همتك نعدل الكفة
1٬617   مشاهدة  

محمود المليجي .. جريمة منعها يوسف شاهين وموهبة صقلها الزمن

محمود المليجي


كادت السينما المصرية أن ترتكب جريمتها الكبرى لولا أن جاء يوسف شاهين ليعيد اكتشاف وتطوير أعظم وأكبر موهبة تمثيلية في رأيي شهدتها السينما المصرية، محمود المليجي الرجل الذي قدم في مسيرته الفنية ما يزيد عن 500 عمل تنوعوا بين المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، محمود المليجي الذي بدأ رحلته مع السينما في فيلم قبلة في الصحراء عام 1927 وانتهت بنهاية حياته أثناء تصوير فيلم أيوب عام 1983، وهو رقم بأي حال من الأحوال إعجازي وربما لم يصل له ممثل أبدا.

محمود المليجي

لم يقم يوسف شاهين بأمر بسيط، لنقل إن محمود المليجي كان تلك الموهبة الجبارة والطاقة الفنية الهائلة شبة المهدرة، نعم هي طاقة شبة مهدرة، تخيل ان موهبة بحجم محمود المليجي كانت تدور في دائرة من الأدوار المتشابه أغلب الوقت، الشرير او زعيم العصابة او منافس البطل على غرام البطلة حتى في الأفلام الكوميدية كان عباس الزفر في إسماعيل يس في الأسطول أو رئيس التحرير العصبي الغضوب في يوم من عمري، والغريب أن حتى بدايته مع شاهين كانت في تلك الأدوار فدوره في الناصر صلاح الدين يتحدث عن نفسه.

ولكن فجأة أتت الفرصة، الفرصة التي كان يحتاجها المليجي لينفجر بحق، ليزلزل الأرض من تحت الجميع، ليثبت للجميع انهم اخطأوا حينما ضيقوا عليه الخناق وجعلوه مجرد رمز للشر في السينما، لهؤلاء الذيم لم يروا ما قام به في مشهد واحد من فيلم الزوج العازب، مشهد كان عابرا في وسط اغنية محمد رشدي عرباوي كان المليجي يؤديه أفضل من عشرات الأدوار التي أداها من قبل، عينان المليجي في تلك اللقطة كانت تحوي بداخلها طاقة تصرخ وتطالب بالإفراج عنها، حتى جاء يوسف شاهين وجاء الأرض.

محمود المليجي

قبيل الأرض كانت هناك إرهاصات لذلك الانفجار، دور الدكتور طلعت في فيلم بئر الحرمان عام 1969، دور عزمي باشا في غروب وشروق عام 1970، لكن محمد أبو سويلم في فيلم الأرض هو الانفجار الحقيقي، كان الدور من نصيب محمود مرسي في البداية ولكنه اعتذر واعتقد انه حسنا فعل، ليذهب شاهين بمحمد أبو سويلم إلى محمود المليجي، ليتشبث المليجي بالدور كأنه طوق النجاة الذي يتمناه.

ربما لم يتألق ممثل مع يوسف شاهين مثلما تألق المليجي، المليجي في الواقع كان شخص شديد الطيبة لدرجة قد تصل في بعض الأحيان إلى الساذجة وكان سهل القيادة يمكن لزوجته ان تقوده كيفما تشاء وهذا ما فعلته علوية جميل بالفعل، وليس هذا مجال الحديث، ولكن أما الكاميرا او على خشبة المسرح فهو صاحب أقوى شخصية فنية على الإطلاق.

محمود المليجي لديه تلك الميزة التي تستقبل تعليمات المخرج وتنفذها بطريقتها، لذلك تجد ان المليجي وقلة قليلة من الممثلين لم يتأثروا بشخصية يوسف شاهين ولم يقلدوه، الأمر معتمد على شخصية الفنان الفنية، والمليجي هو صاحب الشخصية الأقوى على الإطلاق.

ما قبل الأرض كان المليجي يكتسب الخبرات، كبطارية تستجمع الطاقة بداخلها، ربما تخرج لمحات منها في مشهد في نظرة في دور، ولكن لم تأتي شخصية تسمح للمليجي بإخراج تلك الطاقة قبل يوسف شاهين، وفي رأيي الشخصي أن شاهين وحده كان يملك كتالوج المليجي ويعرف كيف يخرج المارد من محبسه لكي يحقق له كافة أمانيه.

محمود المليجي

من الأرض إلى الاختيار وقبلهم جميلة، وفي كل مرة يتنوع المليجي ويتلون ويظهر جانب أخر من موهبة لم نشاهدها من قبل، ولكن الحقيقي والثابت انه بعد الأرض لم يستطيع أي مخرج أن يغض الطرف عن موهبة المليجي، حتى حينما كان يقدم تلك الأدوار المستهلكة مثل زعيم العصابة كانوا يتركون له هامش من الحرية ليضيف إليه ما يريد.

أحاول أن أجد أدوار أخرى متفجرة بخلاف التي قدمها محمود المليجي مع شاهين لا أجد، ولا يسعفني عقلي لتذكر دور مضيئ ربما دوره في الحب الذي كان وادوار مشابهة، ولكن توقف أمام دوره في فيلام العصفور أو عودة الابن الضال أو فيلم اسكندرية لية؟ توقف امام المليجي فيها وأمام أي دور أخر قدمه.

بالطبع ستجد موهبة المليجي ساطعة ولكن المليجي هنا مختلف كليا وجزئيا عن أي محمود المليجي شاهدته مع أي مخرج اخر، تلك الموهبة الذهبية التي صقلتها الأدوار المستهلكة والقولبة الفنية، تخرج وتلمع وتسطع امام كاميرا شاهين ومعه.

محمود المليجي

إقرأ أيضا
اللوكندا الحمراء

المليجي تدرب على المسرح وفي السينما على القدرة على النفاذ للشخصية وتقمصها، وما ان تقمص محمود المليجي شخصية فانت لا تصدق أنك محمود المليجي، فأبسط مثال ممكن، تامل عباس الزفر، تلك الشخصية القوية القادرة على قهر كل من حولها، الامر الناهي في سوق السمك والمسيطر عليه، المليجي هنا تماهى مع الشخصية تماما، في حركتها وسكناتها نظراتها، تفاصيلها، فكأنه معلم في سوق السمك طوال الوقت، وفجأة تراه في فيلم رصيف نمرة خمسة، أيضا معلم وأيضا شرير ولكنه شرير من نوع مختلف، صحيح أن الأنظار لم توجه للمليجي كما يجب في هذا الفيلم بسبب زكي رستم، ولكنه هنا مختلف عن المعلم الذي قدمه سابقا.

محمود المليجي

في فيلم الزوج العازب معلم أيضا، ولكنه مختلف عن المعلم في سمارة مثلا، هذا هو الهامش الوحيد الذي كان يستطيع محمود المليجي من خلاله أن يستغل موهبته بعيدا عن القوالب التي كانت تعرض عليه، وربما أسوأ ما في المليجي عدم قدرته على الرفض، ذلك العسيب الذي جعله شريكا في أفلام دون المستوى ولكنها كانت كلها مجرد هوامش يستغل المليجي في موهبته ويصقلها، وكان في انتظار مخرج يكشف النقاب عن تلك الموهبة التي صارت شديدة النقاء والقوة من كثرة الصقل، وهذا ما فعله يوسف شاهين ولم يفعله أحد سواه.

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
9
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان