يرويها زكوة ..الحلقة الثالثة
-
عبد الجواد
كاتب نجم جديد
سلسلة مقالات عن الراحل أحمد زكي
اليتم يخلق من حولك حالة من الحب الرمادي ، فقدان الأب و غياب الأم جعلني وحيداً في بيت عائلة كل من فيه يُشعرني بالعطف و يأبى أن يعنفني عندما أُخطئ أو حتى يمط شفتيه رفضاً لسلوك معيب إقترفته ، كنت أشعر بحاجتي لمثل تلك القسوة التي رأيتها على وجه خالي عندما عاقب إبنه على حماقة إرتكبها ، لم تكن ملامح وجه منتقم لكنها نظرات تشع ذلك الحب ذو اللون الواضح الصريح الذي يتعارض مع تلك الجملة التي كنت أسمعها محشوة بنبرات عطف :
– معلش يا حبيبي …. ولا يهمك
كسرتني الشفقة ، جعلتني أخاصم الشكوى لأنها تجلبها ، صرت أتأمل لأتعرف على الأشياء و أفسر الأفعال و ما تسببه من نتائج لأتجنب أن أكون حملاً ثقيلاً على غيري فخلق التأمل صداقة عميقة لي مع نفسي و أحببتها لكنه كان قاسياً لما زرعه في عقلي من رغبة ملحة في التعبير عن أشياء لا أفهم أغلبها .
– بتكتب إيه ؟ ( سَأَلتْ )- أبداً ولا حاجة …. باسلي نفسي موش أكتر
كنت أجلس على سلم المبنى عندما بادرت عفاف – عرفت إسمها فيما بعد – التي عاتبتني على تجاهلي لهم ، كنت أشعر بغربة في أيامي الأولى بالمعهد العالي للفنون المسرحية ، لم تكن ثقة مفقودة بالنفس ، فقط هو إحساس الغريب عندما يتواجد بين أشخاص تجمعهم روابط ما ، سخرت عفاف من تفكيري و أخبرتني إنهم جميعاً لم يتعارفوا إلا هنا داخل أسوار أكاديمية الفنون.
تذكرت إنطلاقي في ورش و فصول و مسرح و مكتبة و فناء مدرستي بين أقراني الذين لم يُظهروا نحوي شفقة ، ربما لأنهم لم يكونوا على معرفة بتفسير صفة ( يتيم ) فكنا نمرح و نلعب و نمثل و نتشاجر و لا فوارق بيننا.
– أميرة … نفيسة …. آسيا ( نادت عفاف )
نظرت تجاه سريان موجات صوتها فوجدتهن يتقدمن نحونا ، تخيلت عفاف و هي تُعرفني عليهن و كأنها تغمس فرشاة في بالتة ألوان زيتية ثم ترفعها و تكتب الإسم على جبين كل واحدة منهن.
– ده بأه أحمد زكي
ضحكت نفيسة ، إندهشت بينما بدت علامات الترقب على وجوه عفاف و زميلتينا .
– إنتوا ما أخدتوش بالكم إنه بنفس إسم دكتور أحمد زكي ؟ ( فسرت نفيسة سبب ضحكها )
تَعجبت عفاف لأنها لم تلحظ من قبل بينما أميرة و آسيا ضحكتا .
عن المنتصر بالله.. هذا هو سر صداقة بفاروق الفيشاوي وقصة طلبه الذي لم يحققه مبارك
جلست و زملائي أمام المحاضر ، كنت قد تعرفت على إثنين آخرين من دفعتي ، مصطفى متولي و أحمد عبدالوارث .
– كويس يا أحمد ( قال المحاضر )
ولّدت إجابتي الصحيحة على سؤاله إهتماماً بي و رغبة في تمييزي .
– إسمك أحمد إيه ؟
– زكي …. أحمد زكي
تغيرت ملامحه فجأة ، سألني هل لدي نية في إحتراف التمثيل فأكدت على ذلك ، طالبني بتغيير إسمي إحتراماً للأقدمية لأنه سبقني في هذا المجال و لا يصح أن يكون لكلانا نفس الإسم ، طلب معرفة باقي إسمه فأخبرته .
– هايل … يبقى خليه أحمد عبدالرحمن أو أحمد بدوي و لو شيلت أحمد يبقى أحسن
صمت .
خرجنا بعد نهاية النهار إلى الفناء ، تركتهم يخططون لقضاء باقي اليوم و رحلت إلى غرفتي ، تمددت على فراشي ، كنت أفكر في ملامح الندية التي كست وجه المحاضر و هو يأمر تلميذه بتغيير إسمه .
في الصباح وضع عم لطفي كوب الشاي أمامي و أنا أجلس خلف طاولة في كافيتريا المعهد ثم أخرج من جيبه صندوق كبريت لم أر مثل حجمه الضخم من قبل مقارنة بالعُلب الصغيرة المألوفة ، أشعل سيجارتي و إنصرف.
– عبدالرحمن و لا بدوي ( سألني مصطفى متولي )
– و لا ده و لا ده …. هاسمي نفسي زكي رستم
إندهش مصطفى
أصله مات من زمان و مش هايعترض
أصيب أحمد عبدالوارث بهيستريا الضحك ثم إنتقلت العدوى إلى مصطفى متولي و تجمع من حولنا زملاء أعرف بعضهم و أجهل أغلبهم ليعرفوا سبب كل هذا الضحك .
الكاتب
-
عبد الجواد
كاتب نجم جديد