همتك نعدل الكفة
1٬836   مشاهدة  

دين حلفا

حلفا


يروي أن قصة حقيقية وقعت سنة 1969م:

الداعية الشيخ حسن طنون حلفاوي وعنده مكانة في مساجد الخرطوم..

قالوا له: “يا أخي لازم تمشي حلفا لي أهلك ديل وتهديهم شوية”.

الرجل لبى الطلب وسافر بالقطر، وأول خطبة له في الجامع بدأ يبكي وقال لهم:

“يا أهل حلفا الطيبين..

هل يعقل أن أجد عندكم في مدخل المدينة يافطة كبيرة مكتوب عليها أشرب بيرة أبو جمل”.

واحد حلفاوي من المصلين في الصف الأول قال:

“يا جماعة شوفوا الراجل ده يخلي المصنع في الخرطوم و يبكي علي يافطة عندنا“.

بهذه النكتة والعديد من مثيلاتها, يتندر أهل السودان على “إسلام الحلفاوية” السطحي أو غير الملتزم بأحكام الدين من وجهة نظرهم, وتزايد الأمر مع تعاقب أنظمة المركز التي صبغت الإسلام بالسياسة وأراقت دماء الشعب الواحد تحت مسمي الجهاد ضد الكفر في بلاد الجنوب.

إسلام الحلفاوية المتندر عليه، هو أقرب لعقيدة الفطرة منه إلى عقيدة الطقس، مفرزة  للخير والشر ثابتة، رغم أختلاف الإله المُحَكَّم، فتارة كان المقصد هو إبتغاء مرضاة أوزيريس، وتارة أخرى كان ملكوت المسيح، انتهاء بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، حتى وإن كانوا في نظر الأخريين ليسوا منهم.

الحلفاوي الذي قدس أمون على أرضه وسبح للمسيح في علياه هو نفسه الذي  شهدت أرضه بدايات الطرق الصوفية المهيمنة في السودان، فـ فخر الدين محمد عثمان عبده، مؤسس البرهانية، وُلِدَ في حلفا وعاش بها قبل أن يبدء دعوته بالخرطوم. كذلك الختم مؤسس المرغنية وخلال رحلته الثانية إلى مكة قصد بلاد النوبة ودعي لطريقته فأستجاب المحبيين بطول النوبة شمالها وجنوبها, وبسبب لين الدعوة وتماشيها مع طبيعة وفطرة الحلفاوي لا تكاد تخلو قرية من القري القديمة من مقام لصالح أو مشهد لولي.

إقرأ أيضا
السودان

من أشهر الأولية الذين ضمهم ثرى حلفا كان عويس القرني، هذا الولي الذي كان ضريحه على مقربة من قرية الصحابة وكان يؤم إليه الأهالي للتبرك به كرجل صالح دفن ببلادهم, وعند اقتراب موعد الهجر المشؤمة قامت البعثات الأثرية بعد إقناع الأهالي بالتنقيب أسفل قبره, ليتضح أن الرجل الصالح الشيخ عويس ما هو إلا أحد الصالحين، لكن من زمن سابق يمكن تحديده من الصليب المتدلي حول رقبته. استمر التبرك واللجوء إليه كأستمرار الفطرة الحلفاوية السليمة الباقية رغم تبدل الأديان.

قطب أخر من أهل الخَتّمية هو الشيخ إبراهيم الميرغني، حفيد مؤسس الطريقة الختمية، محمد عثمان الميرغني, الذي أوفدت بعثة من أهله لأستخراج جثمانه قبل إغراق حلفا وإعادة دفنه في الخرطوم، إلا أن الحلفاوية الذي ضمت أرضهم جثمانه أبوا إلا أن يرافقهم جثمان الميرغني إلى حيث يهجروا، وفيما أصاب الأحباط أخرين منهم عند عملية استخراج الجثمان, لاعتقادهم أن ما بقي الجثمان مدفون في حلفا فستُعصم أرضها من أي إغراق أريد لها.
إيمان الحلفاوية المتندر عليه هذا وفطرتهم لم تناقض العصر الحديث بل أتت منسجمة مع حداثية الدولة وتنظيمها ومتفهم لروح القانون قبل نصه، حتى أن فى نفس تلك الفترة شهد معتمد التهجير بأن عدد سجناء وادي حلفا حاضرة الشمال, لم يتعدى 12 سجينًا أغلبهم مصريين عبروا لحلفا دون أوراق رسمـية, وأن أهل حلفا فطريًا يأنفوا الجريمة ويجتنبوها وهم يميلوا إلى التحضر في كل تعاملاتهم، ورغم ذلك فهم في نظر مهوسي النص ناقصين الأيمان، رغم أن الأديان تسعى لتحقيق ما ملكته حلفا دائما.

فإذا كانت الغاية من الأديان كما يعتقد معتنقوها هو تسيد الفضيلة فما كان هناك أفضل من حلفا، وإن كانت الغاية درء المفسدة.. فلنتذكر أن هناك حلفاوي ذات مرة قال: “المصنع في الخرطوم”.






ما هو انطباعك؟
أحببته
13
أحزنني
0
أعجبني
5
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان