أنا و عبد الحليم حافظ .. يرويها زكوة 11
-
عبد الجواد
كاتب نجم جديد
أنا والعندليب عبدالحليم حافظ
خرجت من غرفتي بـ المسرح بعد طلوع الفجر إلى الشارع الخالي كنت أركل الحجارة الصغيرة المتناثرة من حولي بمقدمة حذائي في غضب فتتدحرج على سطح الأسفلت إلى مسافات بعيدة لكن إحداها إرتطمت بأخرى تقف مستقرة في منتصف الطريق فإرتفعت الأولى كرصاصة منطلقة من فوهة مدفع و كادت أن تحطم زجاج سيارة مركونة تبعد عني ما لا يقل عن عشرين متراً ، شعرت بالخضة و فكرت فيما كنت سأواجه إذا إنكسر الزجاج فتوقفت عن الحماقة و سرت بلا هدف .
وجدتني أقف أمام عمارة صلاح جاهين ، رفعت رأسي إلى شرفته ، تردتت قليلاً ثم ناديت بإسمه ، كررت النداء حتى خرج بجذعه من شباك مجاور للشرفة مرتدياً طاقية صوف و بلوفر فوق بيجامته الكستور، طالبته بالنزول لكنه تراجع للخف و أشار لي بيده دون أن ينطق كي أصعد إليه ثم أغلق ضلفتي الشباك .
وقفت أمام باب الشقة بينما هو ينظر إلي مندهشاً و أنا أعبر له عن غضبي من عبدالحليم حافظ .
– أنا مش زعلان … أنا حزين ، ده إحنا شَبه بعض في كل حاجة .. حتى البلهارسيا يا عم صلاح
- إنت عندك بلهارسيا ياله ؟
- خفيت منها
– يبقى كده ما تبقاش شبهُه ( قالها و ضحك )
- بتهزر يا عم صلاح و أنا شايط و هافرقع ؟
- أنا إللي فرقعت خلاص من حليم عشان إتبدست و صحيت من أحلاها نومه
شعرت بالخجل و أعتذرت عن إزعاجه فنهرني و أرشدني إلى كنبة سرت إليها و جلست بينما غاب هو برهة و عاد يحمل غطاءاً و جلباباً .
إقرأ أيضًا….
- من بكرة هلف على كل المخرجين إللي في مصر سينما و مسرح و تلفزيون و إذاعة هاخليك تشتغل و ماتبقاش فاضي تصحيني تاني
ضحكت فإبتسم في حنان بالغ و ألقى علي التحية و هو يتجه إلى غرفته ، شعرت بطمأنينة غير معتادة ، تنهدت ثم بدلت ملابسي و رقدت فغلبني النوم .
في طريقه إلى جريدة الأهرام كنت أجلس إلى جواره بينما هو يقود و نحن نستمع معاً إلى الإذاعة و ندندن مع نغمات المقدمات الموسيقية للبرامج ، لم أكن أشعر بثمة تأثير مما أزعجني بالأمس ، و كأن شيئاً لم يحدث ، نزلت بينما إستأنف هو القيادة مبتعداً بالسيارة .
وصلت إلى مكان عربة الفول ، وجدت سامي السلاموني و فؤاد معوض و جمعة فرحات يأكلون في صمت و ملامح وجوههم توحي بالشرود ، وقفت بينهم متأملاً دون أن أشاركهم ، كنت قد تناولت الإفطار في منزل صلاح جاهين لكنني رغبت في مقابلتهم ، سألت عن سبب تعكر أمزجتهم فعلمت منهم أنهم قضوا ليلتهم في الحبس لأن أحد الأشخاص الذين كنا نقابلهم يومياً حول عربة الفول ليشاركنا أحياناً المزاح و تبادل النكات و نعرفه بأنه موظفاً في وزارة الأوقاف لم يكن إلا ضابطاً بالمباحث مكلفاً بمراقبة شلة المثقفين التي أصبحت فرداً فيها مؤخراً و أنه كتب في تقريره أننا ننتمي إلى تنظيم شيوعي و قد دلل على إتهامه لنا بإنتظامنا يومياً في تناول الفول في الصباح ثم أخبروني أنني نجوت من مصاحبتهم لأن قوة من الشرطة ذهبت إلى مقر سكني في البنسيون و لم تجدني . إندهشت فأكدوا لي أن الموضوع إنتهى لأن رؤسائه لم يعيروا تحرياته أهمية ، ضحكت ثم تقمست شخصية ضابط برتبة أعلى من رتبة الضابط الذي إنتحل شخصية الموظف و ضيع من عمره أياماً في مراقبتنا و تخيلت الضابط الأعلى رتبة و هو يوبخ مرؤوسه.
- بتهزر يا أفندي .. شيعويين عشان كل يوم بياكلوا فول ؟ … علي كدة البلد كلها شيوعيين !!! … إفرج عنهم فوراً ( قولتها ثانيةً بطريقة أداء عبدالحليم حافظ ).
ضحكوا كثيراً فأعدتها عليهم مستعيناً بشخصية محمود المليجي و مرة أخيرة كررتها مُقلداً المطرب شفيق جلال و توقف المارة مندهشين من أصوات ضحكاتنا التي كانت مسموعة رغم ضجيج السيارات من حولنا.
ذهبت إلى المسرح مبكراً متجنباً رؤية أحد من زملائي ، أغلقت بابي و جلست مستغرقاً في القراءة ، لا أدري كم من الوقت قد مر حين تجاهلت دقات هادئة سمعتها ، تكررت الدقات دون تغيير في نمطها ثم سمعت صوت سعيد صالح يناديني مُقلداً صوت عبدالحليم حافظ.
- يا سعيد يا صالح إبعد عني الساعة دي لحسن و يمين الله لو طلعت هاكسرلك مناخيرك ( قلت في غضب )
- و الله يا أحمد أنا حليم … إفتح من فضلك.
تنافرت عروقي من شدة الغضب و قمت عازماً على لكم سعيد في وجهه ، فتحت الباب بقوة لكنني فوجئت بعبدالحليم حافظ يقف أمامي ، تخشبت ملامحي من المفاجأة ، إحتضني حليم في مودة صادقة و إعتذر لي عن عدم مروره على غرفتي بالأمس ، شعرت بمحبة طاغية تجاهه و إمتنان لمشاعره و إحترام لتواضعه و حُسن أخلاقه ، رحبت به بشدة و دعاني لزيارته في بيته ، أحسست وقتها أن القدر لن يخيب ظني و سأصبح نجماً مثل شبيهي حليم.
الكاتب
-
عبد الجواد
كاتب نجم جديد