نفوذها على حساب استقرار وأمن تلك الدول، مما يزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة ويعمق الانقسامات.

إن التناقض بين تصريحات إيران وممارساتها الفعلية يُظهر حجم الأزمات السياسية والأخلاقية التي تواجهها. لذلك، من الضروري أن ندرك طبيعة هذه السياسات وأن تعمل على مواجهة التحديات الناتجة عنها. ورغم القمع المستمر، يظل الشعب العربي الأهوازي متمسكًا بإرادته وتصميمه على استعادة حقوقه. تاريخهم مليء بالتحديات، لكن روح النضال ستظل مستمرة حتى تحقيق العدالة والمساواة.

اقرأ أيضا : من التحالف الاستخباراتي إلى العداء العلني .. عن تطور العلاقات المتقلبة بين إيران وإسرائيل

الكاتب

  • عربستان مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان