همتك نعدل الكفة
52   مشاهدة  

نبيل الحلفاوي .. آخر ما تبقى من ذكريات الحياة الهادئة

نبيل الحلفاوي


بعيدًا عن الأضواء والكاميرات، والإعداد للتصوير، ستراه يجلس بهدوء يتناقش في الكرة، أو في الشأن العام، صحيح لن تراه يفعل ذلك على مقهى غالبًا ولكنه يفعله على تويتر، الغريب في الأمر أن نبيل الحلفاوي مرتبط معي دائمًا بالحياة الهادئة، والقدرة على الاستمتاع بالحياة، حينما كان أبسط الأشياء يسعدني.

بطل ليالي الانتصار

نبيل الحلفاوي كنت أراه يشبه الجار الذي يحتل الشرفة بعد العصر، بحفنة من الجرائد وكوب من الشاي يرشفه على مهل، كأن الوقت لا يمر عليه، أو كأنه كوب الشاي فيه سر خفي يبقيه دافئًا حتى تنتهي الجلسة، أراه على مقهى في بلد نائي يشجع الأهلي وفور المباراة يحللها أثناء لعبه للطاولة.

نبيل الحلفاوي

نعم يا عزيزي لقد رأيت الحلفاوي، رأيته في كل مظهر من مظاهر حياة انتهت لتطورات العصر، ربما لأنه دخل إلى قلوبنا من كاريزما مبهمة، جعلتنا دائمًا نهابه ونحترمه ونقدره، ولا نملك إلا أن نحبه، الحلفاوي الذي سطر تاريخه الفني عبر شاشة أقرب جهاز إلى قلوبنا في ذلك الوقت، التلفزيون، ارتبط مع جيلي بالتجمع كعائلة لمتابعة مسلسل، أو تجمع وقت الغداء حول فيلم، أو في ليالي نصر أكتوبر، الحلفاوي دون أن يدري أو يتعمد تحول ببساطة لأحد علامات الحياة الهادئة والدفء الأسري، ومصر ما قبل الألفية.

رحلة البحث عن رجل عادي

نبيل الحلفاوي كان بطلًا لواحدة من أطول رحلات البحث الفني التي قضيتها، عفريت لكل مواطن، سهرة في حلقة من برنامج تياترو، ثم عرض المسرحية بالكامل، كان مبهرًا أن أرى نديم قلب الأسد وهو يقدم كوميديا على المسرح، صغيرًا كنت ولكن لفت نظري قدرة هذا الرجل الخارقة في السيطرة على المسرح، وقتها كان مقص الرقيب أكثر رحمة، فمرت العديد من التلميحات والإفيهات السياسية، وجميعها كان تؤكد شيء واحد، إن كان لطبقتنا الوسطى مندوبًا ونقيبًا في عالم الفن، إن كان لرب الأسرة العادي صوتًا في مجال التمثيل، فهذا الرجل هو نبيل الحلفاوي.

نبيل الحلفاوي

عفريت لكل مواطن قضيت سنوات وسنوات أبحث عنها، بحثت عنها في محلات الفيديو، في سديهات المجلات، في القنوات الفضائية، في منتديات الإنترنت، في منصات العرض وقت ظهورها، لم أكل يومًا عن البحث عنها، ولكنني أبدا لم أصل إليها إلا قريبا، حينما اتيحت عبر قناة على اليوتيوب، ولكنني وجدتها مشوهة مبتور أغلبها، وافيهاتها مكممه، وكأنها يد امتدت لتكمم فم رب الأسرة، وكأننا نعاقب بأثر رجعي.

حصة فاضية

“ربما أكون قد حققت أقل مما أستحق، لكن بالتأكيد أكثر مما توقعت” على تويتر كتبها، ولكنه لم يعرف يومًا أن له أثر أكبر بكثير جدًا من أي شخص أخر، في رأيي أن أعظم ما يصل إليه فنان، أن يكون جزء من ثقافة ووجدان جمهوره، دعني أذكرك بشيء بسيط للغاية، إنت كنت من جيل الثمانينات والتسعينات بالتأكيد فعلتها أو رأيت من يفعلها، في أيام الدراسة كانت هناك حصص فارغة بسبب غياب المدرس، أو حصة ألعاب قرر المدرس أن نقضيها في الفصل بدلا من الحوش هل تذكر كيف كنا نقضي وقتنا.

نبيل الحلفاوي

كنا نخلع “لبيسة” القلم البيج أو الفرنساوي، ونأتي بقطعة من الطباشير الأبيض ونبدأ في الحفر في منتصفها، لنصنع ثقبًا بدقة وجدية متناهية مثلما رأيناه يفعل هذا الشيء في الطريق إلى إيلات، كنا نتقمص دور محمود قبطان ونتبارى فيما بيننا من الأسرع والأدق في تنفيذ التحدي، قبل أن نتلقى علقتين، الأولى من المدرس الذي يكتشف أننا أوغاد نهدر المال العام، والثانية من الأهل حينما نعود لهم مغبرين بعفار الطباشير كأننا حفنة من الفرانين الذين قضوا يومهم في نقل حصة الدقيق إلى المخبز.

إقرأ أيضا
خطورة المكملات الغذائية

كمن يطوي صفحة في جريدة

نبيل الحلفاوي كان تريندًا حتى قبل أن يصبح الكمبيوتر لكل طالب، وقبل أن تظهر وسائل التواصل الاجتماعي، كنا نذهب إلى البحر أطفالًا لنعيد تمثيل الطريق إلى إيلات بينما الماء بالكاد حتى وسطنًا، نقلد إشاراته وطريقته في الكلام، هذا الرجل كان معي طفلًا وصبيًا كان جزءً من حياتي الهادئة التي لم يبق منها شيء يذكر سوى بضع ذكريات هو بطل الكثير منها.

نبيل الحلفاوي

ومثلما رحلت تلك الحياة الهادئة رحل هو الآخر بهدوء يحسد عليه إن كان في الفراق ما يمكن ان يدعو للحسد، ببساطة من يطوي صفحة في الجريدة، أو من يرتشف كوبًا من الشاي، هكذا كما عاش في هدوء رحل في هدوء، وترك لي ولجيلي العديد من الذكريات خلقها بتأثيره فينا، والتفافنا حوله، واليوم أدرك أنني وجيلي كبرنا أكثر مما نظن.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان