عبد الرحمن حسنين .. المصري الذى بنى جدة وأبو ظبي

(1) الهندسة:

حقق عبدالرحمن حسنين مخلوف، المولود عام 1924، حلم حياته في الالتحاق بقسم العمارة كلية الهندسة عام 1947، كان الطفل الذي اعتاد قضاء أوقات فراغه في أحضان كراسة الرسم وتصميم أشكال هندسية غريبة، قد لفت انتباه إخوته الكبار الذين ساروا على درب والدهم الشيخ الذي وصل إلى منصب مفتي الجمهورية بعد ثورة يوليو في التعليم الديني، إلا أن تلك الموهبة جعلت الجميع يدعمه في التعليم العادي حتى تخرج من كلية الهندسة عام 1950، وكان الأول في ترتيب دفعته، ليُعيّن بعدها معيداً في الكلية عام 1951.

تحصل على الماجستير من جامعة القاهرة ثم تحصل على الدكتوراه من جامعة ميونيخ عام 1957.

كان عبدالرحمن الذي نشأ في بيت رفعت كل حوائطه صور الحرمين في مكة والمدينة، معلّقاً بتصميم المباني وأشكالها، بالإضافة إلى القداسة الخاصة التي جعلت للحرمين صورة خاصة داخله لا تفارق عينيه لحظة.

(2) السعودية:

عقب الدكتوراه انتُدب الدكتور عبد الرحمن للعمل في الأمم المتحدة خبيراً لتخطيط المدن، وبعدها بعامين طلبت المملكة العربية السعودية من المنظمة الدولية خبيراً مسلماً لمعاونتها في إعادة تخطيط مدنها عام 1959، ليتحقق حلم الشاب الذي لم يغادر قلبه منذ طفولته، وينتقل لمدة 5 سنوات عاشها بين رحاب المدينتين المقدستين مكة والمدينة المنورة، وساهم في تطويرهما مع تخطيط جديد لمدينة جدة وينبع وجيزان.

5 سنوات قضاها الدكتور عبد الرحمن حسنين مخلوف في حلمه الذي عمل له بجد طيلة 35 عاماً، هي كل عمره حين وطئت قدماه أرض المملكة للمرة الأولى، ثم غادرها عام 1964، عائداً إلى القاهرة لمعاودة التدريس الجامعي.

(3) مدينة الملاهي:

بعد عامين من التدريس الجامعي انتُدب مخلوف عام 1966 مديراً عاماً لإدارة التخطيط العمراني للقاهرة الكبرى، فقام بتكوين الهيكل التنظيمي للجهاز التخطيطي والتنفيذي، وقدم إلى جمال عبدالناصر خطته الطموحة لإعادة تخطيط وتطوير القاهرة، والتي ضمت حينذاك كوبري أكتوبر في مستويين (دورين) كل مستوى 4 حارات بحيث يكون كل مستوى في اتجاه عكسي للآخر، وضمت الخطة مشروع الطريق الدائري بعرض 6 حارات في كل اتجاه للبدء في تنفيذه عام 67، وكذلك ضمت إعادة توسيع كل مداخل ومخارج القاهرة – مثل طرق الإسكندرية والإسماعيلية والصعيد – إلى 6 حارات في كل اتجاه، مع منع إقامة أي مباني على ضفتي الطريق لمسافة 75 متراً تحسباً لأي توسعات مستقبلية، وهي الخطة التي اعترض عليها الخبراء الروس ونصحوا ناصر برفضها لأنها لا تجعل من القاهرة مدينة اشتراكية، وكتبوا على الدراسة المخصصة لها تعليقاً وحيداً بالقلم الأحمر «هذا تصميم مدينة ملاهي».

(4) أبو ظبي:

في عام 1968 الْتقى الدكتور عبدالرحمن بالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (حاكم أبو ظبى)، بعد أن أوفدته الأمم المتحدة للمساعدة في التخطيط العمراني لمدينة أبو ظبي، وهناك عيّن مديراً لتخطيط المدن في أبو ظبي حيث تولى التخطيط، وإنشاء دائرة لتخطيط مدينة أبو ظبي والعين، وخلال 7 سنوات نجح في إنهاء خطته، وشارك مع أول رئيس لدولة الإمارات بعد الاتحاد، في اختيار أسماء الطرق والمناطق، ثم انتُدب للتعليم الجامعي في  كلية الهندسة بجامعة الإمارات حتى عام 1985، بعد أن أسس المكتب العربي للتخطيط والعمارة، وقام من خلاله بالعديد من المشروعات العمرانية والتخطيطية في الإمارات بدءاً من عام 1976.

(5) التكريم:

إقرأ أيضا

كواليس تلاوة 27 رمضان الشهيرة للشيخ عبدالباسط عبدالصمد في المسجد الأقصى

في عام 2010 حاز المهندس عبد الرحمن حسنين مخلوف على جائزة أبوظبي، إلى جانب ثمانية آخرين كل في مجاله.

وقد قام بتكريمه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليكون تكريمه بعيداً عن وطنه الذي رفض خطته يوماً ما، وقال عنه: «إنه شرف كبير أن أفوز بهذه الجائزة القيمة جداً، وأنا إلى غاية اليوم لم أستوعب أنني تحصلت عليها، وأقول شكراً لمن كرمني وشكراً لمن رشحني، وهذه الجائزة جاءت تتويجاً لكل أعمالي وجهودي، ومازالت على استعداد لإعطاء المزيد».

لكن المهندس الرائع، كتب في مذكراته أن إنشاء الطريق الدائري بعد خطته بما يزيد عن 40 عاماً، وكذلك إنشاء مرحلة من مراحل كوبري أكتوبر تكريمٌ في حدّ ذاته.

فتلك الدولة التي رأت تصميماته يوماً ما لا تصلح سوى لمدينة ملاهي، قد بقيت فقط عاصمتها قادرة على التنفس وسط الاختناق المروري الرهيب بفضل جزء صغير من خطته الهندسية قبل نصف قرن.