كرة القدم والسياسة (4).. مونديال فرنسا 1938 قبلة سامة قبل الحرب!
“في جدول المباريات الرسمي ستصعد السويد إلى الدور التالي لعدم حضور المنتخب النمساوي”.. كانت تلك الإشارة التي ذكرها منظمو مونديال فرنسا 1938 ، لكن البيان الدبلوماسي المقتضب لم يشر من قريب أو بعيد إلى السبب المأسوي الذي عطل منتخب النمسا عن المشاركة في المونديال رغم تأهله على حساب لاتفيا.
نظر “هتلر” حوله ورأى أن حدود ألمانيا ليست بعيدة بما يكفي عن برلين، فقرر التوسع وضم النمسا، حرب عالمية جديدة تبدأ طريقها قبيل انطلاق النسخة الثالثة من كأس العالم، كانت أقل مأساة فيها هي عدم مشاركة النمسا في الحدث العالمي. ورغم ضم المنتخب الألماني سبعة لاعبين نمساويين من بينهم اثنين دعموا قائمة النمسا في المونديال السابق، إلا أن ألمانيا ودعت بطولة فرنسا من الدور الأول.
“موتسارت” المعارض
استدعى الجهاز الفني لمنتخب ألمانيا قائد منتخب النمسا “فالتر ناوش”، من اجل تمثيل “المانشافت” في مونديال فرنسا 1938، لكنه هرب إلى سويسرا كي لا يجبره النظام النازي على تطليق زوجته اليهودية.
“ماتياس زينديلار” أفضل لاعبي النمسا الملقب بـ”موتسارت كرة القدم”، المولود في مورافيا (التشيك حاليا) رفض كذلك خدمة نظام هتلر، حتى لو كان الثمن هو توقفه عن ممارسة كرة القدم، ويؤكد بعض المؤرخين أن اللاعب الذي اشتهر أيضا بلقب “الرجل الورقة” لطوله ونحافته، قد رفض تمثيل ألمانيا لأصوله اليهودية، لكن المؤرخ “لوثيانو بيرنيكي” رفض هذه المزاعم في كتابه “أغرب الحكايات في تاريخ المونديال” مؤكدا أن اللاعب ذو أصول كاثوليكية.
“زينديلار” ارتبط بالمجتمع اليهودي نتيجة دفاعه “المجاني” عنهم ضد النازية رغم كونه مسيحيا، وكان كريما في دفاعه بما يكفي، فقد وفر الحماية لعدد كبير من أصدقائه اليهود، ووصل الأمر به لشراء حانة من أحدهم حتى يمنع الألمان من مصادرتها.
في 22 يناير 1939 توفي “موتسارت” في ظروف غامضة، ووفقا للبيانات الرسمية، فقد توفي بجانب عشيقته الإيطالية “كاميلا كاستايولا” نتيجة حادث تسرب غاز في شقتهما بفيينا، لكن روايات أخرى عديدة منها ما أشار إلى فرضية هجوم نازي عليهما، ومنها ما تحدث عن اتفاق “الرجل الورقة” وعشيقته على الانتحار هربا من ملاحقة جهاز “إس إس” الوحشية.
جنازة “موتسارت كرة القدم” شارك بها 20 ألف شخص، وانهار نظام البريد في مقره الرئيسي بالنمسا بسبب العدد الهائل من تلغرافات التعزية التي وصلت من كل أنحاء أوروبا.
إسبانيا والكونجرس
لم تكن النمسا وحدها التي واجهت مأساة أجبرتها على الانسحاب من مونديال فرنسا 1938، فإسبانيا في ذلك الوقت كانت تعاني هي الأخرى من حرب أهلية ضروس. رغم ذلك سافر موفدان إلى باريس لحضور منافسات الكأس والمشاركة في كونجرس فيفا، لكن كل منهما شارك بصفته ممثلا لأحد طرفي النزاع الأهلي!.
نهائي البطولة شهد فوز إيطاليا على المجر بأربعة أهداف مقابل هدفين. لتصبح المرة الأولى التي يخسر فيها منتخب البلد المنظم اللقب، وكذا تصبح المرة الأولى التي ينجح فيها حامل اللقب في الحفاظ على لقبه. “يبدو أن موسوليني ما زال قادرا على اللعب”.
موسوليني: 2
هتلر: 0
“قارة مش جدعة”
في 1936 اجتمعت لجنة “فيفا” في برلين على هامش دورة الألعاب الأولمبية لتحديد البلد المضيف لـ كأس العالم 1938، وكانت الأرجنتين البلد الوحيد الذي تقدم بطلب لاستضافة البطولة كممثل للأمريكيتين، وكانت الدولة الأمريكية الجنوبية تثق في اختيارها، بعد أن نظمت أوروبا النسخة السابقة. على الرغم من هذا صوت الأوروبيون لصالح فرنسا لاعتبارات سياسية، من بينها تكريم رئيس فيفا “جول ريميه”، وكذلك لبعد المسافة بين أوروبا و”بيونس آيرس”.
الأرجنتين قررت الانسحاب من المشاركة في البطولة احتجاجا على نتيجة التصويت، وحاولت إقناع الدول الأمريكية في الانضمام إليها، وبالفعل سحبت أوروجواي والولايات المتحدة والمكسيك والسلفادور وكولومبيا وكوستاريكا وسورينام ملفات مشاركاتها، لكن المقاطعة لم تشهد نجاحا تاما بعد أن تجاهلت البرازيل وكوبا تلك الدعوة وأرسلتا بعثتيهما إلى باريس.
ضد التحية
قبيل البطولة، تلقى “فيفا” شكاوى كثيرة من المنتخبات التي شاركت في مونديال 1934 وأجبرت في حفل الافتتاح وقبل كل مباراة على تأدية التحية الرومانية، التي يستخدمها الفاشيون والنازيون. وسمح الاتحاد الدولي لكل منتخب باستخدام الطريقة التي يراها مناسبة لتحية الجماهير والسلطات وذلك “تجنبا لأي حوادث قد تتسبب في حساسيات ما أو جرح الاعتزاز الوطني”.
وفي مباراة الافتتاح أدى الألمان التحية النازية فيما وقف لاعبو سويسرا بثبات وأذرعهم ممدودة بمحاذاة أجسادهم، أما حاملو اللقب فرفعوا أذرعهم قبل كل مباراة لهم، لكنهم كانوا حذرين ولم يرتدوا شارة الفاشية السوداء ولم يوجههوا تحية موسوليني في المباراة النهائية حيث كانت مدرجات ملعب كولومب الأولمبي ممتلئة بإيطاليين منفيين كانوا ربما ينقضون عليهم لو قاموا بهذا الفعل.
لا تذهبوا بعيدا
قبيل انطلاق البطولة، والعالم على مشارف الحرب العالمية الثانية، طلب الاتحاد الفرنسي لكرة القدم من وزارة الخارجية التدخل لدى ألمانيا للسماح لجماهير “المانشافت” بالسفر إلى فرنسا لحضور مواجهة سويسرا الافتتاحية، لكن طلب الفرنسيين قوبل بالرفض في ظل منع نظام هتلر لأي مجموعات يتخطى عددها 30 ألمانيا بالابتعاد عن الحدود أكثر من 200 كيلومترا. ونتيجة ذلك ألغى 10 آلاف ألماني حجوزات تذاكرهم، ليخوض المنتخب الألماني المباراة دون دعم جماهيري.
لم تنفصل أبدا كرة القدم عن السياسة، وتأثر تاريخها بأفعال السياسيين، والقصص لم ولن تنته، لذا فنحن مجبرون على كتابة سطور جديدة لاحقا، فتابعونا.