سيرة موسيقار الأجيال (15) لماذا يستحق محمد عبدالوهاب لقب منشئ الأغنية السينمائية

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الخامسة عشر من قصة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ونستكمل في هذه الحلقة المرحلة السينمائية في حياة محمد عبد الوهاب، كنا قد توقفنا في اللقاء السابق عند تساؤل في غاية الأهمية، وهو لماذا يعتبر محمد عبد الوهاب المنشيء الأول للأغنية السينمائية على الرغم من أن الشيخ زكريا أحمد كان صاحب ألحان أول فيلم غنائي مصري ” أنشودة الفؤاد” سنة 1932م.

اقرأ أيضًا 
حلقات سلسلة موسيقار الأجيال

ولكن قبل أن نجيب على هذا التساؤل نستعرض سويا أفلام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ابتداء من 1933 وحتى 1946م بما جاء فيها من أغاني سينمائية سجلت فيما بعد على اسطوانات تجارية بذات اللحن ولكن بأداء مختلف كي يتسنى للقاريء حين إبداء أسباب اعتبار عبد الوهاب منشيء الأغنية السينمائية الرجوع إليها والاستماع لها.

أفلام محمد عبد الوهاب والأغاني التي جاءت فيها:
1/ فيلم الوردة البيضاء 1933م

وجاء فيه، يا وردة الحب الصافي، جفنه علم الغزل، موال سبع سواقي، ناداني قلبي إليك، يا لوعتي يا شقاي، النيل نجاشي، ياللي شجاك الأنين، ضحيت غرامي عشان هناكي.

2/ فيلم دموع الحب 1935م

كروان حيران” ياللي بتنادي أليفك “، ديالوج ما أحلى الحبيب بين المية وبين الأغصان مع نجاة علي، نشيد تحية العلم” أيها الخفاق”، موال الجهاركاه في البحر لم فتكم، سهرت منه الليالي والتي ابتدأها بالتانجو، ديالوج صعبت عليك، أيها الراقدون تحت التراب.

3/ فيلم يحيا الحب 1938م

وهو أول عهدي بمحمد أفندي عبد الوهاب وسبب تعلقي به وبفنه وجاء فيه: أحب عيشة الحرية، يا وابور قل رايح على فين، لحن البرتقال الذي غنته رئيسة عفيفي”ياللي زرعتوا البرتقان”، ديالوج طال انتظاري مع ليلي مراد، عندما يأتي المساء، يا دنيا يا غرامي، الظلم ده كان ليه، ديالوج يادي النعيم اللي انت فيه يا قلبي مع ليلي مراد، ويلاحظ في هذا الفيلم بالتحديد أن محمد عبد الوهاب قد واصل مسار تطوير التأليف الذي يقترب من التعبير أكثر من اقترابه للتطريب، مما أبرز بشكل كبير العنصر الدرامي الذي تتطلبه الأفلام السينمائية، لذلك ارتقى التوزيع الأوركسترالي ارتقاءا كبيرا في هذا الفيلم كما يقول النقاد والمحللين.

4/ فيلم يوم سعيد 1939م

وجاء فيه، طول عمري عايش لوحدي، إيه انكتب لي، أوبريت قيس وليلى، يا ناسية وعدي، يا ورد مين يشتريك وللحبيب يهديك، الصبا والجمال واستخدم فيها البيانو، محلاها عيشة الفلاح متطمن قلبه ومرتاح، إجري إجري، وقد غنت أسمهان في هذا الفيم دون أن تظهر في أغنيتين: محلاها عيشة الفلاح وأوبريت قيس وليلي.

5/ فيلم ممنوع الحب 1942م

وجاء فيه، بلاش تبوسني في عنيا، هليت يا ربيع، يا مسافر وحدك وفايتني، هايحبني واشغل قلبه وقد غنتها رجاء عبده، ياللي نويت تشغلني، ردي عليا، ما كانش عالبال، ديالوج يالي فت المال والجاه مع رجاء عبده، وكذلك ديالوج اوعى تقول ممنوع الحب.

6/ فيلم رصاصة في القلب 1944م

وجاء فيه إنسى الدنيا، ديالوج حكيم عيون، مشغول بغيري، المية تروي العطشان، أحبه مهما أشوف منه، لست أدري، ديالوج هاقول لك ايه عن أحوالي، حنانك بي يا ربي، يا جلاس، يقول الدكتور فيكتور سحاب عن هذا الفيلم: في هذا الفيلم أغنيات جميلة وعلى الخصوص أغنية مشغول بغيري التي تتفوق في فئة ما كان يسمى بالأغنية الخفيفة، وفيه أشهر محاورة سينمائية “حكيم عيون” محكمة السبك، وفيه أيضا أغنية ذات أبعاد فلسفية عميقة أحدثت فتحا في الأغنية العربية بطرقها باب الموسيقى التأملية وهي أغنية لست ادري.

7/ فيلم لست ملاكا سنة 1946م

وجاء فيه: مهرجان القمح، أنا اللي طول عمري ما حبيت، ما تقول لي مالك محتار وتغنيها نور الهدى، ديالوج اضحكي وغني، عمري ما هانسى يوم الاثنين، شبكوني ونسيوني وتبدأ غنائها المطربة نور الهدى ويكملها الأستاذ محمد عبد الوهاب، قصيدة الخطايا، هاتشوفي إيه بقى يا عيوني، محاورة كنت فين تايه وغايب، وفي هذا الفيلم استعاد محمد عبد الوهاب تفوقه بمهرجان القمح في توزيع متطور وغناء جماعي تحدثنا عنه في لفته قصيرة من قبل، أما قصيدة الخطايا ففتحت آفاقا فلسفية تأملية واسعة، ووجدت أعماقا جديدة في التعبير الموسيقي الدرامي الذي لا يقارن.
وفي فيلم غزل البنات الذي ظهر فيه محمد عبد الوهاب وهو يغني عاشق الروح لحن فيه أكثر من أغنية مثل اتمختري يا خيل، أبجد هوز، الدنيا غنوة، الحب جميل، عيني بترف وغنتها ليلى مراد مع نجيب الريحاني في شكل ديالوج.

وبعد بيان تلك الأفلام بالأغاني التي جاءت فيها نعود إلى الإجابة على التساؤل المثار في أول الحلقة، وهو لماذا يعتبر عبد الوهاب هو منشيء الأغنية السينمائية رغم تجربة الشيخ زكريا أحمد التي سبقه فيها، وفي هذا الصدد نقول أن ما لحنه الشيخ زكريا من أغنيات في فيلم انشودة الفؤاد إنما جاء بشكل تقليدي لا يتماشى مع الطبيعة التي يجب أن تكون عليها الأغنية السينمائية التي ترتبط بالتعبير الذي يتفق مع طبيعة السياق الدرامي، لذلك كتبت مجلة الكواكب في عددها الصادر في مارس 1960م، شارحة أسباب إخفاق الفيلم الغنائي الأول أنشودة الفؤاد: الأغنية الشرقية لها قواعدها وتقاليدها التي رسخت في الأذهان منذ قرون ولا تقوى السنون على المساس بهذه القواعد أو الخروج على تلك التقاليد، ومن هذه التقاليد التخت والتكرار وبطء الأداء والتطريب، وما يتخلل ذلك من اللوازم التي يرددها التخت والترجمة التي يلاحق بها كل جملة، فضلا عن المقدمة الموسيقية التي تبدأ بها الأغنية “الدولاب” حتى تتسلطن النغمة في ذهن المطرب فيتهيأ للغناء، وهذه المراحل جميعها لا تتفق في شيء مع الفن السينمائي ولا يمكن أن تصلح للشاشة، ولا يطيقها أي متفرج مهما كانت هوايته لسماع الأغنية، وعلى هذا ظهرت المطربة على الشاشة لتغني كما لوكانت تغني مع التخت فتبدأ بهز رأسها هزات خفيفة حتى تنتهي المقدمة الموسيقية، ثم التمهيد للغناء وسلطنة النغمة وكل مرحلة من هذه المراحل يحتاج من دقيقتين إلى ثلاث لنجد في النهاية أن الاغنية يمكن أن تصل لثلث الساعة، لذلك تناقضت أغنيات الشيخ زكريا أحمد مع ايقاع الحركة السينمائية، بما جعل من فيلم الورد البيضاء الذي لحن أغنياته محمد عبد الوهاب يعتبر الفيلم الغنائي الأول بما يثبت لمحمد عبد الوهاب أنه منشيء الأغنية السينمائية التي تتفق مع سير الدراما السينمائية.

يقول الأستاذ جلال الشرقاوي عن فيلم الوردة البيضاء:

على الرغم من أن الإخراج كان بدائيا، وأن محمد عبد الوهاب لم يكن ممثلا ممتازا إلا أن الفيلم قد حاز نجاحا عظيما، ويضيف موضحا: في هذا الفيلم أدخل محمد كريم تعديلا جوهريا في تقديم الأغنية فلم يخضعها لتقاليد الأغنية الشرقية وإنما أخضعها لحرفة السينما فأقنع محمد عبد الوهاب بالاستغناء عن المقدمة الموسيقية، على أن اختفاء المقدمة الموسيقية لم يكن السمة الوحيدة للأغنية السينمائية إذ أن للاغنية السينمائية مهام أخرى غير مواكبة الايقاع الروائي، فقد أصبح غرض الأغنية الأول تعبيريا وهو ما برع فيه محمد عبد الوهاب وهو أمر شخصي لديه، وقد ذكرنا من قبل أن محمد عبد الوهاب انما برع في ميدان قالب المونولوج لذات السبب وهو ميله أكثر الي التعبير لا إلى التطريب.

أسس محمد عبد الوهاب عن طريق الأغنية السينمائية نزعة تعبيرية سار عليها الكثير من الموسيقيين ودفعت المخرجين والمنتجين إلى الاتجاه لتصوير روايات تواكب العصر وتظهر واقعات أشبه بما يجري في المجتمع الراقي ضمن سلم القيم التي كانت رائجة في ذلك الوقت، لذلك اذا تتبعنا نتاج محمد عبد الوهاب في الثمان أو التسع أفلام التي لحن فيها أغانية السينمائية سنجد أنه لحن قرابة السبعين أغنية سينمائية في ستة عشر سنة فقط أثرت بقوة في منحى هذا النوع من الأغنيات وهو ما يدفعني للقول بأن الشيخ زكريا أحمد وكذلك القصبجي بل ورياض السنباطي قد تأثروا جميعا بطريقة خلق محمد عبد الوهاب للأغنية السينمائية وحذوا حذوه في اخراجها بهذا الشكل مع أم كلثوم في أفلامها.

وفي نهاية هذه الحلقة نستطيع أن نقول أن محمد عبد الوهاب بالفعل هو منشيء الأغنية السينمائية بمعناها الذي نعرفه والذي ظهر في الأفلام القديمة التي لاقت نجاحا كبيرا ربما بسبب تلك الاغنيات، على أن نكمل مسيرة الموسيقار محمد عبد الوهاب في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.