حين تؤدي نصرة رسول الله إلى مصير الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
يمكن أن تؤدي بنا نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصير الخاسرين الذين ينطبق عليه قول الله سبحانه وتعالى “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”.
اقرأ أيضًا
أنا وسيدنا محمد
الجميع يسعى لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم عمليًا أو المفترض كذلك، غير أن الآونة الأخيرة ظهرت ردود أفعال إزاء الرسومات المسيئة من المسلمين غلبت عليها روح العاطفة واكتنف شعور الغضبة أحاسيس الغيرة على رسول الله.
كيف تتم نصرة رسول الله حقًا ؟
أساس مفهوم نصرة رسول الله أن لا تكون شعورًا عاطفيًا مبني على انفعال وإنما رؤية تنتج وعيًا وتبني استمرارًا، فالنصرة التي تأخذ من الشعارات مثل فداك أبي وأمي يا رسول الله، وإلا رسول الله، ونحو ذلك من الجمل البراقة ذات الغضب تعد أمرًا سهلاً، لكن خطورتها أنها لا يمكن ظهور عمقها في قلب المؤمن إلا إذا صدقه العمل، فمفهوم نصرة النبي الحقيقية أن تظهر آثارها على الجوارح قولاً وعملاً.
أول ملامح النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم هي المحبة لكن ليست محبة الكلمات الرنانة في المنابر أو ترديد أبيات المديح، وإنما المحبة هي أن يميل المسلم إلى رسول الله ميلاً يتحلى فيه إيثاره عن كل من سواه من البشر.
قال القاضي عياض في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى “وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان، وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه، كحب الصور الجميلة، والأصوات الحسنة، والأطعمة والأشربة اللذيذة، وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة ، كمحبة الصالحين والعلماء وأهل المعروف، والمأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم، والتشيع من أمة في آخرين ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان، وهتك الحرم، واحترام النفوس، أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه، فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها”.
ثاني ملامح النصرة تكون عبر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، وبدون الطاعة والاقتداء تصير النصرة مجرد أكذوبة لأن طاعة الإتباع مقترنة بالمحبة مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ” وعن هذه الآية قال الحسن البصري “هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله”، وهذين الملمحين سيؤديان لملامح أخرى مثل الصلاة عليه وذكره، لكن هناك ملمح آخر يختلط فيه المسلمين وهو ملمح الولاء والبراء.
الولاء والبراء .. تفكيك القنبلة الموقوتة
غضب عارم استبد بالمسلمين إزاء الرسومات المسيئة وصل للسب والقتل في تطبيق خاطئ لمفهوم الولاء والبراء، شرعًا فإن معنى الولاء النصرة والمحبة، والبراء هو البغض والعداوة بعد الإنذار والإعذار وزاد السلفية على الإعذار والإنذار أن يكون هناك قتال لإظهار العداء.
لكن ما وقع فيه المسلمين من خلط هو السب لكل ما هو غير مسلم وقتل من لا دخل له بالموضوع وفي الأساس حتى من له دخل بالموضوع في شارلي ايبدو وغيرهم لا يستحقون القتل ولو كرروا ما فعلوا.
دليل ذلك من القرآن الكريم فالله سبحانه وتعالى نهى عن سب من كفر به حيث قال سبحانه “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ”، كذلك نهى الله سبحانه قتال غير المسلمين مالم يقاتلوا المسلمين في الدين قال سبحانه “لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”.
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال