همتك نعدل الكفة
590   مشاهدة  

ما بين المواطن الرقمي والمهاجر الرقمي .. أنا جبت موز !!

موز


لا تسلني عن سر حبي للموز والفول السوداني..
كنت في السوق، أسير متبخترة كعادتي وتتداعى الأسئلة الوجودية اللعينة إلى رأسي: لماذا سُمي الموز موز ؟؟!!!، ولما سُمي الفول السوداني فولًا سودانيًا؟؟!!، ثم استرسلت التساؤلات حتى أوُحى إليّ بالسؤال الأعمق:
فيه حاجات كتير جدا في الكون ده بتكون محتاج تسأل أول واحد عملها كان بيفكر في ايه، زي مثلا اللي لقى زرعة الكرنب وفكر يلفها ويعملها محشي، أو اللي حط العسل الأسود على الطحينة، أو اللي سقسق البقسماط في الشاي بلبن، أو….
قاطعني منظر الموز أمامي في سباطته البديعة، بأصابعه الذهبية المتراصة في حسن وبهاء، قادتني قدماي – أو بالأحرى معدتي- إلى عربة بائعه، ولكني تذكرت أننا آخر الشهر وأنني وأمي مفلستان، فتراجعت عن فكرة شرائه.

موز

تذكرت وأنا أمضي ما قد أخبرني به الصديق سيف هنداوي عن كاتشب الموز، المصنوع من الموز المهروس والسكر والخل والتوابل، والذي يُصبغ باللون الأحمر ليشبه صلصة الطماطم، والذي تم إنتاجه لأول مرة في الفلبين خلال الحرب العالمية الثانية نتيجة لنقص الطماطم والإنتاج المرتفع نسبيًا من الموز، كذلك أخبرني عن الهيبز في الستينات الذين كانوا يقومون بتدخين قشوره مدعين احتوائها على مواد مخدرة، وكيف اكتشف الباحثون في جامعة نيويورك أنها لا تحتوي على أي مواد كيميائية مُسكرة، وأن تدخينها يعطي تأثيرًا وهميًا فقط، قال صديقي أيضًا أن قشور الموز بها سم زعاف، وأن العلماء اكتشفوا وجود سموم لمبيدات تُرش فوق قشوره خلال زراعته وفترة نضوجه، وتستخدم في مكافحة الآفات والفطريات والحشرات، لذلك أوصي نفسي وأوصيكم بغسل الموز فور إحضاره كما أوصى الأطباء في ألمانيا حسب موقع روسيا اليوم، والذين نصحوا بضرورة غسله جيدًا وكذلك اليدين بعد ملامسته، وغسل جميع الخضروات والفاكهة بالماء والصابون أيضًا.

موز
– مريم هاتيلي موز معاكي وانتي جاية..دكتور الريجيم كاتبلي موزة واحدة كل اسبوع…هاتي بكرة معاكي كيلو ولا حاجة.
هكذا أخبرتني شقيقتي، فأجبت :
_ تصدقي بالله أنا كنت نفسي فيه من اسبوع !
نظرت لي أمي شزرا وقالت بغيظ :
= يا بنتي لما تكون نفسك ف حاجة هاتيها على طول !
ابتسمتُ بامتنان وقلت :
_ مش مشكلة بقي…
في اليوم التالي عندما خرجت من عملي وجدتها أمامي، هذه الأصابع الذهبية البديعة وتلك السباطة المتراصة في حسن وبهاء وقد كُتب عليها عشرة جنيهات، تسمرت أمام البائع واشتريت منه ثلاثة كيلوجرامات كما شددت عليّ أمي، ثم اتجهت وأنا مبتهجة لموقف الميكروباصات، وما أن ركبت وتحرك السائق حتى فوجئت باتصال منها تخبرني فيه وتقول : مريم متجيبيش موز أنا جبت!!!
قفزت من مكاني وأنا أصرخ : أنا جبت موز !!!
لم أسمع منها ردًا.
-أنا جبت مووووز !!
لم تسمعني.
– أنا جبت موز…أنا جبت موووووووز
لم تسمعني ثم أغلقت هي الإتصال.
أرسلت لها رسالة قصيرة : أنا جبت موووز !..
فلم يصل التقرير بأن الرسالة قد وصلت.
قمت بالاتصال بها مرة أخرى : يا ماما أنا جبت موووووووز..
صاحت : بتقولي ايه يا بنتي؟؟؟؟؟؟؟.. أنا مش فاهمة منك حاجة !
أرسلت رسالة أخرى : أنا جبت موز…
ولم يصل التقرير للمرة الثانية.

اقرأ أيضًا 
بين إسماعيلية رايح جاي والفن السابع “اتنين عصير فراولة”

لسوء الحظ وفي تلك اللحظة سقطت الشبكة في أماكن تواجدنا، كان همي الأوحد أن استدرك واصلح تلك الكارثة قبل أن تعود أمي إلى المنزل، وقد توقف ذهني عند أمر واحد : أن تحاول هي إرجاع ما قد اشترته من موز إلى بائعه فربما لازالت تقف بجواره، ولكن وفي نهاية الأمر استطعنا التواصل فأخبرتها إن “أنا جبت موز”، فقالت باستسلام: خلاص بقي حنعمل ايه !!
كنتُ أتسلى بعد الأصابع من فوق الكيس البلاستيكي وأنا في طريق عودتي الى المنزل وأتساءل:
_ لو حد تعب فجأة، أو حصلتله اي كارثة، أو وقع في مصيبة والشبكة وقعت برضه كده ومعرفش يوصل لحد عشان ينجده ايه ممكن يحصل.

وتذكرت كيف كانت حياتنا قديمًا بدون وسائل اتصال أو هواتف نقالة، ولم أتمكن من التخيل، ثم تأملت كلمة (المواطن الرقمي) التي صاغها خبير التقنية الأمريكي مارك برينسكي، والذي قد أطلقها على هؤلاء الذين ولدوا في هذا العصر، العصر الرقمي وكيف أنهم يتحدثون لغته، وكيف أن اللغة الرقمية تعتبر لغتهم الأم، ونقيضهم الذين سماهم (المهاجرون الرقميون) وهم أولئك الذين يشتغلون بالتكنولوجيا كمن يتعلم لغة جديدة في مرحلة متأخرة من حياته، وكيف أصبحت هنالك فجوة واسعة بين المواطنين الرقميين والمهاجرين الرقميين، وابتسمت.
كانت الطامة الكبرى عندما عدت الى المنزل ووجدت أن أمي قد أحضرت ثلاثة كيلوجرامات من الموز وسعر الكيلو عشرة جنيهات أيضا، ذكرني الموقف بعبد السلام النابولسي في فيلم “شارع الحب” عندما قال : ابسطها يا باسط ، فدلقت زينات صدقي فوق رأسه حلة ملوخية، فأردف : كفاية متبسطهاش اكتر من كده !

إقرأ أيضا
مسلسل بدون سابق إنذار
الموز
الموز

دخلت من الباب ووضعت الكيس الممتلئ فوق منضدة السفرة وقلت لنفسي بابتهاج ممزوج بحسرة :
أنا كان نفسي ف الموز صحيح…بس مش 6 كيلو يعني…ولا بـ60 جنيه موز مثلا….وبعدين حغسلهم ازاي دول انا ؟؟!!
أنا جبت موز
متبسطهاش أكتر من كده
اغسلوا الموز قبل الأكل وبعده

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
5
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
4
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان