همتك نعدل الكفة
8   مشاهدة  

قبيلة البيراها ترفض التبشير وتُعلّم المبشر”دانيال” درسًا في السعادة والبساطة

البيراها
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



في قلب غابات الأمازون المطيرة، يعيش شعب (البيراها – Pirahã) الذي يختلف عن المجتمعات الحديثة في العديد من الجوانب؛ فالبيراها لا يمتلكون مفهومًا للماضي أو المستقبل، ويعتقدون أن النوم لفترات طويلة مُضِر، كما أنهم لا يفهمون معنى التوتر.

عاش المُبشِر السابق “دانييل إيفريت” بين أفراد هذه القبيلة لفترة طويلة، حيث تعلم لُغتهم وعاداتهم المحلية، وتوصل إلى استنتاج مفاده أن “البيراها” قد يكونون من أسعد الشعوب في العالم.

قبيلةالبيراها

من هم البيراها؟

يُعرِف “البيراها” أنفسهم باسم (هيايتسيي – Hiaitsiihi)، ويعني (فئة من البشر تختلف عن الأشخاص البيض وغيرهم من الهنود). لديهم نظام تسمية دقيق يرتبط بعلم الكونيات الخاص بهم؛ فقبل ولادتهم، وأثناء وجودهم في أرحام أمهاتهم، يحصلون على الاسم الأول، الذي يعتقدون أنه المسؤول عن خلق أجسادهم، وطوال حياتهم، يتلقون أسماء من الكائنات التي تسكن الطبقات العليا والسفلى من الكون، وهي المسؤولة عن خلق أرواحهم ومصائرهم، بالإضافة إلى أسماء من أعدائهم في الحروب.

و”البيراها” هم أحفاد “مورا” بشكل مباشر، اللغة، الثقافة المادية، التنظيم الاجتماعي، والتشابه الجسدي بين المجموعتين يثبت بشكل قاطع الارتباط بينهما في الماضي، وقد ربط “نيموينداجو” (1982-1925) بين المجموعتين، حيث بدأ في تسمية “البيراها” باسم “مورا- بيراها”، ومنذ ذلك الحين، أصبح تاريخ المجموعتين مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا، وأصبح من الشائع اعتبار “البيراها” بقايا “أمة مورا” القديمة، التي كانت تسكن ضفاف نهر ماديرا.

البيراها ولغتهم النغمية

صنف العالم الهولندي المختص في علم اللغة هنريكس  (1964) لغة البيرها على أنها نغمية، أي أنها تستخدم النغمات لتحديد المعاني، ما يمكنهم من إنشاء أنماط خاصة للتواصل، كما يستخدمون الصراخ بطريقة معينة للتواصل عبر مسافات بعيدة، خاصة أثناء الإبحار في القوارب على النهر، أو في الرحلات الاستكشافية في الغابات، أو يستخدمون الصفارات لتجنب خطر الكشف عن الهدف. والصفارات التي يستخدومنها تتبع النغمات المتعددة وليس النغمة الموحدة التي تحدد المعنى، ما يتيح للبيراها التحدث مثلا أثناء مضغ الطعام.

البيراها
قبيلةالبيراها

وليس معنى استخداهم اللغة النغمية أنهم يجهلون طريقة الكلام العادية، إذ أن معظم الرجال يفهمون اللغة البرتغالية، لكن ليس جميعهم قادرين على التعبير بها بطلاقة، بينما لا تفهم النساء البرتغالية بشكل جيد ولا يستخدمنها، ولأن الرجال أكثر دراية بالبرتغالية عن النساء، فقد طوروا اللغة، وأصبحت لهم لغة مختلطة للتواصل تجمع بين كلمات البيراها والبرتغالية واللغة الأمازونية العامة (المعروفة باسم نهينجاتو).

أماكن تواجد البيراها

يسكن البيراها منطقة يعبرها نهر “مارميلوس”، الذي يتدفق من نهر “مايسي| في بلدة “هومايتا” بولاية “أمازوناس”، و”مارميلوس” هو نهر واسع ذو مياه سوداء تحيط به غابات مورقة، وفي موسم الجفاف، تظهر الشواطئ الرملية البيضاء، بينما تغزو مياه النهر الغابة خلال موسم الأمطار، وتتشكل غابات “إيجابوس” واسعة، أما عن الحدود الجغرافية لمناطق “البيراها” فقد تم تحديدها في عام 1994، وتشمل مناطق نهر “مارميلوس” ونهر “مايسي”، وتغطي حوالي 400 ألف هكتار من الأرض.

صراعات المبشرين مع البيراها

في عام 1980، أرسلت أحد الكنائس الأمريكية القس دانيال إيفيريت إلى قبائل “البيراها” في غابات الأمازون بالبرازيل بهدف تعلم لغتهم ودعوتهم للمسيحية، وقد قضى دانيال سنوات طويلة مع عائلته في هذه المنطقة التي لها حياة وأساليب وطقوس مختلفة، وبعد حوالي ثلاثين عامًا، نشر كتابه Don’t Sleep, There are Snakes  الذي يروي فيه تجربته المثيرة.

البيراها

حكى “دانيال” أنه في أول يوم له مع القبيلة، تعرض للسخرية بسبب كمية المواد والملابس التي جلبها، واكتشف لاحقًا أنها لم تكن ذات فائدة. ورغم أنه كان هناك لترجمة الكتاب المقدس إلى لغتهم المحكية، ظل طوال الوقت يتبادل الحديث مع أفراد القبيلة عن معتقده المسيحي. وبالمعايشة اكتشف أن “البيراها” لا يعرفون مفهوم الإله، ولا توجد في لغتهم كلمة تعنيه. فابتكر دانيال تعبير “الأب في الأعلى” ليحدثهم عن الله.

وعندما سألهم عن من صنع نهرهم، أجابوا بأنه موجودًا دائمًا ولم يُخلق. كما اكتشف أنهم لا يتحدثون عن الماضي البعيد أو المستقبل غير المنظور، بل يركزون فقط على الحاضر.

كما يروي “دانيال” أنه في إحدى المرات، أخبرهم عن حادثة انتحار أمّه بالتبني، فاستغربوا وضحكوا منها، حيث لم يكن لديهم مفهوم لمعنى إنهاء الإنسان لحياته.

وعندما حدثهم عن المسيح، سألوه عن لون بشرته، وعندما لم يستطع الإجابة، تساءلوا كيف يمكنه الإيمان بشخص لم يلقاه قط. هذا الموقف جعله يشك في جدوى مهمته التبشيرية.
ثم جاءه أحد أفراد القبيلة وقال له: “نحن نعلم أنك تركت وطنك لتخبرنا عن المسيح، لكننا لا نريد أن نصبح أمريكيين مثلكم. نحن نحب حياتنا كما هي“. فاضطر دانيال إلى الاعتراف بأنه لم يعد يستطيع إقناعهم، فقرر العودة إلى أمريكا.

بعد عودته، بدأ دانيال في إعادة التفكير في مهمته، وتساءل عن سبب محاولته إقناع هؤلاء الناس الذين كانوا يعيشون بسعادة ورضا في حياتهم البسيطة بأنهم ضائعون ويحتاجون إلى إنقاذ. هذا الرفض للإنجيل كان هو السبب الرئيسي في شكه بمعتقداته وابتعاده عن الكنيسة، ما أدى إلى انهيار حياته الزوجية.

الطقوس والشامانية

بالحديث عن المعتقد والطقوس الخاص بهم قبل وبعد التبشير؛ فالطقوس التي تمارسها “البيراها” تنقسم إلى نوعين: الشامانية والمهرجانات. كلا النوعين يهدف إلى خلق تواصل بين المجال الاجتماعي والمجال الخارق للطبيعة، ولكن “الشامانية” تُعد الطقس الرئيسي المفضل لدى المجتمع، بينما تُعتبر المهرجانات طقوسًا تكميلية يمكن تصنيفها إلى “كبيرة” و”صغيرة”.

وتتجسد “الشامانية” في عملية التفاعل بين “الإيبيسي” (أجساد البشر) و”العبيسي” (الأرواح أو الموتى)، وكذلك بين “الإيبيسي” وكل من “الكاوايبوجي” (رعاة البقر) و”التويبي” (رعاة الأغنام). من خلال الشامان وأدائه، يتم إثراء الطقوس وتحقيق الدعم الروحي.

الشامان “يتبادل الأماكن” مع “العبيسي” أو الموتى، ويزور عوالمهم بينما يصل هو نفسه إلى عالم “البيراها”. يسمح هذا الأداء للشامان بإضفاء قيمة اجتماعية ويعزز من تراث الأسماء في المجتمع.

“الشامانية” هي الوسيلة التي يتم من خلالها تقديم أسماء “جديدة” للمجتمع، وتدخل الأسماء التي تمثل الأرواح في النظام التسموي للبيراها.

إقرأ أيضا
من غير تعديل

أما بالنسبة للطقوس (المهرجانات)، سواء “كبيرة” أو “صغيرة”، فهدفها هو تنفيذ الكون وتنظيمه، ففي تصوّر “البيراها”، يتم تنفيذ الطقوس لإحداث ضجيج، بهدف أن يسمع الديميورج (إيجا جاي) الموجود في السماء الثانية هذا الصوت، فيتعرف على وجود “البيراها” ومكانهم.

ويرتبط خوف “البيراها” بعدم قدرة “إيجاجاي” على تحديد مكانهم، وذلك كما ورد في “أسطورة تدمير العالم”، حيث كان تدمير العالم بسبب جهل “إيجاجاي” بمكان “البيراها”. فقط بعد أن تركن النساء دون نار وبكت، تمكّن “إيجاجاي” من سماع صوتهن وتحديد مكانهم ليبدأ في إعادة بناء العالم.

البيراها
بعض أطفال القبيلة

فرن الإيجاجاي

يُفضل سكان القبيلة أداء الطقوس أثناء اكتمال القمر، حيث يُعتبر البدر بمثابة الفرن الذي يخبز فيه “إيجاجاي” طعامه، ومن خلال تنفيذ الطقوس في هذه الفترة، يسعى “البيراها” إلى تحديد موقع “إيجاجاي” تحت ضوء القمر المكتمل، وهو ما يساعدهم على تحديد مكانهم في الكون.

 

بعيدًا عن الأطر المعتادة للزمن أو الدين كما يعرفها العالم الخارجي. لم تؤثر محاولات التبشير التي قام بها إيفيريت على قناعاتهم الراسخة، بل أظهرت مدى قوتهم في الحفاظ على هويتهم وثقافتهم رغم المُغريات والتحديات.

تجربة “البيراها” تدفعنا للتساؤل عن مفهوم السعادة، وهل تتطلب السعي الدائم وراء التغيير أم أن الرضا الحقيقي يكمن في القبول التام بما نملك والعيش بانسجام مع بيئتنا الطبيعية.

اقرأ أيضًا: الطموح الإيراني في القارة السمراء.. حزمة مصالح وأهداف استراتيجية

الكاتب

  • البيراها مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان