الوسط الفنى “مش وسط زبالة يا ماما”
-
عبير إلهامي
رئيس تحرير سابق لجريدة الحسينية المحلية وخريجة صحافة الزقازيق ومعهد السينما وتكتب فى مجلة سينمائية فصلية اسمها scene
كاتب نجم جديد
كنت دوما أتوق للدراسة فى القاهرة وكان اهلى يمنعوننى عنها منذ تنسيقى فى الثانوية الذى كتبوه عنى ليلقوا بى في جامعة الزقازيق وعندما تخرجت حلّقت إلى القاهرة حيث كان رمسيس يجمع معهد الموسيقى العربية قبل انتقاله لأكاديمية الفنون ومعهد إعداد الدعاة وقررت أن أقدم بكليهما وعقب إصدار الكارنيه لى منعت مجددا من الذهاب لصالح الدراسات العليا بجامعة المنصورة.
وعندما انتهيت منها ذهبت للقاهرة بإصراري العنيد وقدمت هذه المرة فى معهد السينما ولم أخبرهم طبعا إستفادة من دروس الماضى وغطيت على ذلك بدراسة أخرى فى جامعة القاهرة وبعد انتهاء الدراسة بها ومعرفة البيت بأنى طالبة سينما قامت مناظرات ومشاحنات وضغوطات عنيفة ضدى لاترك المعهد وكانت الحجة تشويه الوسط الفنى .. كانت الأصوات الصادرة من اهلى واصدقائى.
_ “حرام دراسة الفن” .. انتى هتطلعى ايه بعد اللى بتعمليه ده (كل دارسى التخصصات الفنية يسمعون هذه الجملة العتيدة الكلاسيكية )
_ من ساعة مادخلتى المعهد وانا حاسس ان رأسى محنية مش قادر أواجه الناس وبقيتى زى العار اللى لازق فيا (جملة مهروسة دراميا اعتاد ترديدها حسين رياض فى افلامه يهدد بعدها بتوقف قلبه أو قدميه عن العمل من باب الابتزاز العاطفى لتغيير آراء الأبناء ).
_ هتضحى بأهلك عشان السينما وترمى نفسك فى حضن وسط لابيصلى ولابيصوم وعلاقاته العاطفية فاشلة ولما بيموتوا بيبقوا لوحدهم (جملة مثيرة مكتوبة بخيال سيناريست وضع لقصته بداية ووسط ونهاية تتنبأ بمصيرى الأسود لما أبقى من أهل الفن ).
وهكذا من تشكيلات هذه الجمل الكثير طوال السنتين المتبقيتين لدرجة أننى ضعفت ذات موجة قاهرية عالية شوية وتوقفت عن الدراسة فعلا وبدأت أردد لنفسى بسلبية كل ماكان الجميع يهمس ويزعق به فى أذني وكنت أعيش وحدى فى شقة مثل هيثم أحمد زكى الذى توفى وحيدا وتذكرت عبارة أمى التنبؤية لو مت مثله على لسان يوسف داوود رحمه الله “نهايتك سودا يازيمباوى”.
كانت الأخبار التي تصلنى من الوسط كئيبة قاتمة مليئة بكل ماهو مستفز وقبيح خاصة الخلافات بين الفنانين وكأنهم دخلوا السوشيال ميديا ليخرجوا أسوأ ماعندهم وكان زملائى يتحدثون أمامى بقلق كل موسم رمضانى عن خوفهم من تعطل أعمالهم بسبب هذه الخلافات.
.. وكنت أهون على نفسى لأكمل دراستى أن الناس أصبحت صعبة الطباع فى كل الأوساط ولكن مشكلة الوسط الفنى أنه وسط الكاميرات والإضاءة والمهرجانات والسجادة الحمراء فهذا يضاعف من تراهاتهم الإنسانية الموجودة بصفة عامة لدى كل الناس بالفطرة وأعود فأغير على الفن كيف يكون الفنانون قادرين على أى أذى أو يمارسون أية سباب أو يهاجمون الثوار ومن المفترض رقة مشاعرهم وحساسية نفوسهم تجاه مايحدث حولنا .. كنت أبذل مجهودا عصيبا لأفصل بين حياة كل شخص منهم الفنية والإنسانية وحتى السياسية ولكنى كنت أضبط نفسى حينما يزورنا أحد الفنانين الكبار ليعطونا خبرتهم وتنهال الطلبة كالسيل لتتصور معه .. كنت لاأندفع معهم وأتمسك بمبدأى النقدى وكنت مشهورة بتوجيه أسئلة لاذعة فى الندوات حتى إن العميد والوكيل كانوا يباشروننى بالنظرات الرادعة كى لا تخرج أسئلتي خارج الإطار الفني وكنت أحاول بالفعل ثم أعود مجددا لطبيعتى.
النساء في الإسكندرية أخطر من البنادق
أكتب هذا المقال بصرخة إنتصار فى عنوانه كى أثبت رئيس التحرير أن لا يتلاعب فى عنوان مقالى كعادته المفضلة التى تدفعنى أحيانا لتخيل نفسى أعبث بحقيبتة التي رأيتها بيده آخر صورة وأخرج أحشائها بحقد هند بنت عتبة على حمزة كى يجرب إحساسى عندما يعبث بعنوان مقالى الذى أردته مدويا كعادتى حين أبلغ أمى خبرا هاما يصلها من باب البيت مارا بالصالة والطرقة الطويلة المؤدية إلى المطبخ فتسمعنى وتترك مابيدها كى أذهب إلى جوارها وأبدأ فى نقنقته وأنا أسرد باقى تفاصيل الخبر وهى أن أصالة اعتذرت إلى أنغام وقبلت الأخيرة منها الاعتذار بكل لطف العالم الذى أتمنى لو توزع على كل الصداقات القوية التي تنتزع فقط على مجرد كلمة إعتذار.
وأعلم أنه كان الأحرى بى أن أسرد قصة خصامهما ثم صلحهما كما يفعل أي صحفى ماهر ولكنى لا أبالى بالطريقة التقليدية فى مهارات الصحفيين ورأيت أن قصتي مع المعهد أكثر إثارة فى مقدمة المقال كما أنني لاأهتم إنسانيا بأى سلوك بشرى غاضب ومضاعفات ردود الفعل قدر اهتمامي فى مثل هذا النوع من القصص كيفية ترميم العلاقات الإنسانية والنجاة بالعلاقات الحقيقية إلى بر الأمان وهذا مايفعله سحر الاعتذار ورغبة الطرف الآخر فى العودة المتلككة بعد سماع الاعتذار .. فهذه العواطف النبيلة المتسامحة هى التي تليق حقا بالفنانين الحقيقين وهى التى نتخذها قدوة فى حياتنا التى باتت مليئة بالمشاعر الغاضبة الحانقة بلا مبرر يستدعيها وبهذه المناسبة أتمنى أن أتصالح مع ريهام وهدير وإن كنت لاأدرى شيئا من سبب أو حجم غضبهما ولكنى أعتذر حبا في وصالهما وأن ذكرياتنا معا طوال عشرين عاما من الصداقة كافية لمحو أي سوء تفاهم قد لايجمع شملنا فى رمضان .. ولنا فى صداقة أنغام وأصالة قدوة حسنة فى الاعتذار والمسارعة إلى التسامح .
الكاتب
-
عبير إلهامي
رئيس تحرير سابق لجريدة الحسينية المحلية وخريجة صحافة الزقازيق ومعهد السينما وتكتب فى مجلة سينمائية فصلية اسمها scene
كاتب نجم جديد