خلوة الغلبان .. معاناة إنسان فقد ” عزيز” من أجل لقمة العيش
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يجلس على كرسي خشبي في وسط جانب الطريق.. يطلق زفرات رتيبة من دخان سيجارته الأسود ..سارح في ملكوته أو في خلوتة الخاصة ” خلوة الغلبان ” .. أو كأنه يشكي له فراق الأحباب، أو يحكي على أوتاره معاناة الحياة .. تلك الحياة البائسة التي تاه فيها.
يرتدي مسبحات طويلة في يده وبين أصابعه أخرى يحركها ببطئ مميت، وعلى رأسه طاقية بيضاء مغبرة من أثر العمل في الشارع ليل نهار.. يا لها من مفارقة ..دخان سيجار و مسبحة… أي ملكوت أنت فيه يارجل !!..
انعكس ضوء خافت على وجه، يرفع رأسه كأنه يتحدى الحياة.. لحظات وانطفأت سيجارته وأشعلت حنجرته ينادي على ابنته الصبية التي تبيع لعب الأطفال في محل مجاور له .
خرجت تلبي ندائه بكل نشاط، طلب منها أن تصنع له كوبا دافئ من الينسون ليهدئ صدره .. رجل عجيب سيجار ومسبحة ومعاناة مع الكحة .. ويجلس يبيع البخور والعيون الزرقاء .
انهزام واضح على خطوط وجهه.. اقتربت منه وأنا أعرف أنني سأسمع شيء لن يسرني، على أية حال مسن يجلس على قارعة الطريق يدخن السجائر ويبيع السبح والبخور وابنته التي قد تكون في منتصف عقدها الثاني تبيع في محل صغير لعب الأطفال .. أي مأساة غير هذا..
اقتربت منه شيء فشيء وفاجئني بضحكة لم تصل إلى عينيه، أعتقد أنني « زبونة» ستشتري منه أي شيء من عربته الصغيرة المحملة بالبخور، لكن أنا لست هنا لأشتري!.. أنا هنا لأعرف ماذا بك لماذا كل هذا الحزن القابع في عينيك..
انصدم الرجل وأخفى ضحكته الميتة وجعد جبينه.. لكن سرعان ما عاد لحالته الأولى ..وابنته تلك تعطيه الينسون، وطلب منها أن تعد لي واحدة وجلسنا سويا نتحدث…
برتابة واضحة يحكي أنا هنا في مكاني منذ حوالي أربعون سنة أجلس بجوار السيد أحمد البدوي أبيع البخور والسبح، أعطي بخوري بمحبة لزوار شيخ العرب ..مداااااادددد!!
وأكمل البخور أساسي في منطقة السيد البدوي يأخذه المريدون، يتباركون به، و يتهافت عليه المقيمون هنا لانه يجلب الملائكة ويبعد الشر، وفي مولد شيخ العرب يأخذونها بكثرة تعبيرا عن حبهم لآل البيت ينثرونه في مواكبهم ..يتباركون به .
وأكمل ببسمة مريرة حياتي كما هي جئت هذا المكان مع أمي التي كانت تبيع أيضا البخور والسبح ورثت مكانها.. فهم يموتون ويتركونا للحياة تفعل بنا ما تشاء ..بكى ..!! هذه دموع!!
في عقلي هذه الدموع ليست دموع فقد لأم ماتت منذ مايقرب من خمسة عشر عاما… قلت بصوت خافت « وحد الله ياعم حامد» .. ليرد من بين دمعات غادرة ابني وحشني..
ابنك .. صدمة.. .. تعاطفت لدمعات هذا المسن لا أعرف ..
لحظات وعاد إلى طبيعته الرتيبة يحكي ..ابني محمد مات منذ حوالي تسعة أشهر ..الولد الذي كان يرعاني وعوضني خمس سنوات عن الشقا .. نزل السوق وعمل واشتغل في « الفاعل» جوز أخته الكبرى، وكان يستعد لزواج أخته الأخرى.. لكن القدر لم يرحمني وأخذ ابني الوحيد..
واتكأ الرجل على قدمه لينحني ظهره ويقول بكل قسوة الحياة.. كان ابني محمد واقف على سقاله يعمل من أجل لقمة العيش ولكن حدث مالم يكن على البال ..سقط .. سقطتنا نحن… سقط ولم يأخذ أحد حقه ..سقط من الدور الـ11 وهو يعمل في البناء .. فلا حقوق له ولا أي شيء هو فقط عامل بناء !!
رفع عينه قليلا يطلب من الحياة أن تعطيه الفرصة لتجهيز ابنته الباقيةش التي تعمل بالمحل جواره .. أزوجها و ارتاح ..حتى وإن مت سأعرف أنها مع رجل وليست في الشارع وحدها تعاني الحياة
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال