رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
129   مشاهدة  

بناء الأجيال ونهضة الأمم: ما بين شهادة الحياة وشهادة المدرسة

الشهادة الجامعية
  • د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي



في عالم تتسارع فيه الخطى نحو التقييم الرقمي والمقاييس الصارمة، يُطرح سؤال جوهري: أيُّ شهادة أصدق في الحكم على الإنسان؟ أهي شهادة المدرسة التي تمنحه أوراق التفوق، أم شهادة الحياة التي تُمنح في ميادين التجربة والكدح؟.هذا السؤال يبحث عن إجابة ، وتكمن الاجابة فيما يبدو من آثار على حياة الفرد وآماله نحو تحقيق آماله، وأحلامه

 شهادة المدرسة: ورق لا يكفي

منذ نعومة أظفارنا، يُقاس التقدم الفردي بدرجات تُرصد في كراسات وتُكلَّل بشهادات. لا شك أن المدرسة ضرورية، فهي التي تؤسس للمعرفة وتُهذِّب العقل، وتُعلِّم النظام والانضباط، إلا أن المتأمل للواقع يرى أن الشهادة الدراسية ليست معيارًا كافيًا للحكم على إنسان. فكم من متفوق دراسيًا أخفق في الحياة، وكم من متعثر دراسيًا أصبح ملهمًا للمجتمعات.

 شهادة الحياة: التجربة والصدق

يطالعنا أمير الشعر أحمد شوقي فى كتابه ” أسواق الذهب بقوله من يقول للناشىء أرشده الله ” إن شهادة المدرسة غير شهادة الحياة ” فالشهادة طرف السبب، وفاتحة الطلب، والجواز الى افطار العلم والأدب فليست الحياةُ في المدرسة، إنما المدرسةُ في الحياة… والناس لا يُمتحنون مرة واحدة، بل كل يوم، وكل ساعة.” فالحياة لا تمنح شهاداتها مجانًا، بل تمنحها لمن يثبت نفسه في ميدان الواقع، لا في حبر الورق.

هذا المعيار للحكم على الانسان ليس معيارا حديثا نتغنى به ، وأنما هو معيار أسسه عالم التجارب التى صاحبت المرء أينما حل وارتحل والتى نراها عندما يجد المرء ضالته فى تجربة مر بها آخرون ، فالطريق واحد والسائرون مختلفون ، فمن فطن تجاوز كل العقبات ، ومن أعرض وأخذته العزة بالاثم كُتب عليه أن يعيده .

 سوق العمل: المفاضلة بين الشهادة والملاءمة

في زمن تتغير فيه احتياجات سوق العمل بسرعة، أصبحت الشهادة الدراسية مجرد شرطٍ أولي لا يكفي وحده لضمان العمل أو النجاح فيه. فالوظيفة اليوم لا تُمنح بالدرجة فقط، بل تُمنح لمن يمتلك المهارة، والمرونة، والقدرة على التعلُّم المستمر. إن سوق العمل لا يسأل: “ما درجتك؟” بل يسأل: “ما الذي تُجيده؟ وما القيمة التي تضيفها؟”

وهنا يُعاد الاعتبار لشهادة الحياة، التي تزكّي الإنسان عبر الممارسة والخبرة، لا عبر الشهادات التى اجتازها ، والدرجات التى حصلها ” فالسوق، أيًّا كان نوعه، لا يُعلي من قيمة الورق ما لم يُدعَم بالبرهان العملي، فالحياة – كما السوق – تشتري “العمل النافع” لا “اللقب اللامع”.

الفرد بين الشهادتين:

الفرد هو محور هذه المعادلة. فبينما قد تُمنحه المدرسة لقب “الناجح”، قد تمنحه الحياة صفة “النافع”، والمدهش أن هذين اللقبين لا يتطابقان دائمًا فكم فى ناجح غير نافع ، وكم من نافع لم ينل حظا من نجاح مدرسي. والنجاح الحقيقي، ، ليس في عدد الألقاب العلمية التي يحملها الإنسان لا سيما ونحن نرى حتى الالقاب العلمية تشتري دونما أى تأثير على من يشتري والكل يبارك حتى من يمنح تلك الشهادات ، فالنجاح في أثره وصدقه وإرادته وقدرته على الصمود والتجديد.

النجاح الاجتماعي: الجسر الذي يذلل التحديات

من بين السبل التي تُعين الفرد على تجاوز عثرات الحياة، يبرز النجاح الاجتماعي كقوة خفية لا تُقاس بالأرقام، بل تُقاس بمدى قبول الفرد في محيطه، وتأثيره الإيجابي، وقدرته على بناء علاقات قائمة على الثقة والاحترام المتبادل. هذا النوع من النجاح يُعد في نظر الكثيرين مفتاحًا حقيقيًا للفرص، بل وقد يكون، في كثير من الأحيان، أقوى من الشهادة العلمية أو الخبرة التقنية، ومن يملك شبكة من العلاقات الداعمة، ويجيد التواصل، ويزرع القبول في بيئته، يستطيع أن يواجه الأزمات بثبات، وأن يجد من يمدّ له يد العون عند الحاجة.

“الناس أثمانهم بقدر ما يُحسنون إلى الناس.”فالنجاح لا يُقاس بالعزلة والإنجاز الفردي فقط، بل بمدى تأثير الفرد في مجتمعه ومشاركته الفاعلة فيه.

وليس ذلك دعوة للثورة على شهادة المدرسة والتقليل منها ومن قيمتها  ، وانما لتهذيبها ليكون الدارس صادقا مع نفسه ، وقدراته ، وما وهبه الله من ملكات ، حتى تكون دراسته نبراسا لطريقه للحياة ، وهاديا له ليحقق الغاية من علمه وهى خلق مواطن صالح وليوقظ وعينا لنفهم أن الشهادة الأهم ليست تلك التي نُعلِّقها على الجدران، بل تلك التي نُثبتها يومًا بعد يوم في مسرح الحياة..

إقرأ أيضا
شهادة

فلنُحسن الطلب في كلا السوقين: سوق العلم، وسوق التجربة، فقيمة المرء بقدر ما يحسنه حتى ننال شهادة الإنسان الكامل. فليس المطلوب من دارس الحقوق حصوله على شهادة تعلن اجتيازه تلك الدراسة ، وانما ليكون حاميا للقانون ، وراغبا فى العدالة ، لا حاويا يلعب على ثغراته.

وليس المطلوب من دارس الطب حصوله على شهادة دراسية تعلن أنه صار جاهزا لإجراء الفحوص  دونما مراعاه لقدراته ومواهبه ، وانما نحتاجه سفيرا للرحمة خبيرا بالداء والدواء  …… وكذا كل صنوف العلم

فالخلاصة أننا نحتاج في كل فن رواده،  وفى كل علم شيوخه ، نحتاج إلى علم يكون غاية لا سلعه ، وأداة بناء لا معول هدم . نحتاج إلى الخبراء ولا مجال لإنصاف العلماء فرحم الله والدي كان دائم النقل لمقولة عن الاستاذ الدكتور محمد على الصابوني صاحب المؤلف الشهير صفوة التفاسير قيلت  فى مجلس علم جمع بينهما قوله ” نصف طيب يفسد الأبدان ، ونصف عالم يفسد الأديان.”                                 

الكاتب

  • شهادة د. أحمد حسن عبد الهادي

    د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
3


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان