أزمة سد النهضة وبيت خالتي بالعباسية
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يمر الوقت ولا يضع أحد نقطة فاصلة حول ازمة سد النهضة التي تتفاقم يوم بعد يوم، حتى وصل الأمر في الأخير إلى التلويح بالحلول العسكرية ودق طبول الحرب من الجانب الأثيوبي، والذي بالتباعية لن نقف أمامه مكتوفين الأيدي، ورغم أن فكرة بناء سد في إثيوبيا لم يرجع تاريخها إلى عام 2011 كما يحاول البعض ترويج هذه المعلومات الخاطئة، بل أبعد من ذلك بكثير، ولكنني هنا ليس بصدد الحديث عن السرد التاريخي لأزمة سد النهضة.
كانت تسكن خالتي التي تكبر أمي بثلاثة سنوات فقط في حي حدائق القبة، هذا الحي الذي مازال حتى اليوم ورغم الحالة البائسة التي وصلت لها الكثير من شوارعه، إلا انه مازال هوائه يختلف عن الكثير من المناطق والأحياء المصرية، فهذا الحي الذي يربط وسط منطقة وسط البلد (القاهرة الخديوية) بمصر الجديدة، جمع العديد من الديانات والطوائف والاجناس من حول العالم، وبسبب المسافة القليلة جدًا التي تفصل ما بين مقر الكاتدرائية المرقسية في العباسية، ومنطقة حدائق القبة، كانت وجوه الإثيوبيين بالنسبة لنا مألوفة جدًا بسبب ترددهم المنتظم على الكاتدرائية، حيث كنت أحب الذهاب إلى خالتي في الأعياد أشاهدهم وهم يملئون الشوارع بألوان ملابسهم المبهجة و الصلبان الخشبية المزينة التي كانوا يمسكونها بأيديهم في المناسبات.
في بداية عام 2012 دعاني أحد أصدقائي لعيد مولد ابنته الصغيرة بسؤالي عن مكان الاحتفال قال لي أن أمام النقابة النقابة (نقابة الصحفيين) في واتصل به ليأتي ويصطحبه إلى مكان الحفل، وبالفعل عندما وصلت واتصلت به تفاجأت بأنه عيد الميلاد في كنيسة (isus) الموجودة أمام النقابة، وهي كنيسة لطائفة الكاثوليك الأثيوبيين، وخلال وجودي بالكنيسة كانت هناك مساحة كبيرة للتواصل مع الفتياة الذين يعملون في المبنى الاجتماعي للكنيسة، والذي تقام فيه فعاليات ويستقبل الجميع مهما كانت أديانهم أو طوائفهم أو جنسياتهم، ولفترة غير قليلة على الإطلاق كنت أذهب للجلوس في كافيتريا الكنيسة وسمعت حكايات العاملين هناك، وشهادة احاسب عليها امام الله أنهم حقًا اشخاص قلوبهم مليئة بالطيبة ويحبون المصريين جدًا، حتى أن أحدهن كانت تحكي لي أنها حققت حلمها بالعمل والعيش في مصر، وانه حلم يشترك فيه الكثيرين من الشباب الأثيوبي.
منذ بداية أزمة سد النهضة واختارت الإدارة المصرية اللجوء إلى الحلول السلمية و الاستجابة للوساطات الدولية لحل الأزمة، ولا يعني ذلك على الإطلاق أننا نخشى الحرب، ولكننا دعاة سلام وليس حرب ولا نلوح لترهيب شعوب شقيقة كما يعتقد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أنه يرهب المصريين بالتلويح بالحل العسكري فهذا أمر مضحك حقًا، ولكننا نحترم التاريخ الطويل الذي ربط شعب الحبشة بالشعب المصري.
ولذلك أرجوا من الإعلاميين بالتحديد ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ممن يصفون أنفسهم بالمثقفين، أن يتوقفون عن تغذية نيران الخلاف وكذلك تحكيم العقل وعدم نشر رسائل الكراهية بين شعوب أفريقيا بدلاً من محاولات تهدئة الموقف، فدور النخبة المثقفة والفنانين في هذا الوقت هو تقريب وجهات النظر ونبذ العنف وليس العكس، ومن الجنون ان يكون في عام 2020 أشخاص لا يرون طرق لحل الأزمات غير الحروب! للمرة الثالثة من حكمة الدولة المصرية أنها حتى الآن تدعوا للحلول السلمية لأزمة سد النهضة.
الكاتب
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال