“تغير جذري في منظومة التموين” أسباب التحول إلى الدعم النقدي وكيف يستفيد المواطنين منه؟
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الدعم النقدي وتصويب عشوائية منظومة صرف السلع الغذائية يُمثلان خطوةً جادةً نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ففي ظلِّ تباين أسعار السلع وتفاقم معدلات التضخم، يصبح من الضروري ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، بما يُسهم في تخفيف أعباء الحياة ويُحقق مبدأ التكافل المجتمعي، إذ لا قيمة لأي دعمٍ إن لم يصل إلى مَن يستحقه حقًا، فيكون بذلك نوراً يضيء دروب المحتاجين، وحصناً يقيهم من شظف العيش.
تواصل وزارة التموين، بالتوازي مع جلسات الحوار الوطني التي انعقدت في 2 نوفمبر 2024م، خوض مناقشات معمقة حول تطبيق الدعم النقدي عبر بطاقة التموين، مع التوقف عن تقديم الدعم العيني، وهو ما يُعدّ من أبرز الخطط الاستراتيجية التي تتبناها الوزارة في إطار سعيها الحثيث لتطوير منظومة الدعم الوطني.
هذه الخطوة تمثل أحد أبعاد الإصلاح المنشود الذي يهدف إلى توفير آليات فعّالة تضمن وصول الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجًا، وتمنحهم حماية اجتماعية قوية، سواء عبر التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي الكامل، أو من خلال تطبيق آلية الدعم النقدي المشروط، تسعى الوزارة إلى تجسيد رؤية مستقبلية تضمن العدالة وتستجيب لمتطلبات الأوضاع الاقتصادية الحالية.
أسباب التحول إلى الدعم النقدي
تسعى وزارة التموين والحكومة إلى تطبيق نظام الدعم النقدي على بطاقات التموين، مدفوعة بعدة أسباب جوهرية تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة للمواطنين؛ ومن أبرز هذه الأسباب: تكرار المخاوف والشكاوى من وجود هدر واضح في منظومة الدعم العيني، ما يؤدي إلى ضياع حقوق مستحقيه.
ويأتي سبب ثانٍ وهو الخسائر الناتجة عن حلقات التداول الطويلة أو سوء الاستخدام، مما يُفقد السلع المدعمة قيمتها الحقيقية، أما السبب الثالث فهو إعادة صياغة منظومة دعم السلع التموينية والخبز، لتكون أكثر فاعلية وعدالة، تضمن تحقيق الاستفادة القصوى للمستحقين.
ويأتي السبب الرابع متمثلاً في أن التحول إلى الدعم النقدي، خطوة نحو ضمان وصول الدعم لمستحقيه الفعليين، مع تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية. هذه الخطوة تأتي انسجامًا مع رؤية مصر 2030، الهادفة إلى تحقيق تنمية مستدامة شاملة تعزز حياة المواطن.
ومؤخرًا، أطلقت وزارة التموين سلسلة من الإجراءات الحاسمة لتنظيم منظومة السلع التموينية، تجسيدًا لحرص الدولة على ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع كفاءة تقديم الخدمات. ومن أبرز هذه الخطوات، التنسيق الوثيق مع وزارتي المالية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالتعاون مع البنك المركزي المصري، للشروع في عملية التحول الرقمي. يأتي هذا الجهد الدؤوب لتحسين مستوى الخدمات المقدَّمة للمواطنين وضمان إيصال الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين عبر ميكنة المنظومة بشكل كامل.
كما تضمنت هذه الإجراءات تنقية شاملة لقواعد بيانات المستفيدين من بطاقات التموين، وفقًا لمحددات مرنة ومعايير مدروسة، تُعزِّز من مبدأ العدالة الاجتماعية وتُركِّز على دعم الأسر الأكثر احتياجًا والأجدر بالحماية، لترسيخ قيم التكافل وضمان استفادة الجميع من الموارد الوطنية بعدالة وإنصاف.
التحول إلى الدعم النقدي .. رؤية اقتصادية
الدعم في المطلق يمثل ركيزة أساسية لحياة الفئات الأكثر احتياجًا والأسر الأولى بالرعاية، حيث تبذل الدولة جهودًا حثيثة لتأمين الخبز البلدي المدعوم، رغم التحديات الاقتصادية المتزايدة وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وتكاليف الوقود، وتتحمل وزارة التموين والتجارة الداخلية فارق تكلفة إنتاج الخبز، ليصل إلى المواطن بسعر 20 قرشًا فقط عبر بطاقة التموين، رغم أن التكلفة الفعلية للرغيف تبلغ نحو 135 قرشًا.
وتأتي هذه الجهود لتؤكد على أن ملف الدعم يظل في مقدمة أولويات الحكومة، حيث يتصدر جدول أعمال الحوار الوطني في ظل التوجه للتحول من الدعم العيني إلى النقدي، ويهدف هذا التحول إلى تحسين إيصال الدعم لمستحقيه عبر قاعدة بيانات دقيقة وشاملة، تسهم في استهداف الشرائح الأكثر احتياجًا بفاعلية وشفافية.
كما تسعى الدولة، من خلال هذا النظام الجديد، إلى رفع جودة المنتجات والحد من تهريب السلع التموينية للسوق السوداء. وتتيح المنافسة بين المنافذ توفير خيارات متعددة للمواطنين، ما يؤدي إلى زيادة المنافذ وتحسين الخدمة المقدمة.
وفي إطار هذه الإصلاحات، تستهدف الحكومة تقليص حلقات تداول السلع بين المنتج والمستهلك، مما يحد من الهدر ويرفع حجم المعروض من السلع الغذائية، وهو ما ينعكس إيجابًا على المواطن والأسرة المصرية. ومع تباين الآراء حول التحول إلى الدعم النقدي أو الإبقاء على الدعم العيني، يبقى الهدف الأسمى هو ضمان وصول الدعم لمستحقيه وتحقيق الأفضل للجميع.
في خضم التحوّلات التي تشهدها منظومة الدعم العيني، تُبرز الآفاق الجديدة أهمية التحويل إلى الدعم النقدي كخطوة نوعية لتحقيق العدالة الاجتماعية، فالمنظومة الحالية تقيد المواطن بمنافذ بعينها، مما يحد من خياراته ويُلزمه بشراء سلع قد لا تواكب تطلعاته أو تلبي احتياجاته. أما الدعم النقدي، فهو يمنح المواطن حرية الاختيار والقدرة على اقتناء ما يناسبه من السلع والمنتجات، من منافذ متعددة، بما يحقق كرامته ويُشبع احتياجاته.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ فالدعم النقدي يُعد أداةً فعّالةً لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، وذلك من خلال تنقية البطاقات التموينية وحذف غير المستحقين، مع إدراج الفئات الأكثر احتياجًا دون المساس بحقوقهم. وبالتوازي، تُؤمّن الجهات المعنية مخزونًا استراتيجيًا من السلع الأساسية، للحفاظ على استقرار الأسواق وضبط الأسعار، لتظل حقوق المستهلك مصونة في وجه أي تلاعب أو استغلال.
ومع هذه التحولات، تتعزز جهود الرقابة لتكثيف الحملات على الأسواق، والتأكد من جودة السلع والتزام التجار بالأسعار المعلنة. إنها خطوات مدروسة تمضي نحو تحقيق توازن بين كفاءة الأداء الاقتصادي وعدالة التوزيع الاجتماعي، في صورة جديدة تُكرس حقوق المواطن وتلبي احتياجاته بكرامة واحترام.
فوائد التحول إلى الدعم النقدي
تكتسب فكرة التحول إلى الدعم النقدي بدلًا من الدعم العيني أهمية كبيرة، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لوزير التموين والتجارة الداخلية، الدكتور شريف فاروق، أمام مجلس النواب، حول دراسة وزارة التموين لآليات التحول الكامل أو المشروط إلى الدعم النقدي، ولعل أبرز ما يميز هذا التحول هو تلك الفوائد المتعددة التي يمكن أن تسهم في تحسين حياة المواطنين وتعزيز العدالة الاجتماعية.
وبحسب خبراء في الاقتصاد فإن أول فائدة من الدعم النقدي هو تقليل فرص الفساد، إذ أنَّ الدعم النقدي يتيح تحويل الأموال بشكل مباشر، مما يقلل من فرص الفساد المرتبطة بتوزيع السلع، وبذلك، يصبح المواطن أكثر عدالة في الحصول على ما يستحقه.
أما ثاني فوائد الدعم النقدي فهو توجيه المساعدات إلى الفئات المستحقة، وتضمن الدولة بذلك أن المساعدات تصل مباشرة إلى الفئات المستحقة، مما يساهم في تقليل الفساد والتسرب الذي يعاني منه النظام العيني.
وتجيء الفائدة الثالثة في أن الدعم النقدي يتيح للمواطنين حرية الاختيار في شراء السلع التي تناسب احتياجاتهم الخاصة، دون أن تفرض عليهم الدولة سلعًا بعينها، ومن الفائدة الثالثة تأتي فائدة رابعة متمثلة في تحسين مستوى المعيشة وجودة الحياة للمواطنين، مما ينعكس إيجابيًا على مستوى الخدمات والمعيشة اليومية.
وتستفيد خزينة الدولة من الدعم النقدي في فائدة خامسة، حيث يعزز الاستقرار المالي للدولة، وتقليل الأعباء المالية على الدولة، من خلال توجيه الموارد بشكل أكثر فعالية.
والفائدة السادسة تتمثل في توزيع المساعدات بطريقة أكثر عدالة، حيث يُمكّن الأسر الأكثر احتياجًا من استخدام الدعم بما يتناسب مع حاجاتهم الأساسية، سواء كانت غذاءً، أو سكنًا، أو خدمات صحية.
أما الفائدة السابعة فهو رفع كفاءة منظومة الدعم من خلال تخصيص الموارد بشكل دقيق، يضمن الدعم النقدي تحسين كفاءة النظام، ويمنح الحكومة القدرة على توجيه الأموال في المسار الأنسب.
وتأتي الفائدة الثامنة في تحفيز الاقتصاد المحلي، إذ يُعتبر الدعم النقدي أداة فاعلة لتحفيز الاقتصاد الوطني، حيث يشجع المواطنين على الإنفاق، مما يعزز الاستهلاك الداخلي ويساهم في تنشيط عجلة النمو الاقتصادي.
الكاتب
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال