همتك نعدل الكفة
340   مشاهدة  

تذكرة ماتينيه..”بلاكككلنزمن” أوسكار أفضل سيناريو معيوب 

سيناريو


من الأفلام الأمريكية التي أدهشني خبر ترشحها لجوائز الأوسكار عام ٢٠١٩ فيلم “بلاكككلنزمن” للمخرج سبايك لي الذي رشح لجائزة أفضل سيناريو عن قصة مقتبسة ثم فاز بها بالفعل لتتعاظم دهشتي  ليس فقط لأن هناك من هو أفضل منه كتابة ، لكن لأن سيناريو الفيلم وفق العامية المصرية معيوب .

 المبرر الوحيد في فوز الفيلم بتلك الجائزة في ظني يرجع لموضوعه الذي يروي قصة حقيقية يكافح فيها أبطالها ضد العنصرية لكن هل هذا يكفي ؟.

 للإجابة على السؤال يمكننا تحليل بعض عناصر سيناريو من البناء الدرامي ، طريقة الحكي ( الفورم ) ، الشخصيات ، الصراع ، الإيقاع ، الحوار  ، الحبكة ، المشاعر ….

 

طريقة الحكي :

كيف سنحكي قصتنا ؟ هذا ما نقصده بطريقة الحكي أو الفورم ، هل سيعتمد المؤلف على فلاش باك ؟ ما هي طريقة الفلاش باك ؟ هل لقطات سريعة أم فلاش باك طويل ؟ متى يبدأ و ينتهي ؟ هل هناك خط درامي في الماضي و آخر في الحاضر ؟  ما هي الدوافع التي تجعل الشخصية داخل السيناريو تتذكر لنرى فلاش باك ؟ هل تمر الشخصية بأزمة فتتذكر أم تخوض رحلة مرض فتتذكر ؟


هل يعتمد الحكي على وجود تعليق صوتي ؟ من هو صاحب التعليق أم سيعتمد السيناريو على فورم تقليدي في الحكي عن حاضر الشخصيات ؟ كانت تلك مجرد أمثلة بسيطة لنوضح ما يعنيه مصطلح ( فورم الحكي ) و إختيار فورم الحكي لا يكن فقط بدافع الإبهار لكن السيناريست يبدع في توظيفه ليخدم الدراما.

 يبدأ الفيلم بلقطة لساحة معركة الحرب الأهلية الأمريكية في القرن قبل الماضي و هي مليئة بجثث القتلى بجوار أعداد من الجرحى ثم ينتقل إلى فترة خمسينات القرن الماضي وقت تصوير شخص ما يبدو مرموقاً  لكلمة يوجهها إلى أنصاره تتضمن مفاهيم عنصرية بعدها تبدأ أحداث الفيلم من فترة السبعينات دون أن يكون لتلك اللقطات الأولى عن زمنين مختلفين في الماضي أية تأثير على الأحداث لأن بها ما يكفي ليعبر عن تصاعد العنصرية ضد الملونين و اليهود فنفهم إن صناع السيناريو أرادوا فقط أن يكون هناك فورم حكي لا توظيف له في تطوير الدراما .

أما في نهاية الفيلم الذي تتوقف الدراما به عند منتصف السبعينات تقريباً فيتم تركيب لقطات حقيقية إخبارية توثق أحداث العنف بإحدى المدن الأمريكية في عام ٢٠١٧ إضافة إلى كلمة لترامب يدافع فيها عن مرتكبي العنف و لقطة أخرى توثيقية كذلك لشخصية زعيم العنصريين الحقيقية ديفيد ديوك و هو يلقي خطاباً يشيد فيه بترامب و كان الممثل تووفير جريس قد جسد شخصية زعيم العنصريين ديفيد دوك في أحداث الفيلم و هو في الثلاثين من عمره  و تهدف تلك اللقطات التوثيقية للتأكيد على وجهة نظر الفيلم بأن العنصرية مازالت رغم كل الجهود السابقة تهدد سلامة المجتمع ، لكن أيهما كان أفضل .

الإستعانة بفورم حكي يعتمد على اللقطات الأرشيفية ذات الجودة المحدودة أم إبداع فورم حكي أخر ينقلنا أربعون عاماً من السبعينات إلى سنة ٢٠١٧ لنرى الممثل تووفير جريس بعد أن خضع للمكياج ليبدو في السبعين من عمره و هو يكمل تمثيل دوره في الفيلم بإلقاء ذلك الخطاب .

 أي الطريقتين يضمن نهاية أكثر إبهاراً و تأثيراً ؟ 
الإجابة عند الأكاديمية المانحة .

الحبكة :

الحبكة  تعني مَنْطَقِة الأزمات و المواقف و الأفعال و ردود الأفعال حتى نصدقها و لا يمكن تبرير ضعف الحبكة بداعي الإعتماد في كتابة السيناريو على واقع حدث بالفعل لأن ببساطة شديدة السينما ليست نقل للواقع إنما محاكاة له و صاحب حرفة التأليف السينمائي عليه إذا لجأ للإقتباس من الواقع أن يعيد خَلقهِ ليتلافى ميلودراما الواقع و يتجنب المصادفات التي تحدث في حياتنا لكنها إذا حدثت في الدراما تُضعفها و أن يعالج الأزمات الساذجة بخيال يصنع حبكات مقنعة و كذلك يُعيد بناء التاريخ الإجتماعي للشخصيات فتصبح دوافعها النفسية مبررة و هي تخوض الصراع لتقود الدراما في إتجاه تتطورها من أزمة إلى غيرها أعمق و أكثر تعقيداً  .

 قصة الفيلم تدور في سبعينات القرن الماضي عن رون ستالرووث أول شاب أمريكي من أصل إفريقي يلتحق بشرطة الولاية ثم و هو مازال مستجداً و بدون أسباب مقنعة يُنقل إلى إستخبارات شرطة الولاية و بمنتهى اليسر عبر هاتفه بالعمل يخترق مؤسسة كو كلوكس كلان العنصرية و لأن بشرته سمراء فإنه لن يستطيع أن يذهب إليهم .

 بالتنسيق بين رون و رؤسائه يتركون كل الضباط بإدارة الإستخبارات و يرسلون ضابطاً يهودياً بديلاً عنه لينضم إلى المؤسسة التي تعادي الملونين و كذلك اليهود ليخترقهم و يجمع عنهم التحريات بينما يستمر رون الأصلي في التواصل معهم عبر الهاتف إستكمالاً لنفس مهمة الإختراق فنرى أعضاء المنظمة يتعاملون مع شخصين على إنهما شخص واحد أحدهما عبر الهاتف و الآخر وجهاً لوجه دون أن يلحظ أحد منهم الفارق في الصوت أو في الأسلوب و هذا لحكمة يعلمها الله و صناع الفيلم .

 ثم يبدأ رون الحقيقي التواصل مع زعيم المؤسسة الذي يقيم بولاية أخرى و يكتسب ثقته و إعجابه فيقرر الزعيم الحضور إلى ولايتهم ليشرف على مراسم عمادته عضواً بالمؤسسة . العجيب و المثير للدهشة أن رئيس الشرطة فور أن يتلقى تعليمات بضرورة حماية زعيم المنظمة في زيارته للولاية يقرر برغبة من المخرج و صناع السيناريو الإعتماد على رون الضابط الإفريقي الملون لحماية زعيم المنظمة العنصرية رغم أن رون يتعامل مع الرجل عبر الهاتف و سيتعرض هو و زميله منتحل شخصيته للخطر إلا إذا كان الزعيم يعاني من خلل عقلي لن يمكنه من إكتشاف خداع رون له .

فوز سيناريو الفيلم
فوز سيناريو الفيلم

إقرأ أيضًا…روبرت ليستون .. طبيب بدرجة جزار ساهم في الحد من انتشار الغرغرينا بمنشاره

من المشاهد التي تولد السخرية من صناع الفيلم يذهب عضو المنظمة الوحيد الذي لا يرتاح لشخصية رون المزيف إلى بيته ليتحرى عنه بعد حصوله على عنوانه من دليل الهاتف فيفتح له رون الحقيقي ملون البشرة و من خلفه يرى زعيمة الطلاب الملونين بالجامعة و المشهور عنها مناهضتها لأنشطة منظمته و مع ذلك يقبل الرجل المتشكك تفسير رون المزيف بأن هناك  بالتأكيد شخص آخر يحمل نفس الإسم و يصدق كذلك مزاعمه في أن عنوانه غير مسجل و لم يجعله كتاب السيناريو يحاصر رون المزيف بالأسئلة التي منها بالتأكيد : ما هو عنوانك إذن ؟
و لم يسأل أعضاء الأكاديمية المانحة للجوائز أنفسهم أو صناع الفيلم أسئلة أخرى غاية في الوضوح يكفي إجابة أياً منها كشف المهمة و إنهائها .

في موقف يتعرض فيه الضابط منتحل شخصية رون للخطر يضطر رون الحقيقي لمهاجمة مكان إجتماع زميله معهم و يهرب بسرعة قبل أن يتعرفوا عليه لكنهم فقط يلمحون لون بشرته فيحاولون مطاردته دون جدوى غير إنهم يرون سيارته جيداً و هي نفس السيارة التي يذهب بها رون الحقيقي بعد عدة مشاهد إليهم لينفذ مهمة حماية زعيمهم لكن أعضاء المنظمة لم يكتشفوا من لونها أو من الرقم المدون على لوحتها إنه الشخص الذي هاجمهم ، بل أن بينهم الشخص الذي رأى رون الحقيقي في منزله و يراه حالياً و هو يقدم نفسه بصفته ضابطاً مكلفاً بحماية زعيمه لم يشعر بالخطر على زعيمه و هو في حماية ضابط ملون و على علاقة بزعيمة جماعة معادية لهم ؟ و لم يلحظ مثلهم أو يشعر بالخطر أي عضو في الأكاديمية المانحة لجوائز الأوسكار .

في السيناريو كذلك إكتشف بعض أعضاء المنظمة خدعة إنتحال الضابط اليهودي لشخصية رون لكنهم تركوه رغم ما يمثله من خطر على زعيمهم الموجود في صحبته و ذهبوا لينفذوا عملية إرهابية فقُتِلوا خلالها و لم يعودوا و بالتالي لم يعرف الزعيم أو باقي أفراد المؤسسة أن بينهم ضابط يهودي ينتحل شخصية أخرى و يخترق صفوفهم .

لم يكتف المخرج بما فعل لكنه أصر على الوصول إلى مرحلة الإبتذال عندما نصب الضابط رون الفخ لضابط آخر في الإدارة يتصف بالعنصرية بنفس الطريقة التي نصبت بها الفنانة صباح الفخ لمحمود المليجي في فيلم الليالي الدافئة لتُنقذ حبيبها عماد حمدي من السجن بل إن رئيس الشرطة في كلورادو سبرينجز إقتحم المكان بنفس الأسلوب الذي إقتحم به ضابط نقطة شرطة القرية في الفيلم المصري و الأعجب أن قائد البوليس الأمريكي الجنسية و بنفس ما كان متبعاً لدينا في السينما المصرية أصدر أوامره هكذا : أقبضوا عليه .

مشاهدتي للفيلم شكلت لدي شعور بالذنب من سابق إنتقاداتي لبعض المسلسلات المصرية التي تُعرض في موسم شهر رمضان و جعلتني على يقين بإنه إذا كان هذا الفيلم قد حصل على جائزة أوسكار في السيناريو فإن زملائي من مؤلفين الدراما التلفزيوينة يستحقون الحصول على تقييم لا يعتبر الحبكة الضعيفة أو الساذجة من نقاط الضعف في السيناريو .

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان