“شبهات على الصوفية” هل إطلاق لقب الغوث على النبي والأولياء الصالحين جائز شرعًا ؟
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
هناك سبع طبقات لعلماء الصوفية والأولياء لكن لم تثير منهم أي طبقة حفيظة الناس مثل لقب الغوث التي تطلق على الشيخ والولي، إذ رأوا أن هذه الكلمة اسم يخص الله تعالى دون البشر ولو تسمى البشر بها فيجب أن يلحق بتلك الكلمة شيء ديني مثل غوث الدين أو غوث الله.
لغويًا .. موقف لقب الغوث من البشر
في كتاب شرح ألفية بن مالك للنحوي الشهير بن عقيل قال «يكثر استعمال المصدر نعتًا؛ نحو: مررت برجل عدْل، وبرجلين عدْل، وبرجال عدْل، وبامرأة عدْل، وبامرأتين عدْل، وبنساء عدْل، ويلزم حينئذٍ الإفراد والتذكير، والنعت به على خلاف الأصل؛ لأنه يدل على المعنى لا على صاحبه، وهو مُؤَوَّلٌ: إما على وضع عدل موضعَ عادِل، أو على حذف مضاف؛ والأصل: مررت برجل ذي عَدْل، ثم حذف “ذي” وأقيم “عدل” مقامه، وإما على المبالغة بجعل العين نفس المعنى مجازًا أو ادِّعاءً»، وطبقًا للتعريف اللغوثي فإن تلقيب الولي الصالح بالغوث -حيًّا كان أو ميتًا- ليس فيه معنًى سوى أنه سببٌ في إغاثة الخلق؛ والإغاثة مندوب إليها شرعًا؛ سواء في ذلك الإغاثة في مصالح الدنيا والإغاثة في مصالح الدين.
موقف مصادر التشريع من جواز إطلاق لقب الغوث على البشر
تشير فتاوى لجنة الأزهر إلى جواز طلب الغوث من الخلق على جهة التسبب لا على جهة التأثير؛ كما في قوله تعالى حكاية عن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾، وعليه: فتلقيب المخلوق بأنه “غوث” إنما يُقصَد به أنه سببٌ للإغاثة، أما الله سبحانه وتعالى فإنه المغيث على الحقيقة أي المُؤَثِّرُ الخالق، والاشتراك في لفظ الوصف لا يقتضي الاشتراك في تَمَام المعنى بين الخالق والمخلوق؛ فشَتَّان بين صاحب القُدرة المُطلَقة وبين مَن يُنعَم عليه ببعض أوصاف الكمال البشرية؛ فالعبدُ عبدٌ والربُّ ربٌّ، وهناك فارقٌ بين المخلوق والخالق، فالله تعالى موصوفٌ بالكريم والرحيم، وبعضُ خَلقِه موصوفٌ بهما كذلك، وهو تعالى الهادي على الحقيقة وقد نَسَبَ الهدايةَ لِبَعضِ خَلقِهِ؛ كما قال في حَقِّ نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، وهو المتوفِّي للآجال، وهو المحيي المميت على الحقيقة، وقد نَسَبَ إلى ملائكته فِعلَ هذا فقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾.
اقرأ أيضًا
لماذا تصر كتب الصوفية على وصف النبي بـ أجير وجرثومة الشرف ؟
أما السنة النبوية فاحتوت على إقرار بجواز تلقيب الصالحين بما يشعر بمنزلتهم عند الله تعالى بنحو ما اشتهر عند الصوفية مِن الأوتاد والأبدال، وكتب الإمام السيوطي رسالة اسمها الحاوي في الفتاوي والمشهورة باسم الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال، وقال في أولها: «بلغني عن بعض من لا علم عنده إنكار ما اشتهر عن السادة الأولياء من أنَّ منهم أبدالًا ونقباء ونجباء وأوتادًا وأقطابًا، وقد وردت الأحاديث والآثار بإثبات ذلك فجمعتها في هذا الجزء لتستفاد -ولا يُعوَّل على إنكار أهل العناد- وسميته: الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال» ثم ساق الأحاديث والآثار الدالة على ذلك.
وباستعراض إطلاق لقب القطب والغوث على بعض الأولياء الذين اشتهر في الناس تسبُّبُهم في الإغاثة واستجابة الدعاء جائز شرعًا، وعليه جرى عمل المسلمين، والقول بأنه حرام قول باطل لا يُعوَّل عليه ولا يُلتفَتُ إليه.
الكاتب
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال