كافور الإخشيدي .. “الحبشي الذي دعا أن يحكم مصر فاستجاب له الله”
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
البلاء مُعلق بالنطق به، مقولة شهيرة يؤمن بها الملايين حول العالم، ولكن هل البلاء فقط يرتبط بما ينطقه المبتلى، أم الأقدار الجيدة مرتبطة هي الأخرى بما ينطقه الشخص؟، هذا بالضبط ما حدث مع كافور الإخشيدي وصديقه الذين بعد القبض عليهما وإرسالهما في قافلة متجهة لمصر ليتم بيعهم في سوق العبيد.
وبمجرد أن وطأت أقدامهم أرض مصر، تمنى كل منهما أمنية مختلفة، فالصديق تمنى أن يكون سيده طباخ، حتى لا يعاني من الجوع، أما كافور الإخشيدي فقد تمنى أن يكون هو حاكم البلد بأكملها، وتفرق الصديقان، وعندما تقابلا مرة أخرى، كان كلًا منهما وصل لما تمنى!.
كافور عبد بن وهب
كان كافور ذو جسد قوي وملامح بارزة، جعلته محط إعجاب الكثير من سادة البلد، ولكنه وقع في نصيب تاجر كبير، والذي كان يمثل أسوأ أنواع السادة، بسبب اهانة كافور الإخشيدي وضربه، والسخرية من لون بشرته، وتكليفه بأقسى المهام، وحتى حرمانه من النوم، باختصار كانت حياة كافور معه عبارة عن تعذيب خالص، حتى ذلك اليوم الذي قرر فيه سيده أن يعرضه للبيع، بعد أن امتص قوته وصحته تمامًا، وأخذه الكاتب المشهور “محمد بن وهب”، كان كافور في حالة مزرية وقتها، صحته هزيلة، شفاهه مثقوبة، مشوه القدمين، ويسير ببطء.
تبدلت حياة كافور 180° عند سيده الجديد، وعاش حياة هادئة دون أعمال شاقة، وفُتحت له أبواب جديدة للحياة، اكتشف نفسه فيها، وانغمس تمامًا في التعلم والقراءة والمعرفة، واستطاع في وقت قليل للغاية أن يقرأ كم كبير من كتب التاريخ والعلوم.
من نحن؟.. سؤال صعب يطرح كل قرن مرة
وانعكس ذلك على أسلوبه وسلوكه، وحتى ملابسه، فصار يتحدث ويأكل بطريقة مهذبة مثل سيده، وصارت ملابسه نظيفة دائمًا، وكان محمد بن وهب فخور للغاية بعبده الذكي، وقربه منه، وجعل منه مساعدًا له في عمله وحياته.
كافور عبد اخشيد مصر
يومًا ما، قرر محمد بن وهب أن يُرسل هدية عالية لإخشيد مصر “محمد بن طغج”، مؤسس الدولة الإخشيدية، وكلف كافور بمرافقة الركب وتقديمها بنفسه للإخشيد، وبعد مرور عدة ساعات على لقاء كافور بالإخشيد، قرر الأخير أن يمتلك كافور، وطلب من محمد بن وهب أن يتنازل عنه، بعد أن أعجب كثيرًا بذكائه وفطنته.
تحرير كافور وتقلده المناصب السياسية
أظهر كافور إخلاصًا شديدًا للغاية للإخشيد، والذي كان يفتقد لذلك كثيرًا، فقد كان يتعرض لكثير من مكائد الغدر والخيانة من أقرب الناس إليه، فقرر الإخشيد بعد اختبارات كثيرة أثبت فيها كافور إخلاصه التام له، أن يمنحه حريته ويعينه قائد عسكري في جيشه،
وبعد فترة ليست بالكثيرة، توفى الإخشيد محمد بن طغج، بعد صراع شديد مع المرض، وتفاجئ كافور بأنه قد ترك وصية مكتوب فيها أن يقوم كافور بالوصاية على ولي العهد ابن الإخشيد “أبو القاسم”، أثناء توليه الحكم، وذلك لصغر سنه، ونقص خبرته.
واستطاع كافور أن يحكم سيطرته على الدولة تمامًا، وقام بتوسيع حدودها، وضم لها فلسطين والحجاز ودمشق والأردن.
وكان يقوم بإلهاء أبو القاسم بملذات الحياة ليشغله عن الأمور السياسية، ولكن فاجئه أبو القاسم عندما تمرد عليه يومًا ما وبدأ في المطالبة بحقه في الخلافة، وذهب لأعداء كافور واتحد معهم، وبدأ في تكوين جيش خاص به لمحاربة كافور، وعندما علمت أمه بما يحدث، خشيت عليه من بطش وقوة كافور، فذهبت للأخير وأخبرته بخطة ابنها، وترجته ألا يؤذيه، وطلبت منه أن يأتي به ويتحدث معه بهدوء والوصول لحل ودي دون إراقة الدماء.
“أحمد عرابي” في عيون الآخرين .. نسبوا الثورة لاسمه تحقيرًا له ووصفته الأهرام بالعاصي
واستجاب لها كافور، وأرسل في طلب أبو القاسم، الذي حضر وخضع لمطالب كافور، وتنازل عن حقه في الحكم مقابل الأموال.
كافور حاكم مصر
بعد ذلك بفترة قصيرة، توفى أبو القاسم وأخيه الصغير بالسم، وأشارت أصابع الاتهام إلى كافور بالطبع، الذي لم يبالي أبدًا بما يُقال، وركز كل جهده على توسعة البلاد، والقيام بالمزيد من الحملات، وتقوية الجيش لصد هجمات الفاطميين، وتقوية العلاقات مع البلدان المجاورة، ورغم كل مشاغله، كان ينزل بين الناس وينظر لمطالبهم بنفسه، وأغدق على الشعب بالأموال والعطايا، فكسب حبهم وودهم، وكان الجميع مخلص له بشكل تام.
هل يكون هذا المهدئ الخطوة الأولى في علاج مرضى تلف الدماغ؟
واستمر حكم كافور لمدة 21 عامًا، ومع موته بدأت الدولة الإخشيدية في التحلل تدريجيًا، حتى حلت محلها الدولة الفاطمية، وفُتح عصر جديد في تاريخ مصر.
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال