الهوى سلطان.. نعومة وخفة كادت أن تقتلها الدوائر المفرغة
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
النعومة والخفة هي سمة تفتقدها السينما في تلك الأيام، ليست السينما المصرية فحسب بل السينما العالمية، تلك الأفلام القريبة من الإنسان العادي والتي تحمل في مشاهدها أجزاء من كل مشاهد، مشاعر عاشها وعرفها جيدًا، من آن لآخر نحن بحاجة إلى فيلم نرى بعضًا منا فيه، هكذا جاء الهوى سلطان، ولكن مثل مشاعرنا وتجاربنا، جاء الفيلم ينقصه بعض الأمور الهامة.
دوائر مفرغة
في البداية لابد من الإشادة بحرفية هبة يسرى كمخرجة، فدورها كمخرج جاء أفضل ما يكون، ولكن دورها كسيناريست كان به العديد من المشكلات، والتي للأسف لم يداويها التنفيذ الجيد والمتميز الذي قامت به، لم يداويه حتى رشاقة الحوار وجماله، لأن الفيلم بالفعل كان فرصة جيدة لصناعة فيلم متميز أهدرت بسبب افتقار السيناريو لتفاصيل رئيسية، ما كان يجب أن تقع فيها هبة يسري.
مشكلة السيناريو الرئيسية هي عدم وجود أحداث، الدراما هي الحدث والتصاعد، هبة يسرى أهدرت تلك الفرصة في فيلم جاء بناءه على مواقف مكررة طوال الوقت، أهدرت 40 دقيقة أو يزيد في تعريفنا بالشخصيات الرئيسية وشكل علاقتهما سويًا ومدى قربهما، قبل أن يحدث الحدث الأول، أكثر من نصف الفيلم ونحن ندور في حلقة مفرغة من المواقف المصنوعة جيدًا.
صحيح أن هبة يسري صنعت وصاغت مواقف غاية في الجمال والسلاسة والنعومة والعذوبة والصدق ولكنها أكثريتها جاء بلا هدف درامي على الإطلاق، ثلاثة أو أربعة مواقف كانت كفيلة لتعريفنا بالشخصيات وعلاقتهما لا أن يمتد الأمر لما يزيد عن نصف الفيلم، الأزمة أنها كررت الأمر طوال مراحل الفيلم.
ثم المزيد من الدوائر المفرغة
شاب السيناريو حالة من المط المبالغ فيها وغير المبررة، حتى حينما انتقالنا لبداية الصراع، أصرت هبة يسري المؤلفة أن تعيد صياغة نفس المواقف بأشكال مختلفة، فتحول الأمر من اللطافة للسخافة، ومن السخافة للملل والرتابة في إيقاع الفيلم، حتى حينما وصلنا للنهاية جاءت أيضًا ممطوطة بشكل واضح.
لا أود حرق أحداث الفيلم، ولكن الفيلم نفسه هو عبارة عن ثلاثة أو أربعة مشاهد أساسية يحدثون بعد تكرار غير مبرر للمواقف والمعلومات، أكرر صحيح أنها مواقف صنعت بصدق وجيدة بالفعل ولكنها مكررة، ربما لم تلتفت هبة يسري إلى أهمية وجود حبكة فرعية داخل أحداث الفيلم يمكن اللجوء إليها للهرب من التكرار، رغم أن السيناريو كان مليء بالفرص لصناعة حبكة فرعية، سواء على مستوى خط الشلة الذي لم يتم استغلاله على الإطلاق وكان هذا بمثابة علامة استفهام كبيرة؟ أو حتى على مستوى خط علاقة الأبطال بأهلهم، هبة يسري كان لديها الكثير من الفرص لو لم تركز كل مجهودها على الحبكة الرئيسية.
أهدرت هبة يسري في فيلمها حضور خالد كمال الطاغي، كذلك أهدرت فرصة للتعمق في شخصية دكتور رامي التي قدمها ببراعة أحمد خالد صالح، وأيضا التعمق في شخصية ليلى التي قدمتها جيهان شماشرجي، وفي المقابل لم تهدر أبدا الاستفادة من خفة أحمد داوود الذي يؤكد قدرته على أداء أصعب الأدوار بأسهل الوسائل.
أحمد خالد صالح
“أصعب الأدوار هي أدوار الشخص العادي” هكذا جاء دور على الذي قدمه أحمد داوود، والحقيقة أن الحوار الذي كتبته هبة يسري جاء ليساعد الممثلين على أن يظهروا بكل هذا التألق والانسيابية وعلى رأسهم أحمد داوود ومنة شلبي، ورغم أن منة شلبي أكبر عمرًا من شخصية سارة، وهذا كان واضحًا على الشاشة إلا أنها قدمت أحد أفضل أدوارها على الإطلاق.
كذلك الظهور الخاطف لسوسن بدر وعماد رشاد وبالطبع خالد كمال، رغم قلة ظهورهم على الشاشة إلا أنهم بالتأكيد خطفوا الأبصار والقلوب، ولكن هناك ممثل يستحق تحية استثنائية وهو أحمد خالد صالح، تمكن غير طبيعي في الانفعالات وفهم جيد للشخصية التي يقدمها هذا الفهم جعل تلك الشخصية هي اكثر الشخصيات الثانوية حضورًا وتأثيرًا ووضوحًا، في أحد المشاهد الدرامية القليلة في الفيلم، استطاع أحمد خالد صالح أن يجعلني أشعر بما تشعر به الشخصية من أحاسيس متضاربة بين الغضب والعصبية والحزن ومحاولة التحكم في النفس، مشهد جعلني ببساطة أتمتم قائلا “يا ابن اللعيب” .
الهوى سلطان رغم مشكلات السيناريو الفجة إلا إنه على جانب أخر نوعية نحن بحاجة لها، تلك السينما التي نرى فيها أنفسنا ومشاعرنا فنرتبط بها ونحبها ونعود إليها كثيرًا، صحيح أن هبة يسرى أهدرت فرصة فيلم متميز ولكن بهذه الموهبة كمخرجة بالتأكيد لن تهدر الفرصة القادمة، ربما فقط عليها أن تجد من يشترك معها في كتابة السيناريو أو تتلافي هي مشكلات الهوى سلطان.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال