العلاقات العسكرية الأوروبية المصرية.. استمرارية رغم التحديات وهكذا تميز عهد الرئيس السيسي
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
اتسمت العلاقات العسكرية الأوروبية المصرية بالاستمرارية رغم التحديات التي قد واجهتها في بداية العقد، ولكن من المتوقع أن تستمر بشكل نفس الوتيرة نتيجة إدراك الجانبين أهمية التعاون المشترك في سياق التحولات العالمية المتلاحقة، حفاظًا على مصالحهم.
اقرأ أيضًا
لماذا شعر الحضور بالانبهار .. وأولهم الأمير محمد بن زايد : إنه الجيش المصري
ذكر تقرير المركز المصري للدراسات والفكر الاستراتيجي إلى أن القيادة السياسية سعت بعد ثورة 30 يونيو 2013 إلى استعادة مكانة الدولة المصرية في النظام العالمي كفاعل جيواستراتيجي، ورقم مهم في معادلة الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، من خلال إعادة إحياء ثوابت الدبلوماسية المصرية القائمة على قيم السلام والاستقرار، وحماية وحدة وسيادة الدول الوطنية، والتعاون مع الشركاء الإقليمين والدوليين بما يتوافق مع المصالح الوطنية للجانبين في إدارة أزمات المنطقة محل الاهتمام المشترك.
وعملت أيضًا على وضع تصور حول مكانتها في النظام العالمي بعد إعادة صياغاتها للتحديات والتهديدات المتلاحقة من خلال التركيز على الأسباب والدوافع المحفزة لها لمعالجة الاختلالات الناتجة عنها بدلًا من ترجيح سرديات نظرية المؤامرة، علاوة على إظهار نفسها إنها قادرة ومستعدة على العمل الجاد بالتعاون والتنسيق مع الشركاء والحلفاء الدوليين، بالاعتماد على كافة الآليات المتاحة لتشكيل اتجاه مستقبلي لنمط التوجه الخارجي، بجانب الاستجابة بفاعلية في إدارة أزمات المنطقة وهو ما تجلى في تعاونها مع القوى الأوروبية.
مسيرة عقد من العلاقات بين الاستمرارية والتجديد
تميزت العلاقات الأوروبية المصرية بحالة من الزخم والتعاون الذي تعثر في بداية العقد الماضي نتيجة التحولات السياسية التي شهدها الداخل المصري في إطار الحراك السياسي في المنطقة، ففي البداية كان مسؤولو الاتحاد الأوروبي مترددين في التعاطي مع ثورة 25 يناير2011، ولم يصرحوا بضرورة تنحي الرئيس الأسبق “محمد حسني مبارك”، ولكنها دعت الحكومة إلى ضبط النفس ووقف العنف ضد المتظاهرين، ولكن أحداث المنطقة شجعت القادة الأوروبيين على تقييم الوضع الحالي للتعامل معه، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى دعم المجتمع المدني، وإعلانه دعم التحول الديمقراطي عبر تقديم المساعدات المالية، إلا أن الحكومة في عهد الرئيس الأسبق “محمد مرسي” قاومت هذه الجهود وساهمت في تدهور العلاقات خاصة مع بعد أن أصدر “مرسي” الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012 لتوسيع وترسيخ هيمنته وسلطاته.
وبعد ثورة التصحيح في 30 يونيو 2013 واجهت مسيرة العلاقات بعض التوترات على خلفية إدانة العنف الداخلي؛ إذ تم تعليق المساعدات باستثناء الأنشطة التي تدعم الضعفاء في المناطق الريفية والقطاعات غير الرسمية. وفرض الاتحاد الأوروبي حظرًا على توريد الأسلحة إلى مصر، وأعيد تأكيد الحظر في عام 2014، ثم في عام 2016، في أعقاب حادثة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، إذ أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا غير ملزم دعا إلى وقف التعاون الأمني من أي نوع منذ ذلك الحين استمرت 12 دولة من أصل 28 دولة أوروبية ولا سيما فرنسا وألمانيا، في بيع الأسلحة الصغيرة والكبيرة لمصر.
ولم يستمر هذا النهج كثيرًا، فمنذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في 2014 سعى إلى إعادة ضبط مسار العلاقات الأوروبية المصرية إلى مكانها الصحيح، بل عمل على توثيق العلاقات من خلال الزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين، وإبرام اتفاقيات للشراكة والتعاون في شتى المجالات، كجزء من توجهه الخارجي الذي يُرسخ لاستعادة مصر دورها كفاعل دولي مؤثر في التفاعلات العالمية.
وعليه فقد عادت العلاقات بشكل تدريجي؛ حيث تم إطلاق المفاوضات حول أولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر في إطار سياسة الجوار الأوروبية المنقحة في فبراير 2016، وتم تحديد الأولويات في ديسمبر 2016، واعتمدها مجلس الشراكة في يوليو 2017، وقد تركزت أولويات الشراكة على ثلاثة محاور أساسية: النمو الاقتصادي الشامل، وشراكات أقوى في السياسة الخارجية مع التركيز على استقرار المنطقة المشتركة، وتعزيز الاستقرار والأمن في مصر.
بجانب قيام بعض القوى الأوروبية بالحفاظ على استمرارية التواصل مع القاهرة وهو ما تجلى في حضور الرئيس الفرنسي السابق “فرانسوا هولاند” حفل افتتاح قناة السويس في أغسطس 2015، كضيف شرف للرئيس “السيسي”، واتفاق باريس على عدد من الصفقات الأسلحة مع القاهرة، وقد استمر هذا التعاون مع الحكومة المصرية حتى مع تولي الرئيس “إيمانويل ماكرون” في 2017 لتأكيد الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
أما إيطاليا فعززت علاقاتها مع القيادة السياسية المصرية خاصة بعد الاكتشافات الهيدروكربونية في شرق المتوسط، واستثمار شركة “إيني” فيها. وبالرغم من توتر العلاقات مع روما بعد حادثة “ريجيني”، إلا أنها وافقت في يونيو 2020 على بيع مدمرتين من نوع “فريم بيرجاميني” إلى مصر، وقد استلمت القاهرة أول فرقاطة في ديسمبر 2020، لتنضم لأسطول القوات البحرية المصرية. فيما حافظت القيادة المصرية على استمرار العلاقات مع ألمانيا وخاصة في المجال العسكري وهو ما تجلى في صفقات الغواصات الأربع التي تم التعاقد عليها في 2014، وهى الأحدث من طراز (209-1400).
كيف انعكست الجهود المصرية على العلاقات العسكرية مع أوروبا؟
اختلفت النظرة للقاهرة التي أصبحت ذات ثقل في محيطها الجغرافي وعمقها الاستراتيجي، وتجسد ذلك في رؤية أوروبا لها كشريك أساسي يمكن التعاون معه لاستعادة الأمن والاستقرار الإقليمي الذي عانى من ويلات الفوضى والحروب الأهلية، فضلاً عن تنامي الفاعلين العنيفين من غير الدول والمدعومين من قبل بعض القوى الدولية التي ترغب في الإضرار بالمصالح المصرية والأوروبية.
ذلك فضلًا عن قدراتها في لعب دور بارز في ملف الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، علاوة على كونها الصوت المعتدل في المنطقة داخل المنظمات الدولية والإقليمية هو ما تمثل بشكل كبير في موقفها من الأزمة الليبية والسورية واليمنية والعراقية، بجانب تبنيها جهود السلام والتسوية السياسية العادلة للقضية الفلسطينية كأساس لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يتوافق مع الرؤية الأوروبية، علاوة على موقعها الجيواستراتيجي المميز الذي ساهم في تقريب العلاقات بين الجانبين ودفعهم للتعاون لحماية مصالحهم في شرق المتوسط من خلال الاتفاقيات ترسيم الحدود مع قبرص واليونان، بجانب المناورات العسكرية المشتركة لحماية ثرواتهم من المواد الهيدروكربونية.
جاء هذا التوجه الأوروبي تجاه مصر كجزء من توجه إقليمي أكبر من التركيز على دعم الديمقراطية إلى التشديد على ضمان أمن واستقرار المنطقة، والحد من الضرر في العلاقات مع القاهرة وهو ما انعكس في زيارة “فيديريكا موغيريني” الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي إلى مصر في نوفمبر 2015، لتنشيط العلاقات الثنائية مع مصر والعمل مع هذا الشريك الرئيسي في عدد من الأزمات الإقليمية. وهو نابع أيضًا من إدراك التحول الحقيقي الذي تشهده الدولة المصرية بعد 30 يونيو 2013، وسعي القيادة المصرية لصياغة استراتيجيتها على الصعيد الداخلي والخارجي، مرتكزة على استقلالية عملية صنع واتخاذ القرار المصري، وتنويع العلاقات بين القوى الدولية دون اقصاء أو انحياز إلى أي قوى دولية على حساب الأخرى.
الأمر الذي حفز القوى الأوروبية لتعزيز الشراكة مع الدولة المصرية وخاصة في المجال العسكري لتحديث وتطوير ترسانتها بأفضل المعدلات والأسلحة التي تتناسب مع التحديات والتهديدات القائمة، علاوة على كونه عامل ردع في توازنات القوى، -فعلى سبيل المثال- زادت مبيعات الأسلحة الألمانية إلى مصر بنسبة 205٪ بين عامي 2013 و 2017، مقارنة بالفترة بين عامي 2008 و 2012. واحتلت مصر المركز الأولى في قائمة الدول الأكثر طلبًا للأسلحة والمعدات العسكرية الألمانية في الربع الأول من عام 2020 بمشتريات بلغت قيمتها 290,6 مليون يورو، بينما كانت في المرتبة الثالثة في عام 2019 بمشتريات بلغت قيمتها 802 مليون يورو. وبين عامي 2013 و2017، تجاوزت فرنسا الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مزود للأسلحة لمصر؛ حيث قدمت ما يقرب من 4 مليارات يورو من الإمدادات. يعكس هذا التحول في المبيعات الكبيرة بما في ذلك صفقة لتسليم 24 طائرة رافال في عام 2015، حجم الشراكة بين الجانبين.
أبرز أنماط الشراكة العسكرية بين الجانبين
شملت أنماط التعاون العسكري بين مصر والقوى الأوروبية عددًا من المسارات التي جاءت كاستجابة للتهديدات المتلاحقة التي تعصف بالنظام العالمي عامةً، وتضر بمصالح الجانبين خاصةً، علاوة على توافق الرؤى حول التحديات المشتركة، وتقارب تصوراتها حول معالجتها بما يحقق الاستقرار الإقليمي دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع بعض القوى الدولية التي تسعى خلق موطئ قدم لها يهدد مصالحها، بالإضافة إلى رغبة القيادة المصرية والأوروبية على تبادل الخبرات لدفع التعاون العسكري المشترك هو ما تمثل -على سبيل المثال- في:
تأكيد الرئيس عبد “السيسي” خلال استقباله وزير الدفاع اليوناني “نيكولاوس باناجيوتوبولوس” بحضور وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول “محمد زكي”، وسفير اليونان بالقاهرة في ديسمبر 2020، أن التعاون العسكري بين مصر واليونان وقبرص يعد “نموذجًا متزنًا لحسن الجوار وفق الأعراف الدولية” من أجل أمن واستقرار منطقة شرق المتوسط، معربًا عن تطلعه لتعزيز هذا التعاون العسكري والتدريبات المشتركة بين البلدين، ومشيدًا بالمستوى الذي وصل له هذا التعاون في المرحلة الحالية، “سواء على المستوى الثنائي أو الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص”. وسبق ذلك تأكيد الرئيس التطلع للتعزيز التعاون العسكري مع فرنسا خلال زيارة وزيرة الدفاع الفرنسية “فلورانس بارلي” للقاهرة في مارس 2020.
وأيضًا أكد المهندس “محمد أحمد مرسي” وزير الدولة للإنتاج الحربي خلال استقباله السفير “جيامباولو كانتينى” سفير إيطاليا بالقاهرة في سبتمبر 2020، ضرورة استمرار وتطوير التعاون بين الجانبين سواء في مجال الصناعات العسكرية أو الصناعات المدنية، وفقًا لأحدث التكنولوجيات المستخدمة في هذه المجالات.
وناقش الرئيس “السيسي” تطوير التعاون العسكري بين القاهرة وبرلين خلال لقائه مع وزيرة الدفاع الألمانية “أنيغريت كرامب كارنباور” في نوفمبر 2019. وفي زيارة وزير الدفاع المصري السابق “صدقي صبحي” للمجر في فبراير 2017، ولقائه بنظيره المجري “استفان سيميشكو” في بودابست، إذ ناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون العسكري، وشدد “صبحي” و”سيميشكو” على أن التعاون يصب في “المصلحة المشتركة” لكلا البلدين. وعليه فقد تجسدت تطلعات القيادة المصرية والأوروبية في تعزيز التعاون العسكري على النحو التالي:
تنامي مبيعات السلاح: يُعد التعاون العسكري المصري مع القوى الأوروبية ركيزة أساسية في مسيرة العلاقات؛ إذ شهد عام 2015 ذروة في تراخيص التصدير من المملكة المتحدة إلى مصر، بعد أن تم تعليق 48 ترخيصًا بشكل مؤقت في أغسطس 2013 بعد استنتاجات مجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي التي دعت الدول الأعضاء إلى إعادة تقييم تراخيص تصدير المعدات العسكرية ومراجعة مساعداتهم الأمنية لمصر. ومع ذلك، فإن ما يسمى بالحظر لم يكن ملزمًا قانونًا وتُرك مفتوحًا لتفسير البلدان الفردية.
وازدهرت كذلك العلاقات الدفاعية المصرية الفرنسية منذ فبراير 2015 عندما اشترت القاهرة 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال وفرقاطة بحرية وصواريخ مقابل مبلغ ضخم قدره 5.2 مليار يورو. وفي أكتوبر 2015 باعت فرنسا أيضًا حاملتي مروحيات من طراز ميسترال للبحرية المصرية بعد إلغاء صفقة سابقة مع روسيا تماشيًا مع عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على روسيا احتجاجًا على مشاركتها في أوكرانيا.
وخلال زيارة الرئيس الفرنسي في أبريل 2016، وقعت مصر وفرنسا اتفاقيات أخرى بقيمة 2 مليار يورو في مجالات الطاقة والمعدات الأمنية والاتصالات العسكرية عبر الأقمار الصناعية وغيرها. أما ألمانيا فقد باعت للقاهرة أربع غوصات مصر بعد توقيع عقد بقيمة مليار يورو في عام 2014. هذه هي الصفقة الثانية من نوعها منذ عام 2011. ووافقت الحكومة الإيطالية في يونيو 2020 على بيع مدمرتين من نوع “فريم بيرجاميني” إلى مصر، تبلغ قيمة الفرقاطتين 1.2 مليار يورو، وهما من تصميم مجموعة “فينكانتييري” الإيطالية.
استمرار المناورات العسكرية والتدريبات المشتركة: انطلاقا من تقارب الرؤى الأوروبية والمصرية حول التهديدات والمصالح المشتركة وخاصة في منطقة شرق المتوسط، عمل الجانبان على إطلاق مجموعة من المناورات العسكرية المشتركة مثل مناورة “ميدوزا 10” في شرق البحر المتوسط، بين كل من فرنسا واليونان وقبرص ومصر والإمارات، قبالة سواحل الإسكندرية التي استمرت من الفترة 30 نوفمبر وحتى 6 ديسمبر 2020، على خلفية التوترات القائمة في المنطقة.
ونفذت القوات البحرية المصرية والفرنسية تدريبًا بحريًا في نوفمبر 2020، في نطاق الأسطول الشمالي بالبحر المتوسط، وقد سبقه تدريب مُماثل بداية شهر أكتوبر الماضي، علاوة على قيام قوات البحرية للبلدين بتنفيذ تدريبات آخر في مارس لـ”تعزيز إجراءات الأمن البحري في البحر المتوسط”، سبقه تدريب في فبراير بمنطقة تدريب اللنشات والصائدات بنطاق الأسطول الشمالي بالمتوسط. بالإضافة إلى إجراء كلا الجانبين بشكل سنوي منذ عام 2014، التدريب البحري المشترك “كليوباترا”، وتم عقد آخر دوراته في إبريل 2019 بالمياه الإقليمية الفرنسية، وأطلق على هذا التدريب اسم “كليوباترا – جابيان 2019″، وينفذ الجانبان أيضًا تدريبات مشتركة بشكل دوري تحت اسم (نفرتاري) و(رمسيس).
هذا بجانب إطلاق فعاليات التدريب البرمائي المشترك المصري البريطاني (T-1) من 5 – 12 نوفمبر 2020 وهو الأول من نوعه بنطاق الأسطول الشمالي بالبحر المتوسط بمصر. وقيام القوات البحرية المصرية ونظيرتها الإسبانية، في يونيو 2020 بتنفيذ تدريبًا بحريًا عابرا في نطاق الأسطول الجنوبي المصري بالبحر الأحمر؛ فقد أشار المتحدث العسكري المصري إلى أن “التدريب اشتمل على تخطيط وتنفيذ عدد من الأنشطة، ومنها تمرين دفاع جوي ضد الأهداف الجوية المعادية، وتمرين تشكيلات الإبحار والتي ظهر من خلالها مدى قدرة الوحدات البحرية المشاركة على اتخاذ أوضاعها بدقة وسرعة عالية”، وتم تنفيذ تدريبات قتالية نوعية على التعاون بين التشكيلات البحرية لمجابهة التهديدات والعدائيات المختلفة مع التدريب على استعادة الكفاءة للوحدات البحرية وإعادة تموينها.
الكاتب
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال