رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
117   مشاهدة  

#انقذوا_السودان.. عنوان لفشل متعدد الأوجه (الطبعة الشعبية)

#انقذوا_السودان
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



انتشر هاشتاج #انقذوا_السودان وكأنه صوت طالع من وسط الرماد، “انقذوا السودان” مش مجرد صرخة ع الإنترنت.. ده يعتبر شهادة وفاة للدولة السودانية.

بعد أكتر من سنتين في حرب مجنونة، السودانيين بيستغيثوا بالعالم عبر السوشيال ميديا بدل ما يتحاوروا مع دولتهم عبر القنوات الرسمية، ولما الفضاء الإلكتروني يبقى هو المكان الوحيد اللي المواطن يصرخ فيه على أمل أي حد يغيته، تبقى الدولة خلاص خرجت من الخدمة، أو بالسوداني “بره الشبكة”.

الهاشتاج ده اعتراف جماعي إن مفهوم “السيادة الوطنية” نفسه وقع من ع الكرسي، والشعب السوداني خلاص بطّل يطلب الإصلاح.. وبقى بيطلب النجدة.

الاستغاثة دي مش ضعف، دي نتيجة طبيعية لدولة اتبنت على قوالب الاستعمار واتورثت كأنها عمارة خربانة، الدولة دي ماتخلقتش عشان تحمي المواطن، إنما عشان تصدّر القطن والدهب للخواجة البريطاني، وطول ما هي ماشية بنفس الروح، هتفضل تسيب ملايين الناس للجوع والرصاص، زي اللي حصل في “الفاشر”.

تصحيح مفاهيم

الصراع في السودان مش خناقة بين “جيش وميليشيا”، ولا قصة شرعية ضد تمرُد زي ما بيتقال في الإعلام، دي تصفية حسابات بين نُخب ورثت نظام “الغنيمة” اللي بناه “البشير”، اللي أصلاً كان وشّ لمؤامرة إخوانية قادها حسن الترابي من الكواليس. الورثة بقى إتعلموا الدرس بسرعة وبدل ما يديروا الدولة لصالح البلد، مع هامش من الفساد زي أغلب دول العالم، خدوها من قصيرُه وبقوا وّكَلَا لقوى براها.

الجيش شايل تركة الإسلاميين والشركات اللي عاملة زي إقطاعيات، والدعم السريع ماسك تجارة الدهب وبيزنيس الحرب بالأُجرة في اليمن وليبيا وما يستجد معتمد على مرتزقة بيجمعهم من دول الجوار. يعني الصراع مش ع الكرسي.. إنما ع الحدود والدهب. السودان اللي كان زمان عمق استراتيجي بيوصل النيل بقلب أفريقيا، اتحوّل لمسرح دولي مفتوح.. الكل بيتخانق عليه، وكل طرف شايف فيه غنيمة.

واللي حاصل مش صدفة ولا مؤامرة طارئة، إنما نتيجة وراثة نظام استعماري ونخبوي فاشل، بيخلي أي “إنقاذ” جديد مجرد إعادة توزيع للكراسي على حساب البلد. زي نظام سمّى نفسه “الإنقاذ” وكان هو بداية الغرق.

YouTube player

دولة ما بعد الاستعمار

السودان من بدايتها دولة مرسوم بالمسطرة؛ المحتل الإنجليزي سنة 1899 رسم حدوده كأنه بيرسم مربع في كراسة هندسة، مافكرش بقى لا فقبيلة ولا لُغة ولا حتى جبل ممكن يقسم الناس. عمل كيان “نِيلي” ضيق في الخرطوم، شايف نفسه هو الوطن، والباقي أطراف. وفتح مدرسة سماها “جوردون باشا” يدرس فيها علوم الإدارة عشان تخرج له “صغار الموظفين” اللي محتاجهم في إدارة المستعمرة الواسعة.. وضم للمدرسة عيال القيادات القبلية الموجودة وقتها؛ عشان يتم تأسيس اللبنة الأولى لـ”النخبة السودانية” بشكل قبلي من ناحية وإنطلاقا من مفهوم النجاة الفردية عن طريق الإتواجد والترقي في “دولاب الدولة” من ناحية تانية، مفهوم تطوره سهل جدا ينتج صراع قبلي للهيمنة ع الدولة.

ومع الاستقلال، 1956، النُخب اللي استلمت خِوّنت بعض من أول لحظة والنتيجة حروب وانقسامات، فضلت شغالة نُص قرن وماخلصتش غير باستقلال الجنوب، 2011، ورغم النتيجة الكارثية ماحدش أهتم إن باقي الجسد لسه بينزف.

في دارفور الحكاية كانت بسيطة.. خلاف ع الموارد يتحل بالتنمية والدمج الثقافي، بس لما الدولة قررت ماتشوفش إلا “المركز”، الإسلامي المستعرب، الخلاف بقى مجزرة. فدخلت دارفور نفق مافهوش مجرد حرب، إنما عملية حذف لهوية الهامش لصالح هوية المركز.

إرث البشير وصراع الولاءات

الجيش السوداني مش مؤسسة عسكرية وطنية كلاسيكية، ده هو قلب العطب نفسه.. نواة مخوخة من جوّه، اتسمّمت بولاءات الإسلاميين من أيام “البشير” و”نظام الإنقاذ”.

الجيش اللي كان المفروض يحمي الدولة بقى منفذ لتوزيع للغنايم. تحت حكم البشير انتشر الإسلاميين في المؤسسة العسكرية، حولوا الجيش لشركات عائلية بتدير مصانع وتستحوذ على أراضي؛ “البرهان” و”الكباشي” وغيرهم ماكانوش جنرالات قد ما هما رجال أعمال لابسين كاكي. فتدريجيا الولاء ما بقاش للوطن.. إنما للجماعة وللمصالح.

لكن الجيش السوداني مش كتلة واحدة، لسه فيه كوادر فاكرة شرف الزي العسكري، وفيه اللي بيقاتل عشان يفضل الكرسي موجود. وفيه ظباط صغيرين بيحاربوا كأنهم آخر خيط في دولة بتتفكك، جيش المفروض يوحّد البلد بس هو نفسه منقسم ع الأقل فكريا، جيش عايز يطهر الشوارع من عناصر مليشيا هو اللي صنعها وهو في أمس الحاجة إنه يطهر نفسه من اختراقات الإسلاميين.

الدعم السريع.. قوة عابرة للقوميات

قوات الدعم السريع مش زرع شيطاني ولا اتولدت من الهوا، دي بنت التهميش الرسمي؛ الوحش اللي الدولة ربته بإيدها عشان يخوّف الناس، لما كبر.. قرر ياكلها.

في الأول كانت ميليشيا، مجموعة من القبائل العربية، بتشتغل لحساب الدولة في قمع التمردات في دارفور، بس من 2023، قررت تخوض حربها الخاصة؛ بقانونها.. بفلوسها.. والأهم دهبها اللي بقى وقود للحرب مش للزينة.

حميدتي، راعي الإبل القديم، بقى تاجر دهب، مسيطر على مناجم، زي جبل عامر من 2017، عن طريق شركة “الجنيد” بتاعة عيلته. الدهب يطلع من بطن الأرض يركب أول طيارة على دبي.. يرجع من هناك رصاص ودولارات حميدتي يجند بيها مقاتلين من تشاد وليبيا وغيرهم.

الميليشيا دي مابقتش سودانية خالصة، بقت جيش صغير عابر للحدود، مليان وجوه من كل لون ولسان، يتجمعوا تحت راية واحدة: الغنيمة.

الدولة اللي أنشأته عشان تسيطر، دلوقتي بتدفع التمن. إرث التهميش طلع وحش أكبر من اللي خالقه، ومافيش ضمان إنه هيقف عنده.

YouTube player

تآكل “الوطن” لصالح “الغنيمة”

المدنيين اللي عملوا ثورة ديسمبر عشان يخلّصوا بلدهم من كابوس، بقوا دلوقتي رهاين جواه، الناس اللي هتفت “حرية سلام وعدالة” بتدفع تمن حلمها دم في شوارع الخرطوم والفاشر.

القوى المدنية اللي المفروض تمثّل صوت الناس، اتقطّعت بين خيارين أسوء من بعض؛ يا تقف في صف الجيش اللي لسه ريحته إخوانية، يا تستنجد بالعالم اللي جاهز يعيد احتلال البلد بس بطريقة حديثة. الثورة اللي كانت صوت سامعه العالم اتحولت لصدى تايه بين رصاص البرهان وحميدتي. ولأنهم ماعرفوش يبنوا قيادة واحدة، بقوا وقود حرب مش بتاعتهم.

أما في دارفور، فالمأساة رجعت بأدوات أحدث، “الفاشر” اللي كانت رمز الصمود، بقت عنوان للانقراض، نفس الآلية القديمة شغّالة؛ عرق ضد عرق، قبيلة بتصفّي قبيلة، وكلمة السر “الغنيمة”.

تقارير الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش بتحكي عن مدابح ضد الزغاوة والفور، بس اللي على الأرض عارف أكتر: اللي بيموت دلوقتي مش أشخاص، دي ذاكرة بتحترق.

سودان جديد بيتشكل بس بلون واحد، ودارفور بترجع تتقص من خريطة الوطن حتة حتة.

YouTube player

مصر والسودان.. نهاية العمق الاستراتيجي

مصر دلوقتي واقفة قدام حدود مولّعة، حدود كانت زمان حبل سُرّة للحياة، وبقت دلوقتي فتحة نزيف. اللي بيحصل في السودان مش بعيد، ده بيهدد “العمق الاستراتيجي” اللي المصريين فاكرينه محصن بالمية والنيل والتاريخ.

التحالف اللي اتعمل بين حميدتي والحلو (تأسيس) مش مجرد ورقة سياسية، ده تغيير في الجغرافيا من غير ما الخرايط تتبدّل. تحالف بيحوّل “نيالا” من مدينة ملهوفة على الأمان لحكومة تانية، بترفع علمها وبتقسم الأرض كأنها دولة جوه الدولة.

اللي أخطر من كده إن التحالف ده بيخدم إثيوبيا من غير ما يقولوا كلمة، لإنه بيشلّ الجيش السوداني في الجنوب،

إقرأ أيضا
#انقذوا_السودان

يعني السودان اللي كان سِتر لمصر، اتحول لحاجز متآكل، واللي كان زمان “عمق استراتيجي” بقى دلوقتي “فراغ استراتيجي” بيتنفس منه كل خطر حوالينا.

تجارة النفوذ

السودان دلوقتي بقى ساحة مزاد مفتوح؛ اللي عنده نفوذ بيرمي بياضه، واللي عنده دهب بيكسب. كل قوة داخلة مش عشان تهدي النار.. لكن عشان تمد إيديها جوه الرماد وتلقط أي حاجة بتلمع.

الإمارات ماسكة طرف حميدتي.. بتشتري الدهب كأنها بتشتري مفاتيح الخرطوم، روسيا بتزحف من ناحية تانية، بتحلم بقاعدة على البحر الأحمر تديها منفذ جديد لجنوب الكوكب، إيران راجعة في الخبيني.. بتقايض دعمها للجيش بحتة أرض على سواحل البحر الأحمر، وتركيا واقفة في النُص.. لا معاهم ولا ضدهم، بس عاملة توازن يخليها تكسب من كل جبهة شوية.

وفي الآخر، مصر. الجار اللي مش ممكن ينام لو فيه حريقة في بيت جاره، ما بالك والنار تحت السرير. السودان اللي طول عمره ضهر مصر بقى مكشوف، والسيادة هناك مابقتش كلمة، بقت سلعة بتتباع بالجرام، زي الدهب.

YouTube player

اقرأ أيضًا الحكاية أسباب آسياوية للعركة الأفريقية

السودان كحالة عجز وجودي

#انقذوا_السودان مش مجرد هاشتاج ده نداء بلد بيغرق ومش لاقي مين يمد له إيده، مش لأن العالم مش سامع، لكن لأن كل اللي حواليه ماسكين الدفتر وبيحسبوا المكسب والخسارة.

السودان مش بينهار النهارده، السودان اتبنى واقع أصلاً؛ دولة اتولدت على ورق إنجليزي قديم، واترسمت حدودها بمسطرة استعمارية ماتعرفش شكل الدم ولا شكل الحلم.. تعرف بس تأمين واردات القطن والدهب.

ففضلت لحد النهارده في خناقة “مين فينا السودان الحقيقي؟”؛ الخرطوم ولا جوبا.. الخرطوم ولا كردفان.. الخرطوم ولا دارفور؟.. النيل ولا الصحراء؟.. المركز ولا الهامش.

انقذوا السودان
غلاف كتاب جدلية المركز والهامش

الجواب بسيط وقاسي في نفس الوقت، السودان الحقيقي هو اللي في النص، اللي محدش شايفه، وكتاب “جدلية المركز والهامش” مش دراسة سياسية، ده مرثية، مكتوبة قبل ما الموت بسنين من مُثقف واعي شاف جذور الأزمة وحللها وقدم التحليل والحل.. بس الدولة الإخوانية بقيادة البشير كانت مغمضة ودانها، الدولة اللي كوادرها النهارده شبه مسيطرين تماما على المؤسسة العسكرية.. أخر عمود شبه قايم في الدولة السودانية.

بلد اتقسم أول مرة بخريطة واتقسم تاني مرة بالدهب والسلاح بيتقسم دلوقتي بالصمت، السودان مش ضحية جغرافيا، ده ضحية فكرة اسمها “الدولة” اتزرعت فيه بالغلط.

بس رغم كل ده، فيه ناس لسه بتكتب #انقذوا_السودان، مش عشان التصحيح أو الإصلاح لكن عشان بس يعيشوا في دولة اسمها السودان، فالغريب إن رغم كل شيء السودان وطن متحقق في وجدان السودانيين ومتمسكين بوجوده أكتر من نخبهم.

الكاتب

  • #انقذوا_السودان رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان