همتك نعدل الكفة
4٬855   مشاهدة  

علاقة “المرتديلا” بـ “رمسيس” في ملوي

ملوي


تغيرت مدينة ملوي كثيرا في الثلاثين سنة الأخيرة.. كما تغيرت مصر كلها.. لكن ملوي لها طبيعة خاصة، بسبب تركيبة سكانها، فهي ذات أغلبية مسيحية.. قرى بالكامل شرق وغرب النيل سكانها مسيحيون بالكامل، ما جعلها مرتعا للعمليات الإرهابية في ثمانيات وتسعينيات القرن الماضي.. وزحفت التيارات الإسلامية وتغلغلت في النسيج “الملواني”، لاسيما القرى.

في قريتنا مثلا “البرشا”، شرق نيل ملوي، وهي قرية تعتبر نموذجية في العلاقة بين المسيحيين والمسلمين الحقيقة، لأسباب أخرى غير السماحة وتقبل الأخر، لكنها لها علاقة بتوازن القوى في القرية.. لا توجد أغلبية متحكمة.. يتساوى العدد تقريبا، كما تتساوى مراكز القوة والنفوذ.. لذا يتحكم العقلاء في أي بادرة إثارة للفتنة تصدر من أي طرف.. ويتفق الجميع على أن العيش في سلام أفضل.

ملوي
لكن زمان في قريتنا، كان المسيحيون والمسلمون يسكنون بنفس الشوارع.. لا يمكنك أن تقول أن المسيحيين مثلا يسكنون في منطقة كذا، والمسلمين يسكنون في ناحية أخرى.. لكن هذا الوضع تغير تماما.. فكل مسلم تقريبا في يسكن في شارع مسيحي باع بيته واشترى أخر بجوار المسلمين، كذلك فعل المسيحيون الذين كانوا يسكنون في شوارع ومناطق ذات أغلبية مسلمة، بل إن عدد كبير من المسيحيين قاموا بشراء أراض في صحراء “دير البرشا”،التي يقطنها مسيحيون، وبنوا فيها بيوت وسكنوها،  فقط ليكونوا وسط مسيحيين مثلهم.

ملوي
ملوي

بالعودة إلى “ملوي”، التي كانت تعتبر أهم المدن التجارية في الصعيد، اكتشفت مؤخرا أمرا مثيرا للدهشة، فقد كنت أسأل منذ فترة على “مرتديلا” لحبي لها.. لكني لم أجد ولا محل بقالة واحد يبيعها.. بالطبع كنت أسأل أصحاب المحلات المسيحيين لحساسية الأمر، فالمعروف أن “المرتديلا” تصنع من لحم الخنزير المحرم أكله في الإسلام.. رغم ذلك كانت تباع المرتديلا زمان في ملوي بدون حساسية، سواء كان البائع مسلما أو مسيحيا.. بل إن ملوي كانت أحد أهم المراكز في الجمهورية التي تربي بعض قراها الخنازير بأعداد ضخمة، مثل قرية “دير أبو حنس” وقرية “البياضية”، قبل إعدام الخنازير فيها بداية الألفية الحالية بسبب ظهور إنفلونزا الخنازير في مصر.

 

إقرأ أيضًا…

قرية درنكة بأسيوط..كيف جعلتنا نمقت الشتاء كما نحبه؟

ربما لم يكن هؤلاء الباعة المسلمين يعرفون أنها تصنع من لحم الخنزير.. لكن لماذا لا يبيعها أصحاب البقالة النصارى؟ ربما يخشون على مشاعر زبائنهم المسلمين.. ولكن الاحتمال الأقرب هو الخوف من بيعها حتى لا يعزف المسلمون عن الشراء منهم أو حتى دخول محلاتهم من أصله.. في القاهرة مثلا، كنت عندما أحتاج شراء المرتديلا، كنت أذهب إلى شبرا خصيصا، حيث يوجد محل “مرقص” أشهر محل لبيع لحوم الخنزير ومشتاقته، والرجل يضع لافتة كبيرة على محله مكتوب عليها “كل منتجاتنا من لحوم الخنزير”.. وقد كان له فرع أخر في وسط البلد وأغلقه منذ فترة طويلة ولا أعرف السبب.

إقرأ أيضا
تراث الأزهر

عندما سألت واحد قريبي عن محل يبيع المرتديلا  في ملوي أخبرني بأمر غريب.. فقد أكد لي أن هناك العديد من أصحاب المحلات المسيحيين في ملوي يبيعونها في الخفاء.. ليس هذه فقط، بل أن هناك كلمة سر تقال للبقال ليعرف أنك تريد مرتديلا.. كل ما عليك هو أن تقف أمامه وتقول له “عايز رمسيس” فيفهم البائع أنك تريد مارتديلا إذا كان يبيعها.. وإن لم يفهم فذلك معناه أنه لا يبيعها.. وطبعا في الحالتين لن يفهم الزبون المسلم الذي يقف بجوارك ما تطلبه ولن يسأل.. فقط سينتظر البائع ليعطيه ما يريده، بعدها يعطيك “رمسيس” الذي تطلبه.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
9
أحزنني
3
أعجبني
3
أغضبني
2
هاهاها
4
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان