حكاية رجل محترم .. بيلم سبارس
-
محب سمير
كاتب نجم جديد
باعتباري مدخن طيب.. أشفق كثيرا على أولئك الذين لا يملكون حق السجاير لكنه بيحب يدخن.. نفسه في سيجارة يا جدع.. ليس ولاد الوس*ة الخبثاء البخلاء الذين “لا بيبطلوها ولا بيشتروها” وراميينها على من حولهم.. سيجارة من كل واحد يشوفه.. بل أقصد “شحاتين السجاير”.. أيوه يا سيدي الفاضل حتى التسول بقى فيه تخصص.. وده كمان موضوع قديم ..فجأة تلاقيه داخل عليك وينطق جملة واحدة فقط “هات سيجارة..ستجدهم الأكثر فقرا وقذارة في الشوارع.. أولئك الذين يتركون شعورهم تتدلى وتعمل “راستا” طبيعي من ندرة الاقتراب منها سوى للهرش.. اللي بنقول عليهم “مجاذيب” أو مجانين تم تسرحيهم من مستشفى العباسية على فترات ليرعوا وسط باقي المجانين اللي بره.. وقد قابلت بعضهم رفضوا ياخدوا فلوس لما عرضت عليهم.. فقط يطلب مني سيجارة كمان ويبقى كتر خيرك.
لكن هذا الرجل هو أكثر من فشخ خيالي وفضولي الحقيقة.. واحد تاني خالص غير اللي عمال أوصفلك فيهم فوق دول.. كما يقولون في القصص.. “رجل خمسيني، قصير ونحيف.. تنبت له لحية بيضاء، خفيفة”.. دقنه في منطقة ما تعرفشي هو مربيها قريب ولا مكسل يحلق.. يرتدي أغلب الوقت
جلباب بـ”زراير”.. يعني جلابية إفرانجي مش صعيدي.. وشبشب جلد أو صندل وشراب لو في الشتاء.. بالإضافة للبالطو فوق الجلالبية لو في نفس توقيت الصندل.. أنا الآن أصفه لك من البلكونة في الدور الثالث حضرتك.. الساعة 3:45 فجرا.. والغريب أن الراجل دقيق جدا في مواعيده.
سواء لابس الصندل أو في التوقيت الصيفي.. مما جعلني لا أميل لفكرة الربط بين ميعاده وتوقيت صلاة الفجر مثلا.. كل ليلة “الراجل ده” يعدي في التوقيت ده، وأنا أقف في بلكونة بيتنا، قادما من آخر الشارع.. ينحني، ثم يستقيم ويكمل سيره.. يوطي لا مؤاخذة تاني يلقط حاجة من الأرض ويتعدل تاني ويكمل مشي.. كل يوم.. وكل ليلة.. صيفا وشتاء.. و”الراجل ده” بيعمل نفس اللي بيعمله وأنا واقف في البلكونة.. صدقني لو لم تكن قرأت عنوان المقال وال كام جملة اللي فوق ده، كنت احترت نفس حيرتي.. واقطع دراعي لو كنت تتخيل إن الراجل ده “بيلم سبارس”!.
بيلم سبارس” لقب يطلق على فئة عجيبة مريضة بمرض أعجب في عالم المدخنين.. لكن اللي “بيلم سبارس” في الغالب بيبقى طفل متسول مثلا.. أو مجذوب.. داير يلقط في أعقاب السجائر من الأرض ليشعل ما تبقى من أنفاس تركها من رمى السيجارة شفقة بصدره.. أو بالسيجارة نفسها.. هذا هو الشكل الذي تعودت أن أرى فيه شخصية اللي “بيلم سبارس”.. لكن “الراجل ده” أدهشني.. فهو لا يبدو عليه الجنان أو الفقر.. مما جعلني أشك أنه ممكن يكون بيستخدم أعقاب السجاير في اختراع ما مثلا! جايز! لكن ما جعلني أخبط دماغي في الحيط.. هو أنني لم أجد أي نفع لأعقاب السجاير في الحياة غير إنها تتعمل نبلة بأستك للعيال الصغريين، زي ما كنا بنعمل وإحنا مساخيط!! وعرفت مؤخرا أن الإخوة الصينيين يستخدمون أعقاب السجائر دلوقتي في عمل الأسفنج المحيط ب “دريكسيون” السيارات.. تختيل؟! يعني العربيات دلوقتي بقت بتجيب سرطان!.
دعني أحكي لك كيف عرفت أن “الراجل ده” بيلم سبارس.. لأنني لم أكن وقتها قد قرأت ما أنت تقرأه حالا لأعرف.. في الحقيقة، في اليوم الثالث أو الرابع، مش فاكر، من مراقبتي للراجل ده توقعت أنه قد يكون “بيلم سبارس”، وحتى أتأكد من ظنوني دي، فقد قررت أن ألقي بسيجارة من البلكونة في الشارع قبل مروره بدقيقة، أو عندما أراه قادما من أول الشارع.. لأشاهد ماذا يفعل.. وهل سينحني كعادته ليلتقط السيجارة الطعم؟! وأتأكد أنا من الشكوك اللي هاتقتلني.. وبالفعل عندما جاء موعد مروره من تحت البلكونة، انحنى والتقط السيجارة وانتصب لامؤاخذة، وتلفت يمينا ويسارا ومشى مسرعا كمن وجد كنزا.. شعرت وقتها بنجاح أول خطوة من الخطة لمعرفة حكاية “أم الراجل ده “.
. تاني سيجارة في تاني يوم.. هذه المرة أول ما شاف السيجارة انتظر لثانيتن أو ثلاثة لا أكثر يفكر هل يأخذها أم لا.. لأنه مؤكد من قرارة معاميعه من جوه عارف إن الموضوع مش ممكن يكون صدفة.. واحد “بيلم سبارس” يلاقي سيجارتين في يومين ورا بعض، في نفس المكان، في نفس التوقيت.. والأهم إنها نفس نوع السيجارة (سوبر) .. كان لازم يشك.
ولكن لأن الكيف بيذل فقد انحنى ثانية وأخذ السيجارة.. ودون أن يلتفت في أي اتجاه أسرع في خطاه ليكمل طريقه.. ويبقى يفكر بعدين في الموضوع ده.. السيجارة الثالثة فقط لمحها لكنه لم ينحن ليأخذها.. كما لم ينحن قبل البلكونة أو بعدها مطلقا لاتقاط الأعقاب كما تعود كل ليلة.. فقط وضع يديه في جيوب جلبابه ومشى سريع الخطى زي ما بيقولوا.. وهو ما توقعته الحقيقة.. فالرجل في النهاية يبدوا عليه أنه محترم.. حتى لو كان مريضا بمرض عجيب زي ده.. أو بخيل لدرجة فانتازية جعلته يحب السجاير لكنه لن يدفع فيها مليم .
وفي نفس الوقت عنده كرامة قوي واستحالة يقضيها شحاتة سجاير من ده وده.. فيتفتق ذهنه العبقري عن هذا الحل” يلم سبارس”.. على الأقل الراجل مش حرامي وبيسرق السجاير.. بصراحة أنا بقولك بعض السيناريوهات العبثية التي عشت فيها ومعها حيال كل اللي بيعمله “الراجل ده”.. واسرح أنت وكمل يمكن تلاقي له حل.
الكاتب
-
محب سمير
كاتب نجم جديد