عنتيبي أحدث تجليات الصراع ع النيل
-
رامي أبو راية
مخرج وسيناريست وباحث في الأنثروبولوجيا البصرية
مخرج وسيناريست وباحث في الأنثروبولوجيا البصرية
من زمان وأفريقيا محط أنظار الجميع؛ وده راجع لثرواتها ومواردها الوفيرة، فبقت واحدة من أهم ساحات الصراع بين الدول الاستعمارية خلال الحقبة الكولونيالية. بمرور السنين أتغيرت المعطيات وأشكال ومشاهد الصراع في القارة، فبعد ما كان الصراع بين المستعمرين على موارد وثروات القارة، أصبح بين أبناء القارة نفسهم؛ زي ما واضح دلوقتي من الخلاف حوالين إتفاقية عنتيبي.
وتحت مسمى القبلية والعرقية؛ شهدت القارة صراعات هدفها الحقيقي السيطرة والهيمنة والنفوذ، فشفنا ولسه بنشوف صراعات وصلت لدرجة الإباداة الجماعية.
حاليا مين ضد مين؟
الصراع الظاهر ع السطح في شرق القارة خلال السنوات الماضية هو مصري-إثيوبي بلا منازع، خناقة على حق كل دولة منهم في الموارد المائية، إثيوبيا دولة منبع يعني عندها الحنفية ومصر دولة مصب يعني بتخلص عندها رحلة الماية بعد ما تكون عدت على دول تانية في طريقها. والنقطة دي هي اللى جعلت الصراع متعدد الأطراف.
دور شطرنج بدأ من عند إثيوبيا لما تكتلت بدول حوض النيل علشان يعملوا اتفاقية جديدة بخصوص توزيع الميّه، ومصر بعد صبر كتير ردت عليها باتفاقية تعاون دول إقليم القرن الإفريقي، علشان عض الأصابع يشتدت على الآخر، فلو أنت قادر تقطع عني الميّة وتعمل سدود على مجرى النيل أنا كمان قادر أخليك زي ما أنت دولة حبيسة بلا أي منافذ ملاحية على البحر الأحمر.
إيه بقى اللي حصل علشان نحكي الكلام اللي فات ده؟
اللي حصل إن يوم الحد، 13 أكتوبر الحالي، إثيوبيا أعلنت دخول اتفقاية “عنتيبي” حيز التنفيذ.
هتسألني عنتيبي مين واتفاقية إيه؟
مبدأيًا عنتيبي هي مدينة أوغندية اجتمع فيها بعض دول حوض النيل سنة 2010م ووقعوا على اتفاقية جديدة لتنظيم عملية الاستفادة المشتركة من ميّة النيل، بالتالي الاتفاقية اتعرفت إعلاميًا باسمها، زي كده اتفاقية جينيف.. نسبة لمدينة جينيف، ومعاهدة كامب ديفيد.. نسبة منتجع كامب ديفيد…. إلخ.
إيه حكاية اتفاقية عنتيبي؟
اتفاقية عنتيبي ظهرت كفكرة سنة 1999م.. وسنة 2010م أتحولت لاتفاقية وَقَّع عليها 6 دول (إثيوبيا، أوغندا، رواندا، تنزانيا، كينيا، بوروندي) في إعلان منهم لرفض الحصص المقررة بموجب اتفاقيات سابقة تم توقيعها القرن الماضي، وحجتهم إنها اتفاقيات أتعملت في عهد وحكم الدول الاستعمارية للقارة.
مع ملاحظة إن إثيوبيا طوال تاريخها ما تمش استعمارها غير من الطليان لمدة ماتزيدش عن 5 سنين وكان استعمار جزئيء وحتى الاتفاقيات ما توقعتش خلال فترة استعمراها ولا كانت إيطاليا طرف فيه.
النقطة التانية واللي هنيجي لها في الكلام بعدين إن الدول الاستعمارية اللي بيتحججوا بيها هي نفس الدول اللي ورا فكرة وتوقيع اتفاقية عنتيبي.
صدقت إثيوبيا وروندا على الاتفاقية سنة 2013، بعدهم تنزانيا في 2015، وجات وراهم أوغندا في 2019، ثم بروندي في 2023، لكن كينيا لسه ماصدقتش عليها لحد دلوقت، بالتالي فضلت الاتفاقية غير قابلة للتنفيذ؛ علشان لازم تلتين دول حوض النيل (وعددهم 11 دولة) يصدقوا عليها.
بس يوم 14 أغسطس السنادي حصلت خطوة مفاجأة على رقعة شطرنج قارة أفريقيا؛ بمصادقة دولة جنوب السودان على الاتفاقية، وبكده اكتمل نِصاب التلتين وتدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بعد 60 يوم بالتمام والكمال من أكتمال النِصاب.
إيه مشكلة مصر والسودان مع الاتفاقية وموقفهم منها؟
مصر والسودان أعلنوا رفضهم للاتفاقية، لأنها بتضر مصالحهم الوجودية وبتيجي على حصتهم السنوية من الميّة، فعندك مصر حصتها 55 مليار متر مكعب في السنة والسودان 18.5 من أصل الميّه اللي بتنزل في مجرى نهر النيل واللي هي بتصل تقريبا إلى 85 مليار متر مكعب في السنة، ونقدر نقول إن مصر والسودان بيتصنفوا من الدول اللي بتعاني من الفقر المائي ودول جافة مش بتهطل عليها الأمطار مقارنة بدول حوض النيل الباقية اللي بينزل على بحيرتها من هطول الأمطار 1000 مليار متر مكعب على حسب كلام الخُبرا.
فالدولتين معترضين لإنهم شايفين الاتفاقية مش مفسرة معنى الأمن_المائي ولا محددها، هل هو الميّه اللي بتنزل في مجرى النهر ولا المطر اللي بينزل على بحيرات دول المنبع وبناء عليه يتحدد توزيع حصص الميّه؟
فعترضوا مثلا على المادة 14 من الاتفاقية اللي بتقول: “تتفق دول حوض النيل بروح التعاون على عدم التأثير الكبير في الأمن المائي لأي دولة أخرى في حوض النيل” وطالبت مصر والسودان بتعديلها، ويبقى نصها هو “عدم التأثير بصورة كبيرة في الأمن المائي والاستخدامات الحالية وحقوق أي دولة أخرى في حوض النيل”
علشان يضمنوا عدم المساس بحصصهم الحالية من الميّه.
واعترضت مصر على بند تنفيذ أي مشروعات على النيل من دول الحوض، وطالبت بتعديل البند ليضاف إليه “إلا بإخطار مسبق أولا”، وطالب الدولتين بتعديل بند التصويت على القرارات بالأغلبية المطلقة واللي هو منصوص عليها حاليًا في الاتفاقية، عشان يبقى التصويت بالإجماع.
باختصار مصر والسودان ماعندهمش اعتراض إن دول المنبع تستغل مواردها المائية من خلال إقامة المشاريع، إنما معترضين إن المشاريع دي تتعمل بشكل أو بصورة تضر بحقوقهم في مواردهم المائية.
خصوصًا لما يكون فيه أماكنية للتنسيق والتعاون بين دول المنبع ودول المصب في إقامة المشاريع على مجرى النيل والمنفعة تعم على الجميع.
هل إثيوبيا بتسعى لتنمية واستغلال مواردها ولا لفرض سيطرتها ع الإقليم؟
إثيوبيا في كل تحركاتها عندها رغبة في الظهور كقوة أفريقية عظمى، وكل تحركاتها مع دول الجوار أو مع دول حوض النيل بتقول إن عيناها على توسيع نفوذها؛ علشان تظهر قصاد العالم إنها أقوى من مصر بالذات في لحظة اختيار مصر كممثل عن القارة في مجلس الأمن، ده طبعًا غير العداء القديم بسبب دعم ومساندة مصر لحركة التحرير في أريتريا خلال مرحلة نضالها للاستقلال عن إثيوبيا.
بالتالي هي بتلعب على تطبيق مبدأ السيادة المطلقة رغم إنه مش موجود في القانون الدولي لكنه معروف، بأن الدول بتسيطر على مواردها المائية اللي بتنيع من أراضيها سيطرة تامة زي بالظبط إللي عملته تركيا مع سوريا والعراق، واللي عملته إثيوبيا نفسها مع دولة الصومال ببناء سدود على نهر شبيلى.
هل بقى في إيد مصر والسودان حاجة يعملوها؟
بجانب تحركات مصر الفترة اللي فاتت؛ في القرن الإفريقي من اتفاقيات تعاون ذات جانب عسكري مع إريتريا والصومال، ممكن كمان تستميل بعض دول حوض النيل من خلال اتفاقيات ومعاهدات تخلي الدول دي توافق على تعديل مواد وبنود اتفاقية عنتيبي وتضمن إن مافيش مشاريع تتعمل على حوض النيل من غير معرفتها ورضاها.
ده غير تقديم اعتراضات رسمية على الاتفاقية لدى الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، مستندة على أن الاتفاقية بتمثل خرق للمبادئ الدولية المتعلقة بعدم الإضرار بالغير.
كمان يحق للدولتين التحرك قانونا ضد الاتفاقية في محكمة العدل الدولية، استنادًا على الحقوق المثبتة في اتفاقيات سابقة مقررة في اتفاقات دولية وموضوعة في سجلات جيمع الهيئات الدولية والأممية.
إيه موقف الدول الاقتصادية الكبرى من اتفاقية عنتيبي؟
بما إني قلتلك في نقطة سابقة إن الدول اللي كانت مستعمرة القارة سابقا هي نفسها الداعمة للاتفاقية حاليا، فأزيدك من الشعر بيت.. إنهم كمان معترفين بيها من يوم توقيعها؛ عن طريق دعم وتمويل البنك الدولي (الذراع الاقتصادي للدول الكبرى)، لإقامة مشروعات في الدول الموقعة على الاتفاقية بناءً على الاتفاقية.
الكاتب
-
رامي أبو راية
مخرج وسيناريست وباحث في الأنثروبولوجيا البصرية
مخرج وسيناريست وباحث في الأنثروبولوجيا البصرية