همتك نعدل الكفة
30   مشاهدة  

كرة القدم والسياسة (1).. نبتدي منين الحكاية؟

كرة القدم والسياسة


صدق من قال إن كرة القدم هي أفيون الشعوب، ومن يوم بدأت اللعبة قديما قبل آلاف السنين، وحتى منذ بدأت في التطور خلال العصر الحديث، ارتبطت بالسياسية عن طريق حبل سُرّْي لا ينقطع، ولك أن تشبه هذا الارتباط بالزواج الكاثوليكي إن شئت.

الأحداث التي وقعت بين الأشقاء المغاربة ومشجعي مكابي تل أبيب على هامش مواجهة الفريق الإسرائيلي أياكس أمستردام بالعاصمة الهولندية، هي مجرد حلقة في سلسلة طويلة لا تنتهي تربط كرة القدم بالسياسة، فالقصة لم تبدأ هنا ولن تنتهي.

YouTube player

قديما جدا، وحديثا والله، تسيطر القبلية على العقل البشري. قبل نشأة الدول وترسيم الحدود الجغرافية كان العالم يعيش في قبائل، كل قبيلة تريد الحفاظ على أرضها وتسعى لاكتساب المزيد من الأراضي لزيادة سلطانها ومواردها. ولدت الدول ورسمت الحدود ولم تمت الفكرة. تسعى الدول لزيادة رقعتها وتنمية مواردها، فتغير هذه على تلك، ولا تنسى تأمين جبهتها الداخلية كي لا تخترق.

الأمر نفسه مع كرة القدم؛ هجوم ودفاع، فريقان (قبيلتان) كل منهما يسعى لاحتلال مساحة الآخر فوق العشب الأخضر لقنص الهدف، وفي نفس الوقت يؤمن مدافعوه أرضه ومرماه.

سحر كرة القدم يأتي أولا من هنا، من تلك الفكرة المتجذرة في عقول البشر منذ فجر التاريخ؛ من “القبلية”. أنت تشجع فريقك “جيشك” بجنون كي يفوز ويمضي لاحتلال مساحات أخرى، تشجعه كي يحافظ على “الأرض” التي يملكها. تهتف في المدرجات: “بالدم بالروح”، و”هعيش وأموت دايما عشانه”، ترى أن فريقك “أكثر من مجرد ناد” لهذا السبب، ربما تحركك العاطفة في هتافاتك، لكن من قال إن العاطفة لا تفكر؟.

لماذا كرة القدم؟

ربما ستسألني الآن: “كرة السلة واليد والطائرة” تشبه كرة القدم فيما تقول، فلماذا لا تحظى هذه الألعاب بنفس الشعبية؟.. لماذا اتفق الجميع على أن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم؟

لك كل الحق، لكني أرى سرا آخر، جعل كرة القدم تتفرد وتحظى بشعبية تفوق هذه الألعاب، وهو أنها “كرة القدم”.. أه والله زي ما بقولك كده!.

خص الله الإنسان دون الحيوان بالعقل، وحرر يداه فلم يصبح من ذوات الأربع، ما أهله لبناء الحضارة. لذلك فاستخدام الإنسان ليديه هو الفطرة التي خُلِق عليها، ولذلك ننجز بهما كل شيء؛ نأكل، نَبنِي، نَحمِل، نُحرِك، نُهرُش في ضهر بعض، كل شيء تقريبا نفعله بأيدينا.. عدا المشي.

كرة القدم عكس كل هذا، لذا هي التحدي بعنيه، الأساس هنا أن تستخدم قدميك فيما يمكنك فعله بيديك بسهولة، أن تدربها وتطوعها لفعل ما تريد. هذا التحدي هو سر تفردها عن بقية الألعاب الجماعية، وما جعل لها سحرا خاصا.

أنت تفرح بهدف واحد في مباراة أكثر من فرحتك بثلاثين هدفا أحرزها فريقك في مباراة واحدة لكرة اليد، وأكثر من 80 نقطة حققها فريقك في كرة السلة. الأهداف في كرة القدم “عزيزة” لأنها صعبة.

نرجع لمرجوعنا.. لم أنس أننا نتحدث عن كرة القدم والسياسة، لكنها كانت مقدمة رأيت أنه لابد منها، كي نحاول فك شفرة هذا الارتباط الذي مهما حاول فيفا أن ينفيه وينكره، فهو واقع حقيقي، لأن الفكرة أساسها كده يا معلم.

بداية عسكرية

تاريخ كرة القدم المدون بدأ من الصين في القرن الثالث قبل الميلاد، إذ ذكرت مراجع تقليدية عسكرية أن سلالة هان، التي حكمت خلال الفترة من 202 ق.م إلى 221م، كانت تمارس لعبة تشبه كرة القدم، وفي نهاية المباراة يقدمون الولائم للفريق الفائز ويجلدون الفريق المنهزم.

وفي تاريخ بدايتها الحديثة بإنجلترا في 1016م، ظهرت كرة القدم خلال احتفال الإنجليز بإجلاء الدنماركيين عن بلادهم، وقيل إنها كانت مباراة شديدة العنف استخدمت فيها الرؤوس المتبقية من الجثث، فمنعت ممارستها.

تكررت تلك الممارسات مرارا ومنعت بمراسيم ملكية. ومن ثم في 1863م، جاء إنشاء أول مجموعة من القواعد لكرة القدم وهي ما أسست للقوانين الحديثة، حتى هذه الألفية. وقتها اجتمع 12 ناديا إنجليزيا وتوصلوا إلى قواعد مبدئية تنظم هذه اللعبة، قبل أن تقر جامعة كامبردج في 1846م الطلاق النهائي بين رياضتي كرة القدم والرجبي.

ومن وقتها تطورت مظاهر اللعبة كثيراً، من آليات الأداء وشكل الميادين، وأصبحت نسختها المعدلة أكثر تنظيماً. كما باتت ساحة للتفاعلات الاجتماعية ومساحة وسيطة في العلاقة المتبادلة بين السياسة وأنصار فرق كرة القدم، إلا أن انعكاسها عن عواطف ومشاعر الجماهير ومقدرتها السريعة على التعبير عن الانفعالات لم يتغيراً كثيراً. ويظهر ذلك كما أشرت سلفا، في الهتافات الحماسية والانفعالات الصاخبة، والتشجيع الحار الذي يتجاوز الرياضة ذاتها.

إقرأ أيضا
الطفلة هند
YouTube player

ميكافيلي

أول من ربط الكرة بالسياسة هو الفيلسوف الإيطالي نيكولو ميكافيلي (1469 – 1527)، الذي نشر كتاب “الأمير” عام 1513 عن كيفية الوصول إلى الحكم. وقال “ميكافيلي” فيما قال: “ليس أمام الأمير من طريق إلى الحكم سوى القوة، ولا مفر أمامه سوى أن يكون مرنًا بما فيه الكفاية. وبالتالي لن يفوّت الحكام استغلال استاد ممتلئ بالجماهير تتحكم فيه العاطفة إلى حد التعصب لفريقها الكروي“.

وكانت تلك الكلمات هي بداية الحديث بشكل واضح عن علاقة الكرة والسياسة، وبعدها نُشرت مئات المقالات والكتب والأبحاث الأكاديمية عن العلاقة بينهما، بما فيهم اللي أنا بكتبه دلوقتي طبعا.

ومن وقت أن كتب السيد “ميكافيلي” عن ارتباط الكرة والسياسة، أصبحت كلماته مرجعا للعديد أو ربما كل الأنظمة الحاكمة، خاصة الفاشية منها. فاستُخدِمَت كرة القدم في الدعاية السياسية وتغذية الكبرياء الوطني، والتهدئة الاجتماعية وتفريغ طاقة الجماهير بعيدا عن الغضب والشغب والتعبير السياسي. حيث تهتف التجمعات الجماهيرية بشعارات تؤمن بها ومطالب تسعى إليها، وأيضًا دعم السياسة الخارجية بين دول متحالفة أو إفسادها بين دول متخاصمة.

كرة القدم والسياسة
أدولف هتلر استخدم كرة القدم للدعاية لنظامه

وأحدث تجليات الربط بين السياسة وكرة القدم حدث عام 2022، حينما تم إبعاد روسيا عن المشاركة في التصفيات المؤهلة إلى المونديال؛ على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.

لكن قبل أن نصل لهذه المرحلة هناك الكثير والكثير، فرحلة السياسة والرياضة طويلة وتستحق أن نحكي بعضًا من قصصها المثيرة في سلسلة مقالات تالية بإذن الله.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان