عندما تنازل زياد الرحباني عن فنه بسبب سيارة كحلية اللون
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
دائما ما نضع تصورات حول شخصية زياد الرحباني الفنية، وأن جل ما يقدمه يمكن تصنيفه تحت بند الفن الملتزم بقضايا عديدة سواء اجتماعية او سياسية، وان امارس تجارب صنفها البعض على أنها جنون وجموح الفنان مثل تجربة ألبوم “مونودوز” مع سلمى مصفى، أو تجربته مع التونسية لطيفة في “معلومات أكيدة” والتي لم يخضع فيها لقوانين السوق الغنائي التجاري واستفادت لطيفة منها أكثر منه هو شخصيًا، لكن الشاهد أن زياد في هاتان التجربتان لم يتخلي عن فنه أو يساوم به او يساير تيار غنائي معين.
لكن زياد الواضح حد التجريح والصريح حد الوقاحة لم يخجل من أي تجربة في حياته، حتى في أحلك فترات أزماته العاطفية أو المادية، ففي أثناء الحرب الأهلية اللبنانية وبينما كان يجلس دون عمل وكل تفكيره ينصب في كيفية تدبير مبلغ 8 آلاف ليرة كي يبتاع سيارة مستعملة كحلية اللون، حتى دخل عليه عمه “إلياس الرحباني” عارضًا عليه العمل معه في برنامج غنائي من إنتاج تليفزيون الأردن وتحت إشراف مؤسسة الرحابنة بعنوان “ساعة وغنية”.
في البداية تردد زياد في قبول العرض حتى سأله كم سيكون سعر اللحن الواحد، ليجيبه عمه بأن سعر اللحن الواحد سيكون الف ليرة وتحفيزه أكثر ذكر أن البرنامج لن يقل محتواه عن 120 أغنية.
إقرأ أيضًا
عن جارة القمر فيروز ورحلة النزول إلي الأرض
جاء رد زياد صاعقًا – إذن سأكتفي بتلحين ثمان أغنيات فقط مع شرط وحيد وأساسي هو عدم ذكر اسمي على أي لحن منهم.
ليتعجب عمه لماذا تحديدًا ثمانية فقط “لم يكن عمه يعلم بقصة السيارة التي يريد شراؤها” فحكي زياد القصة ليخرج عمه غاضبًا ناعتًا إياه بالمجنون.
انطلق زياد إلي رحلة الأردن وقام بوضع الثمانية ألحان، وعاد أدراجه إلى لبنان ليبتاع السيارة.
عندما صدر البرنامج تحايل عمه على الشرط الذي وضعه زياد بعدم ذكر اسمه بأن كتب في التتر شارك في الألحان “زياد الرحباني” دون أن يشير إلي تلك الألحان، لاحقًا تمت الإشارة إليه عندما صدرت أغاني البرنامج في أسطوانات مدمجة بعدها بعدة سنوات.
زياد كان يدرك أنه أمام عمل منحوت وسبوبة سريعة جيدة سوف تحقق له امنيته بشراء السيارة فلم يبذل مجهودًا كبيرًا في الألحان وهذا سبب اشتراطه عدم ذكر اسمه عليها، لكن ظل يدور في عقله لحن من تلك الألحان الثمانية والذي استخسر أن يظل حبيس هذا البرنامج، فقرر في مغامرة غير محسوبة أن يسمع اللحن للسيدة فيروز.
الأغنية كانت بعنوان “ورقو الأصفر شهر أيلول” والتي كتبها رفيق دربه “جوزيف حرب” وعندما استمعت إليها السيدة فيروز امتعضت من الكلمات واشترطت عليه تغييرها قبل أن توافق أو تقرر غناء اللحن.
في نفس اللحظة اتصل زياد بحرب طالبًا منه أن يعيد كتابة كلمات جديدة على اللحن، لتولد في النهاية أغنية “ماقدرت نسيت” والتي ضمها زياد إلي ألبوم فيروز الأيقوني “معرفتي فيك”الذي صدر عام 1981
المدهش في الأمر أن نفس الكلمات التي اعترضت عليها فيروز في السابق قررت غناؤها مرة أخري لكن بلحن العظيم “فيلمون وهبة” وصدرت في ألبوم يا رايح عام 1994.
يكشف هذا الموقف جانبًا كبيرًا من شخصية زياد الواضحة جدًا و متسقة مع نفسها فلم يتردد في قبول عمل تجاري بسبب مروره بأزمة مادية، وبعدما انتهى من تلك التجربة لم يلم نفسه بقدر ما كانت تلك الأغنية مثال لقدرته على تصحيح مساره وإشباع روحه بالحفاظ على هويته الموسيقية.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال