همتك نعدل الكفة
684   مشاهدة  

دار الابتسام .. حيث تشعر بأنك مع الملائكة الصغار

دار الابتسام .. حيث تشعر بأنك مع الملائكة الصغار
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



خيوط النهار تتدفق لتمحي الليل الكئيب.. وعلى مدى سمعي  عويل الكلاب يذبذب يقيني بأن النهار قادم بعد ليل حالك.. الساعة الآن الخامسة.. أقف هنا انتظر القطار المتجه إلى القاهرة، حتى تبدأ أولى خطوات رحلتي في البحث عن هؤلاء الذين سفكتهم الحياة بدم بارد، هؤلاء الأطفال الذين ولدوا بخطيئة لا ذنب لهم فيها” أطفال مجهولي الهوية”.

 

وصل القطار في تمام التاسعة صباحا محطة رمسيس، الزحام خانق حد الموت .. كل وجه من الوجوه المارة يروي حكايته الخاصة،  حملت حقيبتي واتجهت إلى موقف الـ1000 مسكن، ركبت السيارة، ونزلت شارع الأربعين، ولكن وجهتي للأسف هي شارع الخمسين، ركبت توك توك  إلى أن وصلت إلى العنوان المنشود وتوالت الصدمات و المفاجآت.

دخلت بشكل مفاجأ لم يكن هناك ترتيب لدخول الدار، ولكن بطريقتي دخلت و استقبلوني لأقضي يوما كاملا بين هؤلاء الملائكة.

الحركة في كل مكان في الدار، لم أتوقع أن أجد بيت إيواء أو رعاية مثل هذا مطلاقا، وهي حقيقة وأمانة لابد أن أنقلها .. فهنا امرأة بشوشة تمسح المكان بمنظفات ومطهرات زكمت أنفي .. وهناك من خلفي امرأة تغسل ملابس الأطفال، وهنا على المقعد أمامي شابة في مقتبل العمر تُرضع صبي عمره بضع شعور، و بجانبي الوضع لم يختلف كثيرا فهذه امرأة حنون بشوشة تداعب طفل على قدميها وآخر أمامها تهندم ملابسه.

بدأت جولتي ف الدار، كنت كطفلة أريد أن أجرب ألعابهم وألعب معهم..  أصرخ..  أتدلل كـ «لقاء» لم أقصد على الإطلاق اسم الزمان لم أقصد مطلقا!! .. إنه اسم تلك الطفلة التي اختطفتني بضحكاتها .. حملتها بين يدي صممتها إلى صدري.. توقفت حينها كثيرا؛ كثيرا جدا  فكيف لإم أن تلقي هذا الجمال وتزهد فيه.. كيف!!.

 

نسيت أن أخبركم أنني الآن في« دار الابتسام » فهي مؤى لهؤلاء الذين قذفتهم الحياة بعيدا عنها تصور اللإنسانية في أوقح صورها.

تحدثت مع مدير الدار «سوسن» عن حكاية هذه الملاك فقالت « لقاء» طفلة دخلت الدار وعمرها بضع ساعات، وُجدت على رصيف ملفوفة بورقة جرائد في شهر يناير.

استلمت لقاء من أحد أقسام مصر الجديدة، وكنت لا أعلم كيف لرضيعة أن تتحمل برد يناير، ونحن الكبار وبملابسنا الثقيلة لم نتحمله.

 

أخذت الطفلة من أحد أمناء الشرطة، وكنت قد أحضرت ملابس لأني أعلم أي صورة هم فيها!

حملت الطفلة وبمجرد وصولي إلى دار الابتسام ، أخذتها في أحضاني وبكيت بكاء مرير … لأنه وفي كل حاله أتساءل كيف يلقوا الملائكة على قارعة الطريق !.

كاميرتي تدور هنا وهناك في كل أرجاء الدار،  لقطت ملاك أخر بين الأسِرة، عمرها لن يتجاوز الثلاث أعوام بعد، تجلس القرفصاء تخاطب دمية من القماش، وتحتضنها تعطيها حنان افتقدته مبكرا، وكالعادة تساءلت من تكون!!.

 

تحكي مديرة دار الابتسام وتقول” حياة” هذه الطفلة حياة اخترت اسمها لأن هذا الاسم جزأ من تكوينها، ولما لا وقد كتب الله لها عمرا آخر.

وُجدت حياء في صندوق القمامة، استلمتها كقرائنها من أحد أقسام الشرطة، وكانت حالتها متأخرة للغاية، فقد أوضح لي التقرير الطبي أنها مصابه بالربو.

 

إقرأ أيضا
زينهم

أخذت الطفلة وكانت الساعة وقتها الثانية صباحا، وذهبت إلى الدار وكان برفقتي زوجي وابنتي حبيبة، وبمجرد وصولي إلى الدار ..انظر إلى الطفلة أجد شفتيها قد حالت إلى الزراق التام، وبسرعة نزلت إلى زوجي الذي لم يصعد بعد، وخلفي ابنتي، وذهبنا إلى مستشفى أم المصريين وللعحب لم يقبلوا البنت، فليس لي أي أوراق رسمية لها، شرحت لهم وضع الطفلة، ولكن لا حياة لمن تنادي.. كل ما يدور في ذهني أن الطفلة بالكاد تأخذ أنفاسها .. الطفلة تفارق الحياة.. انقذوها!!  أنظر إليها أخاطب قلوبهم انقذوا الطفلة.. تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة.. إلى أن تشاجرت معهم وبات صوتي يعلو ويعلوا  إلى أن أخذوها، توارت خلف الغرفة الخضراء وقلبي يقفظ من محله.. جسدي بأكملها متوقف.. زوجي يتولى كل شيء وابنتي حبيبة تحاول أن تهدأني… خرج الطبيب بعد فحصها وعلى وجهه اللامبالاة وقال  إنها مريضة قلب!!.

 

همست لنفسي ..مريضة قلب!  نعم هذا صوت الطبيب يقول  مريضة قلب وحجم الثقب 3:50 من أصل 4!.. الأطباء كانوا رافضين إجراء العملية، فالحالة متأخرة، وهي مسألة وقت وتفقد روحها.

تماسكت وأجبرتهم على إجراء العملية، تدبرت أمري من هنا وهناك،  وبالفعل كانت العملية صعبة جدا، وظلت «حياة » خمسة عشر يوما فاقده للوعي في العناية المركزة، أتناوب عليها بين ابنتي ذات الـ 17 عاما وزوجي وأنا، إلى أن عادت للحياة وعادت طبيعية.. تكشفت عنها وبالفعل وجدت مكان الجراحة له أثر محفور في جانب صدرها الأيسر مائل قليلا إلى المنتصف، وبعض الندوب المتفرقة من أثر الحيوانات التي أنهشوها صغيرة.

 

سقطت بجانبها أداعبها وبالكاد أخد انفاسي واحتبس دمعاتي، حتى لا تشعر بشيء فهي الآن تفرق بين الأشخاص!! وأنا لا أريد أن أجعلها تشعر أو تشعر بأي عاطفة مشوبة بشفقة لا أريد أن تشعر بهذا أبدا ..أعلم أنها تعرف كل شيء.

هدنة مع نفسي حتى أتمكن من معرفة قصص كل هؤلاء، وعقلي  يجبرني أن أتساءل كيف لمستشفى كـ أم المصريين  أن ترى طفلة  تلتقط  آخر أنفاسها وكل هدفهم ورقة إثبات!!!  مجرد ورقة !! أين هدفهم الأسمى من إنقاذ روح ملاك طائرة!!.

الكاتب

  • دار الابتسام مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
10
أحزنني
4
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان