252 مشاهدة
ألبوم نانسي 11 : بين التنوع الآمن و رهان الاستمرارية

-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
لا يزال صيف هذا العام يحمل في جعبته العديد من المفاجآت الفنية، حيث تشهد الساحة الموسيقية منافسة قوية بين كبار النجوم بإصدار ألبومات كاملة في ظاهرة لم تتكرر منذ فترة طويلة، في هذا الصدد أطلقت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم ألبومها الجديد “نانسي 11” تُعيد هذه الموجة من الإصدارات الغنائية إحياء روح المنافسة الفنية التي طالما ميزت عالم الموسيقى. يُعتبر هذا التتابع في طرح الألبومات مؤشراً على حيوية المشهد الفني هذا العام.
ما يميز مسيرة نانسي عجرم هو تسمية ألبوماتها بأسمها متبوعًا برقم الألبوم مثل نانسي 11 ونانسي 10 وليس بأسم أغنية فيه كما هو شائع في أغلب الإصدارت الموسيقية، هذه السمة ليست مجرد رصد أو ترقيم لألبوماتها بل تعكس تحول نانسي عجرم إلى علامة تجارية بحد ذاتها حيث يشير الرقم إلى تطور المنتج الفني مع الحفاظ على الهوية الأساسية، ويعزز من فكرة أن كل ألبوم هو تحديث لمنتج “نانسي” لا انقطاع عنه وأنها تبيع باسمها وتتجاوز فكرة الاعتماد على اسم الأغنية لتسويق الألبوم.
ألبوم “نانسي 11” احتوى على 11 أغنية تنوعت ما بين اللهجة اللبنانية والمصرية التي استحوذت على سبع أغنيات منه، شهد الألبوم تعاونات لافتة فإلي جانب الأسماء البارزة في مسيرتها الفنية مثل الموزع طارق مدكور والملحن وليد سعد وتظهر معها أسماء جديدة لأول مرة مثل الشاعر مصطفى حدوته الذي أصبح اسمًا ثابتًا في ألبومات كبار النجوم هذه الأيام، بالإضافة إلى الشاعر عليم صاحب أنجح أغنيات العام الماضي “هيجيلي موجوع”.
هذا التعاون مع حدوته وعليم تحديدًا يعكس ظاهرة ثابتة وراسخة في المشهد الغنائي العربي والمصري بالذات ، حيث يميل النجوم إلى التعاون مع صناع الأغنية بعد أن يحققوا نجاحات بارزة مع فنانين آخرين بغض النظر عن حجم موهبتهم، وتكشف أن السوق الغنائي يفضل الاعتماد على الأسماء التي أثبتت نجاحها بالفعل مما يحد من فرص اكتشاف مواهب جديدة لذا نجد أن السوق الغنائي يسيطر عليه عدد محدود من الأسماء التي تتكرر في معظم الألبومات حتى لو لم تحقق نجاحات تالية ، بينما يظل الموهوبين الجدد مغيبين عن الساحة ما لم يأتي أحد ويعطيهم فرصة لإثبات جدارتهم.
عمومًا تلك إشكالية سوف نتحدث عنها لاحقًا والآن نستعرض تفاصيل الألبوم.
بدي قول بحبك
تفتتح نانسي الالبوم بأغنية باللهجة اللبنانية كتبها كريم عبده، الفكرة رومانسية قحة تدور في فكرة إظهار المشاعر القوية للحبيب أمام العالم كله بصياغة عفوية و بمفردات مباشرة جدًا وهي تسير وفق منطق اختيارات نانسي عجرم السابقة.
لحن بسيط على مقام الكرد دون أفكار قوية أو متشعبة حاول فيها كريم عبده التعبير عن مضمون الكلمات وأن كنت أرجح أن الكلمات كتبت على اللحن وليس العكس، توزيع الكسندر ماكسميان كان بسيطًا أيضًا عابه فقط استخدام ديسترشن الإلكتريك جيتار في جملة الفاصل والتي لم تتناسب مع أجواء الأغنية الرومانسية.
يا قلبو
يستخدم الشاعر مصطفى حدوته نفس أسلوبه التقليدي في الصياغة، وهو بناء الأغنية حول فكرة مركزية واحدة، ثم يقوم بكتابة كل المفردات التي تدور حولها في إسهاب وتكرار واضح لما يفعله في أغلب أغانيه، فكرة الأغنية بسيطة تدور حول وصف المحاولات التي يفعلها لجذب انتباه الحبيب وإظهار الحب والاهتمام وتعديد كل ما فعله وتكرار الشكوى من عدم استجابة الطرف الآخر “ضحك، دلع، غمز وكلام حلو،السهر والنظر والتلميح وتقديم الهدايا” وكلها تدور في نفس المعنى دون تطوير للفكرة مع تغيير فقط في سينيو الأغنية الذي يشرح الفكرة العامة للأغنية.
لحن حيوي من عطار على مقام النهاوند بجمل سريعة تناسبت مع تقطيعات جمل حدوتة وتوزيع إيقاعي من جلال الحمداوي مع جملة فاصل غير مستنسخة من أي جملة لحنية .

أنا تبعني
تدور كلمات تامر حسين حول محور واحد هو ألم الفراق والخيانة العاطفية ولوم وعتاب المحبوب والصدمة واليأس مما فعله، الصياغة شبه متماسكة مع بعض الشطرات التي كتبت خارج سياق الفكرة كنوع من الالتزام بالقافية فقط “وداع من غير سلام،طولت في الغياب” مع ختام لا علاقة له بفكرة الاغنية.
لحن تقليدي جدًا من وليد سعد يحمل بصمته الخاصة على مقامه المفضل “الكرد”مع توزيع شبه فارغ هارمونيًا من أمين نبيل افضل ما فيه هو جملة الفاصل الموسيقي.
غيرانين
كلمات نبيل خوري تدور حول فكرة الحب المستمر بين شخصين رغم غيرة الآخرين منهم ومحاولات التفريق بينهما، الصياغة بسيطة جدًا دون طرح مميز أو صورة مبتكرة،لحن نبيل خوري على مقام النهاوند بجمل رومانسية مغلفة بتوزيع مبهج من باسم رزق خصوصًا في جملة الفاصل الموسيقي
طراوة
كلمات عليم لعبت على توظيف مفردة “طراوة” في تجسيد الأجواء التي يضفيها المحبوب، وهو طبعا ما يثير تساؤلات حول مدى ملائمة هذا الوصف للإنسان عمومًا وأن كنا لن نحاول فلسفة الأمور وأن المقصود هو التأثير المعنوي، الصياغة في قالب شعري غير منتظم ويعتمد بشكل مكثف على التكرار اللفظي كوسيلة لضبط الإيقاع الشعري مع تقطيعات سريعه تتناسب مع أجواء الفكرة،لحن محمد يحيى إيقاعي مبهج على مقام الكرد مع توزيع لا يقل بهجة من جلال الحمداوي باستخدام المقسوم بحليات كاملة ومؤثرات فعالة دون إزعاج.
انسى
كلمات جيدة من سليم عساف عن أهمية وجود السند العاطفي في الحياة وأن الحب الحقيقي يكون مصدر إلهام وقوة لتحدي الصعاب، الصياغة متماسكة جدًا بمفردات شاعرية ومباشرة جسدت الفكرة ببراعة.
لحن على مقام الكرد مع مسحة من الحزن في بعض الجمل اللحنية توزيع قوي جدًا من باسم رزق في قالب الـ Slow Rock عيبه الوحيد هو جملة الفاصل غير المفهومة من الإلكتريك جيتار والتي بدت خارج السياق قليلًا.

سيدي يا سيدي
يواصل مصطفى حدوتة صياغة اغانيه بنفس طريقته المعتادة، فكرة محورية يكررها في المقاطع المتتالية مع اختلاف الوصف لكنه في النهاية يصب في شخص واحد، بدأ كل مقطع بنفس الكلمة وبنى عليه بقية المقطع، ما يميز الاغنية هو إيقاعها الشعري المميز الذي يثبت في الأذن سريعًا يتناسب مع الأغاني الـ Hits مع توظيف جيد للمفردات بتقطيعات سريعة.
لحن عطار على مقام البياتي الشرقي مكون من فكرتين واحدة في المقطع والثانية في السينيو، توزيع اعتمد على الإيقاع بشكل كبير من جلال الحمداوي مع استخدام الناي الشرقي في جملة الفاصل أعطاها مسحة شرقية.
لغة الحب
كلمات محمد رفاعي تتناول الحب من منظور الانثى بشكل نمطي جدًا حيث يصورها كأنها كائن غامض متناقض فيما يقوله وفيما يشعر به،وتعكس ثقافة قد تتردد فيها الفتاة في التعبير عن مشاعرها وهو أمر شائع في بعض المجتمعات الشرقية.
لحن ضعيف جدًا من وليد سعد على مقام النهاوند بدون خطة واضحة لا منه مال إلى التعبير عن الكلمات بشكل مباشر ولا جنح إلى التطريب وأن حاول توزيع أحمد عادل إصلاح كل ذلك بتوزيع دسم وجملة فاصل مميزة جدًا.
جاني بالليل
لا تعليق على كلمات تامر حسين السطحية جدًا ويبدو أن الكتابة السريعة على اللحن تجعله يهتم برص الجمل المقفاة دون النظر هل لها معنى أم لا ويظهر هذا بوضوح في سينيو الاغنية “اثر على نومي و مأثر ، اكتر على قلبي ومكتر في حلاوته يا عيني يا جمالو ارقوه يا جماعة يتبخر” على شاكلة المشهد الكوميدي “رقاصة وبترقص”
كالعادة ينقذ لحن عزيز الشافعي الكلمات المهترئة بلحن مبني بشكل جيد على مقام الكرد بجملة سينيو Catchy تلتصق بالأذن سريعًا مع توزيع يحمل بصمة المخضرم طارق مدكور من ناحية إيقاع المقسوم وجملة الفاصل المدمج فيها أكثر من اّلة موسيقية.
على علمي
كلمات جيلبرت أبي ناصيف تدور حول الغيرة والشك في العلاقة العاطفية من جانب الرجل الذي ينكر غيرته لكن تصرفاته تظهر العكس، الصياغة متماسكة جدًا بمعالجة جيدة لموضوع الغيرة اميز ما فيه المقطع الاخير “أنا لو بقعد وحدي بالبيت ما بستغرب عادي تغار من الحيط”
لحن رائع ومحير جدًا من ريان برجي على مقام العجم يجنح في ركوزه إلى مقام الكرد بجمل شديدة التماهي مع الكلمات، توزيع باسم رزق منح صوت نانسي مساحة جيدة وجملة فاصل رشيقة وانهاه بشكل رائع جدًا على إيقاع المقسوم مع مساحة ارتجال بسيطة إليكتريك جيتار.
انا هفضل اغنى
يحاول تامر حسين تقمص شخصية أيمن بهجت قمر صانع أنجح أغنيات نانسي عجرم من حيث الفكرة عن الحبيبة التي تنادي حبيبها بدلع وخفة مع حشر إفيهات بعضها ثقيل الظل “شاهد قبل الحذف” مع تكرار لنفس القوافي المستهلكة “جنبي ، قلبي، حد، بجد، حبيب القلب ، معلمني الحب” مع لحن رشيق جدًا من عزيز الشافعي على مقام الكرد وتوزيع أكثر رشاقة من المخضرم طارق مدكور.

ألبوم ضريبة البعد : هل نجحت أصالة في إرضاء الجميع
نانسي 11: بين التنوع الآمن و رهان الاستمرارية
على الرغم من التنوع الظاهري في ألبوم “نانسي 11” والتنقل بين اللهجتين المصرية واللبنانية، والتأرجح بين الإيقاعات خصوصًا الراقصة التي استحوذت على أغلب أغنيات الألبوم حتى يناسب أجواء الصيف وقت إصدار الألبوم، لكن بنظرة فاحصة سنجد ميل واضح للاستمرار في المساحات الاّمنة التي تتقنها نانسي، خطاب عاطفي مباشر وألحان أغلبها مألوف وإنتاج يكرس الهوية الفنية التي شكلت علامتها التجارية منذ بدايتها.
تلك الاختيارات قد تكون مجرد تكرار لما فعلته نانسي في ألبوماتها السابقة لكنها توضح استراتيجيتها في الحفاظ على الهوية في ظل مشهد غنائي لا يفضل المغامرات غير المحسوبة ولا توجد له قواعد واضحة للأغنية الناجحة، وعلى ذلك لم تغامر نانسي بعلاقتها مع المستمع بل تعطيه ما هو مألوف بالنسبة له أغنية “نانسي عجرم” بكل مقوماتها المعروفة.
لكن تظل المعضلة الأكبر في المستقبل هل يمكن للهوية الثابتة الصمود أمام تحولات الزمن وتحولات السوق الغنائي، وهل تعرف نانسي لعبتها جيدًا ألبوم نانسي 11 قد يثبت أن النجاة تكمن في البقاء في المساحة الاّمنة لكن هل سوف يكتب لها الاستمرار وهل الجمهور الذي يصفق اليوم هل سيصفق غدًا؟ الاجابة ليست في الألبوم الحالي بل فيما سوف تقدمه ناسي لاحقًا.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
ما هو انطباعك؟









