همتك نعدل الكفة
306   مشاهدة  

الدكتورة رتيبة الحفني وكتابها عن الموسيقار محمد القصبجي

الدكتورة رتيبة الحفني


 

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة التاسعة والعشرين من قصة الموسيقار الكبير نحيل الجسد قوي الفكر، المرحوم محمد علي القصبجي، ولا زلنا نتحدث عن سلسلة التزوير التي أصابت سيرة ذلك الموسيقار الكبير، وتعرضنا لكتاب الدكتورة رتيبة الحفني “محمد القصبجي الموسيقي العاشق” وناقشنا محورين أساسيين من المحاور الثلاث التي بني عليها نقد هذا الكتاب، وقلنا أن المحور الأول إنما تمثل في إعادة تدوير الكتابات السابقة أو نقلها دون تقص أو تتبع للمعلومات التي تواردها الكتاب خطأ، فضلا عن النتائج التي بنيت على تحليلات لا تستند لوقائع حقيقية، أما المحور االثاني فتمثل في الفكرة الجاهزة أو المسبقة، واليوم نتحدث عن آخر هذه المحاور وهو إغفال الدور الثقافي للمرحوم محمد القصبجي، ثم بعدها ننتقل لما يمكن اعتباره مدحا وتقديرا للكتاب نفسه.

المحور الثالث في نقد كتاب الدكتورة رتيبة الحفني:

ويؤخذ على الكتاب انطلاقا من هذا المحور إغفاله لمسألة التحليل الاجتماعي للدور الثقافي الذي تركه المرحوم محمد القصبجي، فقد كان من المفترض أن يتبنى الكتاب تحليلا منطقيا واضحا، بدلا من نقل المعلومات وتجميعها وتحليل كل معلومة وفقا لكتابات أخرى، وتفكيك المقولات الثقافية اليابسة، واجتراح نتائج غير مسبوقة، ولو كان الأمر بإثارة تساؤلات ثقافية عميقة، والحقيقة أنه لا يكفي أبدا ما قالته الدكتورة رتيبة الحفني بخصوص الفن المسموع في فترة العشرينيات والتي وصفت بالعار الثقافي، بل كان من المفترض الوقوف على معطيات كل فترة على حدة واستنتاج نتائجها وفق وقائع صحيحة بدلا من وضع المرحوم محمد القصبجي في صندوق تجارب الأفكار السابقة، كالحديث عن أنه من أصول شامية وما شابه ذلك، على أنه لا يمكن بحال أن ننظر لكتاب الدكتورة رتيبة الحفني وكأنه مادة للنقد فقط، فقد ذكرنا في البداية أن الكتاب قد وثق سيرة المرحوم محمد القصبجي بطريقة جيدة، وهذا ما سنتناوله في العناصر التالية.

مزايا كتاب الدكتورة رتيبة الحفني:

تعرض كتاب الدكتورة رتيبة الحفني “محمد القصبجي الموسيقي العاشق” لنقاط هامة ومحطات مميزة في حياة الموسيقار محمد القصبجي ربما لم يتناولها كاتب آخر من قبل، وهوما يمكن اعتباره وبحق مزايا جديدة في معلومات قدمتها، أو إشارة وإن كانت غير كاملة إلى قضايا نقدية حول نتاج ودور المرحوم محمد القصبجي الثقافي في الحياة الاجتماعية، ومن أهم تلك النقاط : المرحوم محمد القصبجي والأغنية السياسية، وإعجاب المرحوم داوود حسني بأعمال محمد القصبجي، ثقافة محمد القصبجي الموسيقية.

المرحوم محمد القصبجي والأغنية السياسية:

يغفل كثير من الكتاب الجانب القومي والوطني والسياسي من حياة الموسيقار الكبير محمد القصبجي، وذلك بالنظر إلى الأغنيات التي قدمها في هذا الميدان الخصب، على اعتبار أن المرحوم الشيخ سيد درويش كان صوت ثورة 1919م، وهو قول عار تماما عن الصحة ومجاف للواقع، فقد وضع المرحوم محمد القصبجي ألحانا كثيرة لأغان قومية ووطنية وسياسية، غاية ما هنالك أن الأعمال القومية والوطنية التي انتجت في تلك المرحلة قد تمت مصادرتها بل ومورست بحقها عمليات قتل ممنهجة استندت للكثير من الأسباب ربما كان أشهرها أنها سجلت بصوت سلطانة الطرب منيرة المهدية الذي كان يعده كثير من الناس تعبيرا عن صوت السرايا، وهذا الأمرغير صحيح، بل ووصف صوتها وأسلوبها في الغناء بالأسلوب الأعجمي أو الأجنبي، وهذا غير صحيح أيضا، وإقلاع القصبجي عن عمل أغنيات سياسية فيما بعد، ولكن السبب الحقيقي الذي يعود إلى منيرة المهدية هو سوء نقل التسجيلات من أسطوانات الحجر إلى تقنيات التسجيل المتاحة سواء كاسيت أو سي دي، ولكنها تسجيلات واضحة.

 

إقرأ أيضًا..

يوم أن عُرِض مسلسل لن أعيش في جلباب أبي لأول مرة “صفوت الشريف أهمله واهتم بالدين”

 

ويمكنك عزيزي القاريء الرجوع إلى أرشيف الست منيرة المهدية والاستماع إلى أغنيتها الشهيرة شال الحمام حط الحمام، من كلمات المرحوم محمد يونس القاضي، وألحان المرحوم محمد القصبجي، فهي وضعت لإغاظة جيش الاحتلال الإنجليزي بمصر رفعاً من شأن زعيم الثورة سعد زغلول 1919م وتقول بعض كلماتها:
شال الحمام حط الحمام من مصر السعيدة للسودان
زغلول وقلبي مال إليه أنده له لما أحتاج إليه
يفهم لغة اللي تلاغيه وأقول حميحم يا حمام
عشق الزغاليل غيتي وحبهم من قسمتي
والناس كمان يا فرحتي مالناش عوازل في الغرام
وفي آخر التسجيل تقول الست منيرة المهدية: يحيا سعد باشا، ومعلوم أن كلمة زغلول في جملة “زغلول وقلبي مال إليه” هي إشارة إلى اسم الزعيم سعد باشا زغلول، لذلك أدى ترديد هذه الأغنية كما لو كانت نشيدا وطنيا، إلى استصدار قائد جيوش الاحتلال أمراعسكريا بسجن كل من يذكر اسم زعيم الثورة سعد زغلول ستة أشهر مع الشغل وجلده عشرين جلدة.
كذلك من أغنيات المرحوم محمد القصبجي ذات الحس القومي والوطني التي غنتها سلطانة الطرب منيرة المهدية، أغنية بعنوان أبونا توت عنخ آمون، التي سجلت سنة 1922م بمناسبة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وهي من كلمات المرحوم محمد يونس القاضي ويقول مطلعها: ما يجيبش زيي إن لف الكون، إحنا أبونا توت عنخ آمون.

كذلك هناك أغنية أخرى خطيرة من كلمات المرحوم محمد يونس القاضي وألحان الموسيقار محمد القصبجي وقد غنتها سلطانة الطرب منيرة المهدية ويقول مطلعها: اسمع أغاني المهدية، في المعنى بتساوي مية، وفي الأغنية يدين يونس القاضي حكومة “الحرامية” في مصر وقتئذ، وجدير بالذكر أن هذه الأغنية السياسية تخرج من حيث البعد القومي والوطني والسياسي عن الأغنية الوطنية المؤدلجة التي سحبت فيما بعد إلى زاوية التباكي أو الغناء الرثائي كالقصيدة التي غنتها أم كلثوم رثاء لسعد باشا زغلول : إن يغب عن مصر سعد فهو بالذكرى مقيم.

المرحوم محمد القصبجي وإعجاب رواد الجيل الذي سبقه بفنه:

لم يتوقف الأمر عند حد إبراز دور المرحوم محمد القصبجي في ميدان الأغنية الوطنية والقومية والسياسية مما عد ميزة لهذا الكتاب بل جاء به كذلك ما يكشف عن موقف وعلاقة المرحوم محمد القصبجي بالجيل الذي سبقه من الموسيقيين، وإن كان محمد القصبجي قد لحن لبعض الأصوات الأكبر منه أمثال الشيخ أمين حسين وزكي أفندي مراد والد المطربة ليلى مراد، وهو الأمر الذي يمثل اعترافا ضمنيا بموهبة القصبجي الكبيرة، فهناك ما هو أكبر من ذلك وهو اعتراف جيل سابق بفنه وموهبته العظيمة فهذا داوود حسني الذي يعتبر خليفة للمرحوم محمد عثمان قد رفض أن يلحن قالب المونولوج معللا ذلك بقوله: لا يجوز أن ألحن مونولوجا ومحمد القصبجي موجود، وتلك شهادة عظيمة من موسيقي كبير كالمرحوم داوود حسني الذي تولى ريادة قالب الدور بعد رواد عصر النهضة.

أما المرحوم كامل الخلعي الملحن الموسيقي الكبير فقد كتب مقالاً في طريقة عزف القصبجي على العود وتعليمه وأثره على تلامذته ويقول فيه: القصبجي هو العواد الساحر، والمتفنن الماهر، صاحب الطرق الرشيدة، والقواعد العديدة في تعليم المبتدئين، ووصولهم إلى طبقة الأستاذية، وهو ممن أعجب لحذقهم وأطرب لعزفهم، درس القصبجي هذه الصناعة على من امتازوا فيها بالبراعة، فظهرت مواهبه الطبيعية مقرونة بمحاسنه الفنية، ولولا أن يظن بنا غلوا، لزدنا في الحديث من استزاد.
والحقيقة أنه لا يوجد موسيقي واحد قد حظى بمثل ما حظى به المرحوم محمد القصبجي من مديح ليس من جيله فقط أو جيل تلامذته الذين تسلموا راية التطوير من بعده، بل من جيل من سبقوه وأساتذته أيضا، وهو ما يضع محمد القصبجي في مكانة متفردة ربما لا تطال.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان