دمشق.. بين تأسيس معاوية وانتصار الجولاني
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
بمتابعة الأحداث التاريخية في المنطقة على مدار خمستاشر قرن يتضح إن تأثير “دمشق” أكبر وأهم من تأثير “مكة” و”المدينة” و”القاهرة” و”الأستانة”، إن كان على مستوى السياسة أو حتى الدين.
فهل الأمر صدفة؟ ولا جميع الناطقين بالعربية لسه عايشين في ظِّل “الدولة الأموية”؟
كلمة السر.. “دمشق”
بمتابعة الوضع الراهن في سورية لا يمكن إغفال العمق التاريخ العروبي/الإسلامي لكل حاجة بتحصل هناك، فالفصائل المسلحة، المعروفة إعلاميًا “بالمعارضة السورية” والمدعومة من الدولة التركية، ماتمش إعلان انتصارها رسميًا إلا مع سيطرتها على “دمشق”.
وبيتزعم الفصائل “أحمد الشرع” قائد “هيئة تحرير الشام”، اللي كان اسمه أحمد الجولاني أيام “الهيئة” ما كان اسمها “جبهة تحرير النصرة”؛ ومعروفة كتنظيم إسلامي سُني تحلف مع “القاعدة” شوية و”داعش” شوية.
رغم إن عمليًا، وعلى مدار أكتر من خمس سنين، سورية متقسمة داخليًا 3 مناطق سلطة كان “الجولاني” يحكم أكبرها من حيث عدد السكان. ممكن يتصور البعض إن مصدر الأهمية راجع لكونها العاصمة الرسمية للبلاد.
لكن ده مش حقيقي؛ في السودان مثلا “الدعم السريع” سيطر ع “الخرطوم” لفترة.. فالجيش الرسمي أعلن نقل العاصمة إلى مدينة “بورتسودان”، ولسه بيحكم من هناك لحد دلوقتي، فنظريًا “بشار الأسد” كان ينفع ياخد عصابة الكبتاجون ويروح “اللاذقية” يعلنها عاصمة.
الثوار يعثرون على أحد أكبر مصانع الكبتاغون التابعة لماهر الأسد. والذي أغرق الدول العربية بالمخدرات… pic.twitter.com/uGk5I0adXO
— رؤى لدراسات الحرب (@Roaastudies) December 11, 2024
لكن في الواقع “دمشق” في ذاتها شايلة حمولة تاريخية سياسية أعمق بكتير من كونها عاصمة دولة. لإن لو رجعنا بالتاريخ خطوتين؛ هنلاقي إن “الثورة العربية الكبرى” (1916 – 1920) ورغم إنطلاقها من “مكة” وتحريرها لكافة أراضي الحجاز وصولًا إلى “العقبة”.. برضك ما أعلنتش انتصارها إلا من قلب “دمشق”.
دولة عربية؟ ولا خلافة عربية؟
التمرد العربي المسلح ضد الخلافة العثمانية (بدعم بريطاني)، والمعروف باسم “الثورة العربية الكبرى”، كان هدف وطموح قياداتها في البداية هو “إستعادة” الخلافة الإسلامية بقيادة عربية قرشية، ومن السهل الاستدلال على ده من كذا اتجاه أو اختيار: القيادة – ألوان العلم – العاصمة.
طب إيه علاقة استعادة أو إحياء الخلافة الإسلامية بقيادة قرشية بمدينة “دمشق”؟
وهل ده له علاقة بإن “أحمد الشرع/الجولاني” ساب القيادة العامة للجيش السوري والقصور الرئاسية وكل ميادين البلد وحتى مبنى الإذاعة والتليفزيون.. واختار يلقى خطابه الأول من ساحة “الجامع الأموي”؟
القيادة:
القيادة المركزية للثورة العربية (1916-1920) كانت أسرية جدًا، الشريف/ حسين بن علي الهاشمي (1853-1931).. زعيم الثورة وملك العرب. الأمير/ فيصل بن الحسين بن علي، أول ملك عربي لسورية ثم العراق بعد الثورة، الأمير/ عبد الله بن الحسين بن علي ملك الأردن لاحقًا، الأمير/ علي بن الحسين ملك الحجاز.
ومصدر الشرعية في استحقاق الأسرة دي تحديدًا للسلطة يرجع لكونهم قرشيين هاشميين… يعني من الأشراف، أو زي ما سبق شرحت هنا بالتفصيل إنهم من سلالة النبي.
ألوان العلم:
طبقًا لموقع التراث الملكي الأردني فدلالات ألوان راية الثورة العربية الكبرى هي:
الأسود: راية العقاب، وهي راية الرسول محمد وقد اتخذه العباسيون شعارًا لهم.
الأخضر: هو الشعار الذي اشتُهر به آل البيت عليهم السلام. وقد اتخذه الفاطميون شعارًا لهم.
الأبيض: اتخذه الأمويون شعارًا لهم.
الأحمر (العنّابي): هو شعار الهاشميين منذ عهد جدِّهم الشريف/ أبي نُمّي.
العاصمة دمشق:
اختيار قادة “الثورة العربية الكبرى” لـ “دمشق” كمنبر لإعلان انتصارهم على الدولة العثمانية؛ هل هو راخر مجرد صدفة أقدم؟ ولا “دمشق” ليها في تاريخ دولة الخلافة الإسلامية رمزية مهمة للدرجة دي؟
المعلوم عن “دمشق” إنها أول مدينة كبرى ينتزعها العرب/المسلمين من سيطرة الروم سنة 635م؛ وكعادة التاريخ العربي/الإسلامي مافيش رواية واضح وقاطعة لكيفية دخولهم للمدينة وإخضاعها لسيطرتهم.
لكن المتفق عليه إن “أخذ الصحابة نصف الكنيسة العظمى التي كانت بدمشق، وتعرف بكنيسة يوحنا، فاتخذوا الجانب الشرقي منها مسجدا، وأبقوا لهم النصف الغربي كنيسة، وقد أبقوا لهم مع ذلك أربع عشرة كنيسة أخرى مع نصف الكنيسة المعروفة بيوحنا، والتي هي جامع دمشق اليوم” (البداية والنهاية – ابن كثير).
باختصار دمشق هي أول مدينة مركزية تابعة للدولة الرومانية يستولى العرب عليها وأول كنيسة يقدروا يحولوا جزء منها لجامع؛ صحيح الكنيسة نفسها كانت معبد لديانات أقدم.. بس المهم دلالة انتصار دين العرب على دين الروم.
شهد الجامع الأموي ومعاه دمشق على أهم لحظات تألق وانكسار وانقسام إمبراطورية العرب/الإسلامية، بداية من كسر معاوية لسلطة الحجاز (منبع العرب ونقطة انطلاقهم) رغم وجود “مكة والمدينة”، مرورًا بتأسيس دولة بني أمية (662 – 750م)، وصولًا لاجتياح “العباسيين” ليها وقتلهم وتعذيبهم للأمويين الأحياء ونبش قبور رموزهم الأموات.
محطات من تاريخ دمشق
من دمشق خرجت جيوش “معاوية بن أبي سُفيان” وانتصرت على جيش “علي بن أبي طالب” ثم عياله الإتنين “الحسن والحسين”.
وفيها نجح معاوية في تأسيس “دولة” على طراز زمنه؛ عبارة عن حكم إمبراطورية يحكمها عرش يورث؛ فكان أول حاكم عربي مسلم يورث الحكم لإبنه، “اليزيد بن معاوية”.
ثم بعده خرجت من “دمشق” جيوش ابنه “اليزيد” بقيادة “الحجاج الثقفي” عشان تقضي تمامًا على أي سلطة لمكة أو المدينة، بعد استباحة المدينة في موقعة الحرة.
ثم هد جيش الأموين الكعبة على دماغ “عبد الله بن الزُبير” (ابن الزُبير بن العوام من أسماء بنت أبو بكر).. وصَلَبُه الحجاج الثقفي بالمقلوب في وسط مكة.
فيها تم تقسيم القرآن لأجزاء وأحزاب على أيد الحجاج الثقفي، وفيها توحيد قراءته عبر تنقيطه عن طريق أبو الأسود الدؤلي، وفيها تبنت الدولة جمع الأحاديث في أول وأهم خطوات تشكيل “الدين الموازي“.
وفيها كُتِبَت نهاية “دولة الأمويين” بسيوف “بني العباس”؛ عشان زي ما شهدت سطوتهم ومُلكهم تشهد كمان على هزيمتهم؛ على سجنهم وتعذيبهم وهروبهم ونكرانهم لأساميهم ونسبهم.. تشهد نبش قبورهم وجلد جثثهم.
حتى “صلاح الدين الأيوبي” (1138-1193م) بعد ما أسس دولته وتاريخه كله في مصر، نقل عرشه واستقر في “دمشق” واندفن فيها.
شهدت تطور وانتشار فكرة “القومية العربية” بشكلها الحديث في القرن اللي فات، ومنها أعلن العرب قيام دولتهم بعد الحرب العالمية، وعليها حاول عبناصر أن يسيطر وحذف اسم “مصر” على أمل يحقق حلمه بقيادة القوميين العرب.
ختاما
في ضوء كل ده لما نبص لـ”هيئة تحرير الشام” ورايتها البيضا زي راية الأمويين.. وإعلانها نصرها على نظام بشار “العلوي” بعد دخولها “دمشق”.. ومن قلب “الجامع الأموي”، ثم مشهد الهجوم على قبر “حافظ الأسد” وحرقه؛ هل ممكن تكون المعطيات دي كله مجرد صُدف؟ ولا فيه كلام تاني؟
المصادر:
1– تاريخ الثورة العربية الكبرى “أمين سعيد”.
2- الثورة العربية الكبرى “محمد إبراهيم الكيلاني”.
3- موسوعة تاريخ العرب الحديث “د. علي محمد الكندي”.
4- المركز الوطني للوثائق والمحفوظات – الأردن.
5- مكتبة الملك فهد الوطنية – السعودية.
6- الكامل في التاريخ، ج 5، ص 83 ابن الأثير: ذكر قتل الخليفة مروان بن محمد في معركة الزاب (132 هـ/750 م).
7- البداية والنهاية، ج 10، ص 342، ذكر قتل أبو عبيده عامر بن عاصم الأموي.
8- ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 34، ص 221: ذكر تعذيب الأمير عبد الله بن عمر بن عبد العزيز
9- الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 7، ص 432: ذكر مصادرة أملاك الأمويين
10- ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج 8، ص 254: ذكر تدمير قبور الأمويين.
11- ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، ج 1، ص 206: ذكر هدم قبور الأمويين في البقيع المبارك.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال