همتك نعدل الكفة
592   مشاهدة  

فقط على الميزان : مذكرات فاطمة رشدي : الشيكولاتة طريقا للفن (1)

فاطمة رشدي
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



“الرجل الذي اخترع المصباح أهم من الرجل الذي اخترع المصباح الملوّن” .. قاعدة ذهبية ترجع الفضل للذي بدأها من الصفر عن الذي بدأها من الرقم واحد .. هكذا كانت فاطمة رشدي .. رائدة في فن المسرح والسينما والتمثيل عمومًا .. مكافحة ككفاح الأمهات التي تعمل وتطبخ وترعى الأبناء والزوج والطيور وتشاهد الأفلام في آن واحد .. كثير منّا لا يعرفون معلومات كثيرة عن فاطمة رشدي .. كلها معلومات تقليدية تتلخص في أنها عاشت تحت الأضواء وبجوار الشهرة طوال العمر وماتت تشحذ اللقمة أمام مسرح الأزبكية وتلعن الفن الذي أوصلها لتلك المرحلة، مثلّت أفلام كثيرة أشهرها” العزيمة” و “بنات الريف”، وولدت بالإسكندرية  شهر نوفمبر عام 1908 وتوفيت في يناير 1996.

لكن قصتها المليئة بالتفاصيل لا يعرفها كثيرين، كفاحها ضد الظروف لا يسمع عنه أحد. لذلك حرص “الميزان” على البحث خلف هذه الحياة المتخمة بالأسرار، المفعمة بالحركة والشغف..  وهنا سنسرد لكم مذكرات حياتها النادرة بخط يدها .. إليكم الحلقة الأولى منها حيث قالت :

 

كان شأن هذه الصغيرة اللاهية ، شأن الجميع من حولها ، لا همّ لهم إلا اللعب ، وقطعة من الشوكولاتة ينفحها بها شاب ثري معجب، أو هدية ثمينة من كهل غني عطوف .

لست أدري لماذا كان في طبعي تركيب مزجي، كما يقول علماء الطبيعة، فأنا ثائرة يهتاجني البسيط من الأمور التي لا أقرأها ،وأنا وادعة كالحمل حين أكون هادئة مطمئنة راضية، حتى ليستطيع العدو قبل البسيط أن (يأخذ عيني) كما يقول أولاد البلد!

قد يكون مرد هذا التناقض في خلقي إلى أنني ولدت في الإسكندرية ، فتأثرت طبيعتي بأمواج شاطئها حين تغضب ، فتعلو حتى تغرق الطرق والسابلة ، فلما غادرتها إلى القاهرة – في سبيل لقمة العيش وبحثًا عن مستقبل أفضل – وعشت على ضفاف النيل الهادئ الوديع ، أضفى علىّ من هدوئه ووداعته الشئ الكثير..

قد يكون هذا صحيحًا وقد لا يكون. ولكن الذي أدريه عن يقين، أنني كنت طفلة لم أجاوز عامي العاشر . أمشي بين أمي وأختي التي تكبرني في شوارع الإسكندرية كل مساء بيد كل منهما، وأنا بينهما أسير مرحة فرحة نشيطة، إلى مسرج أمين عطا الله الذي كانت تعمل فيه الأخت، فأستمع إليها، وأنا جالسة في الصالة وهي تغني ، فأردد معها أغنياتها بصوت لا يسمعه غيري، فإذا صدعت بعدها فتحية أحمد – مطرية القطرين فيما بعد- فغنّت أغانيها هي الأخرى ، رأيتني أرددها معها أيضًا بصوت مرتفع حتى حفظتها عن ظهر قلب ، كلمات وألحانًا وأداء، فإذا انتهت السهرة في المسرح بعد منتصف الليل ، عدنا ثلاثتنا – أنا وأمي وأختي- وأنا أغالب النوم الذي دهم جفني ونحن في الطريق إلى مسكننا المتواضع.

ثم لم أعد أقنع بالاستماع إلى أختي وإلى فتحية أحمد من صالة المسرح، فتسللت إلى الكواليس، واتخذت بينهما مكانًا لا أبرحه في كل ليلة حتى يجئ وقت الرواح بعد منتصف الليل .

وكان مما تغنيه فتحية أحمد أغنية مطلعها : “طلعت يا محلى نورها .. شمس الشموسة” ، لحن الشيخ سيد درويش ، وكنت “أدندن” بها بعد إنزال الستار في كل مرة لسهولة ألفاظها وجميل تلحينها. حتى كان مساء، وبدأ القدر يدفعني إلى أمام، ويهيئني لما كتب الله لي ..

لقد أصرّت فتحية أحمد على أن تتقاضى أجرها كاملًا قبل رفع الستار، وأصرّ أمين عطا الله على أن ينقدها هذا الأجر في آخر الليل بعد انتهاء العمل، وسرعان ما غضبت، وولت تاركة الرجل بين شقي الرحى ، فماذا يصنع أمام الجمهور؟

جال ببصره الزائغ بين أعضاء فرقته على المسرح قبل رفع الستار ، وإذا به يتجه إلىّ، ويقول:

  • سمعتك تغنين “طلعت يا محلى نورها” بين الكواليس .. ما رأيك في أن تغنيها أمام الجمهور .. ولك عندي قطعة فاخرة من الشيكولاتة ؟

قلت : أريد قطعتين !!

إقرأ أيضا
الذكاء الاصطناعي والإنسان

قال : سأجمع لك “الشيكولاتة وأحملها إليك يا صغيرتي … استعدي .. لا تخافي، إن الجمهور سيصفق لك ، وسيحييك بحرارة وحماسة.

ولم ينتظر ردي ، وأمر برفع الستار، ودفعني إلى الجمهور ، وبدأت أغنّي، وإذا الجمهور صامت داهش، حتى انتهيت، صفق لي الجمهور سرورًا وإعجابًا .

وكانت هذه هي أول مرة أقف فيها على المسرح . وكان القدر في تلك الليلة التاريخية، يحوطني برعايته، فقد كان سيد درويش في الصالة بين الجمهور ، وسمع غنائي ، فطرب له، فصعد إلى المسرح، وسأل عني أمين عطا الله ، فدلّه على أمي، فحدثها في شأني، واقترح أن نسافر إلى القاهرة لنعمل معه في فرقة سيؤلفها ، هذا لأن ميدان الفن في العاصمة الأولى ، أرحب منه في العاصمة الثانية، ودفع لها عشرة جنيهات .

وشددنا الرحال ، وغادرنا الأسكندرية التي بها نشأت، إلى القاهرة لأجرب فيها حظي..

  • انتظروا الحلقة الثانية من مذكرات فاطمة رشدي بخط يدها حصريًا على “الميزان”

الكاتب

  • فاطمة رشدي محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان