تذكرة ماتينيه..لماذا لم نكره مصطفى خلف المحامي؟
-
عبد الجواد
كاتب نجم جديد
في فيلم ضد الحكومة للسيناريست بشير الديك و المخرج عاطف الطيب ، أدى أحمد زكي شخصية محامي فاسد بدأ ظهوره في أحداث الفيلم بمرافعة للدفاع عن متهم في جريمة إغتصاب أنثى ، خلالها لم يكتف فقط بتبرئة موكله بل حول الفتاة المسكينة الضعيفة من ضحية أُنتهكت براءتها إلى أخرى مارست الجنس برضاها فجلبت العار لأهلها التي تعيش معهم في بيئة محافظة.
الإنطباع المباشر الذي يتكون في الأذهان عند قراءة خبر بهذا المحتوى في الصحف أو المواقع عن سلوك لمحامي بدون شك هو الكره الشديد الممزوج بالإحتقار، لكن في سيناريو فيلم سينمائي سنكون أمام معضلة كبرى حينما نجعل بطل الفيلم يواجه جمهوره بمثل ذلك الفعل المشين ، و من الجائز أن يرفض الممثلين قبول تمثيل شخصية بمثل تلك الوضاعة ، لكن ماذا فعل بشير الديك ليخبرنا بمدى ما وصل إليه فساد ذلك المحامي دون أن نكرهه؟.
صنع له مهارات و قوة شخصية و مكنه داخل مشهد بالسيناريو من إستخدامهما في التأثير على قاضي ليجيب طلباته في تنفيذ مثال توضيحي.
ناول مصطفى خلف المحامي قلماً إلى القاضي و دعاه لوضعه في دواية حبر يمُسك هو بها ، وجه القاضي القلم إلى أسفل في إتجاه الداوية لكن مصطفى خلف حرك الدواية يميناً فأخفق القاضي ثم أعاد المحاولة فكرر مصطفى خلف تحريك الدواية إلى الجهة الأخرى ، إحتار القاضي و نفذ صبره و تساءل كيف يصل للدواية و هي تتحرك ، وقتها نبهه مصطفى خلف بإستحالة وصول القلم و العبور من فوهة الدواية طالما تتحرك ، ثم ثبت مصطفى خلف العُلبة ففهم القاضي مقصده و حكم لموكله بالبراءة.
لم يجعل السيناريست في ذلك الجزء الإفتتاحي من الفيلم مرافعة شخصية المحامي تعتمد على الكلام حتى لا نسمع منه عبارات فجة تسيئ للفتاة فنكرهه و نسبه إنما أدهشنا بدهائه و هو ينفذ حيلته في توضيح ما يرم إليه من منطق خبيث عن إستحالة الإيلاج دون قبول فأصبح الإنطباع الأولي عن الشخصية هو الإنبهار و ليس الكره ، تلك مهارة بالتأكيد للسيناريست لأن التعارف على ملمح من صفات شخصية البطل الفاسد تم من خلال موقف درامي قوي لم يجعلنا ننفر منه.
في الدقائق التالية لهذا الموقف أفلت مصطفى خلف من الوقوع في قبضة رجال مباحث المخدرات بتهمة حيازة مُخدر الحشيش و دافع عن عاهرة تعمل في شقة دعارة و أنقذها من حبس مستحق وفق قانون العقوبات المصري و مع ذلك لم نكرهه أيضاً و زاد إندهاشنا بذكائه و مهاراته في إستغلال ثغرات القانون ، ثم إكتشفنا إنه يخون الأمانة و يتكسب من دماء ضحايا حوادث الطرق مستغلاً توكيلات أهاليهم في الحصول بدلاً منهم على التعويضات فتضررت الأسر من الفقر بينما يزداد رصيده هو في البنوك و رغم ذلك لم نكرهه و على الأكثر شعرنا فقط بإستنكار تاريخه المهني المخذي.
إقرأ أيضًا..فضيلة وشرف.. أم هلس في هلس؟
كيف لم نكرهه إذن ؟ لأن السيناريست أنقذه من الحبس عندما جعله يخدع الضابط و يقذف بقطعة الحشيش من شباك القطار المنطلق إلى القاهرة فضحكنا و لمعت أعيننا إعجاباً بسرعة بديهته ، كما أن المؤلف أقنعنا بأن لُعبته في تزوير الأوراق الرسمية ليحول دون محاكمة العاهرة الممسوكة داخل مقر تمارس فيه الدعارة العلنية مقابل أجر كان بدافع تعاطفه مع الفتاة و ليس مقابل أجر مادي أو إستغلال جسدي ، فقط هو التعاطف لإحساسه بأنها مُستغلة ربما بسبب الفقر فصدقنا مشاعره و أصبحت جريمته تلك مبررة و مقبولة.
كما أننا و نحن نكتشف خطيئته الكبرى في خيانة الأمانة و إستغلال أموال ضحايا الحوادث كنا قد رأينا نمط معيشته البسيطة و لمسنا جوانب إنسانية في شخصيته المتواضعة من تعامله مع المحيطين به كوكيله الذي يعتمد عليه في تبدير كل شؤونه و كخادمه و كغير باقي المتعاملين معه في محيطه و منهم على سبيل المثال أمين الشرطة الذي يدخل إليه غرفة نومه يشاركه إفطاره و سيجارته و هو يخبره ببيانات ضحايا حوادث الطرق و هو ما يدعم بساطته و تواضعه و حُسن تعامله مع البسطاء كما الشخصيات في الحياة فالأشرار هم بشر مثلنا ، ربما كنت أنا منهم رغم ما تحمله أنت لي من مشاعر إيجابية بسب مجاملات أبديها تجاهك أو إبتسامة تبو على ملامحي رداً على تحيتك أو نقود تراني أمد بها يدي لمساعدة فقير و هكذا كان مصطفى خلف المحامي فكيف نكرهه.
كل هذا و نحن نتحدث عن الشخصية داخل الفيلم في بداية الأحداث قبل أن يمر بتلك التجربة التي غيرته و جعلته يعود إلى طريق الصواب.
الكاتب
-
عبد الجواد
كاتب نجم جديد